-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

منظمة بحاجة إلى الإصلاح والتجديد

محمد قيراط
  • 1936
  • 0
منظمة بحاجة إلى الإصلاح والتجديد

في شهر سبتمبر من كل سنة تجتمع الجمعية العامة للأمم المتحدة (192 دولة) في نيويوك لمناقشة أوضاع العالم ومشكلاته.

  • إجتماعات تتكرر وتتوالى لكن المشكلات والنزاعات   والحروب والأزمات والأمراض والأوبئة تزيد سوءا سنة بعد سنة، بحيث أن آليات صناعة القرارات والعمل داخل المنظمة تسيطر عليها ازدواجية المعايير وسيطرة الدول العظمى خاصة الولايات المتحدة. المنظمة أدركتها الشيخوخة وأصبحت عاجزة تماما على الاستجابة للتطورات السريعة التي يشهدها العالم، خاصة بعد انهيار الكتلة الشرقية والثنائية القطبية، وبعد إعلان الحرب على الإرهاب. إزدواجية المعايير التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية على مجلس الأمن وعلى قرارات المنظمة الأممية تؤكد عدم ديمقراطية صناعة القرار في المنظمة، كما تفرز الكثير من الظلم والاستياء من قبل العديد من الدول التي تعاني من الابتزاز والاستغلال والاستعمار، فما يحدث في العراق وفلسطين والسودان وأفغانستان، وما تعاني منه إيران وفنزويلا وكولومبيا من مضايقات يعكس حال المنظمة العاجزة عن تحقيق العدالة والمساواة والديمقراطية في العالم، فالكثير يرى أن منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن ما هي إلا امتدادات للخارجية الأمريكية، فالعراق تم غزوه من قبل أمريكا بأكذوبة كبيرة وبتزكية من قبل مجلس الأمن الدولي.
  • أصبحت منظمة الأمم المتحدة في القرن الحادي والعشرين منظمة تسيطر عليها الولايات المتحدة الأمريكية باسم مكافحة الإرهاب وحقوق الإنسان والأمن والاستقرار في العالم. أصوات عديدة في السنوات الأخيرة تنادي بضرورة إصلاح المنظمة وإعادة النظر في هيكلتها وتنظيمها خاصة بعد انهيار جدار برلين وأحداث 11 سبتمبر 2001. صورة العالم اليوم وبعد مرور 64 عاما على إنشاء منظمة الأمم المتحدة صورة قاتمة سوداء تبعث على التشاؤم والحسرة لأسباب عدة من أهمها: أن المنظمة فشلت في تحقيق الكثير من وعودها وأهدافها. فالحروب والنزاعات تنتشر اليوم في أماكن عدة من العالم. الجهل والفقر والحرمان والأوبئة والأمراض الفتاكة ما زالت تنتشر في العديد من الدول. برامج التنمية التي سطرتها المنظمة منذ الخمسينيات إلى الساعة لم تحقق أهدافها، العالم أصبح أقل أمانا مما كان عليه في القرن الماضي والإرهاب أصبح لغة العصر ينتشر في جميع أنحاء المعمورة ويضرب أي هدف بدون سابق إنذار وفي أي مكان في العالم.
  • بعد 64 سنة على إنشائها تواجه المنظمة الأممية انتقادات حادة ودعوات مكثفة للتغيير والتجديد والإصلاح لمواكبة التطورات التي شهدها العالم خلال الستة عقود الماضية. والسؤال الذي يطرحه الكثيرون هو هل العالم بحاجة إلى منظمة الأمم المتحدة؟ ما دام أن المنظمة الأممية تستعمل من قبل حفنة من الدول الفاعلة في النظام الدولي. ماذا قدمته هذه المؤسسة من أجل محاربة الفقر والجهل والاستعمار والأمراض والأوبئة؟ ففي مجال التنمية فشلت معظم المشاريع التنموية في دول العالم الثالث التي عانت من الاستعمار وانعكاساته السلبية في جميع المجالات، فالهوة بين الشمال والجنوب تزداد يوما بعد يوم، وهناك أكثر من مليار نسمة يعيشون في فقر مدقع، 900 مليون منهم يعيشون على أقل من دولار في اليوم، فمعظم الدول المتقدمة لم تحترم التزاماتها نحو الدول الفقيرة ولم تقدم المساعدات وتساهم في توفير شروط التنمية والتطور.
  • في مجال تصفية النزاعات والحروب ما زالت أماكن عديدة من العالم تعاني من حروب ونزاعات سواء أهلية أو بين الدول، تحت أنظار منظمة الأمم المتحدة التي لم تستطع أن تضع حدا لبؤر التوتر ومناطق النزاعات في العالم.
  • السؤال المطروح هو هل تحتاج المنظومة الدولية إلى منظمة الأمم المتحدة في عالم تحكمه القطبية الأحادية وتديره أمريكا بطرقها الخاصة وفق ما تقتضيه مصالحها؟ الأمم المتحدة لم تحقق معظم الأهداف التي تدعي أنها تسعى لتحقيقها. المنظمة فشلت في دارفور كما فشلت في رواندا وأفغانستان والعراق.
  • أما بالنسبة للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي فحدث ولا حرج، فالكيان الصهيوني يمارس القتل والعنف والجريمة وإرهاب الدولة أمام مرأى ومسمع مبعوثي المنظمة الدولية وقرارات الجمعية العامة للمنظمة ومجلس الأمن، وما حدث مؤخرا في غزة دليل قاطع على شلل المنظمة أمام تعسف تجار الحروب والأسلحة.
  • كما فشلت المنظمة كذلك في البوسنة وفي نزاع الصحراء الغربية وفي الصومال وفي التعامل مع الملف النووي الإيراني والقائمة قد تطول.
  • منظمة الأمم المتحدة تواجه اليوم مشكلة الإرهاب والتي تعتبر من أخطر القضايا التي يواجهها العالم برمته، وإلى حينه ما زالت عاجز على تحديد مفهوم واضح، شامل ومانع للإرهاب.
  • كما تواجه المنظمة مشكلة صراع الحضارات، الصراع بين الغرب والشرق، أو الصراع بين الغرب والإسلام، فالحرب على العراق تعتبر جريمة ضد الإنسانية بمؤازرة وموافقة مجلس الأمن، فالحجج التي استخدمتها أمركا لغزو العراق كلها باطلة ولا أساس لها من الصحة، فكانت كلها مغرضة وكاذبة، ورغم ذلك نجد معظم الدول الغربية تساند وتدعم الأمريكيين، فالولايات المتحدة الأمريكية تستعمل وتستخدم منظمة الأمم المتحدة كجهاز سياسي عالمي “تابع” للخارجية الأمريكية لتحقيق أهدافها ومصالحها في مختلف أنحاء المعمورة. والتعامل مع الملف النووي الإيراني خير دليل على ذلك.
  • منظمة الأمم المتحدة وبضغط من مجلس الأمن تطبق ازدواجية المعايير في تعاملها مع قضايا العالم ووفق ما تقتضيه مصلحة بعض الأعضاء وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية. هناك من طالب بتوسيع مجلس الأمن وفتح الباب أمام كل من اليابان وألمانيا والهند والبرازيل، لكن المشروع فشل أمام معارضة الأفارقة الذين يطالبون هم بدورهم بمقعدين. وأمام هذه المطالب تصر أمريكا في حالة قبول أعضاء جدد في مجلس الأمن بعدم تمتعهم بحق “الفيتو”.
  • منظمة الأمم المتحدة منظمة فاشلة لعدة اعتبارات. ورغم جهودها المكثفة لتحقيق التنمية واحتواء الإرهاب واحترام حقوق الإنسان وحفظ السلام والأمن والاستقرار في العالم إلا أن النتائج الملموسة في أرض الواقع لا تكاد تذكر.
  • كثر الكلام في كواليس المنظمة عن الإرهاب وضرورة محاربته والتعاون والتكاثف الدوليين من أجل احتوائه، بدون التوصل إلى وضع تعريف شامل ومانع يتفق عليه الجميع. أما عن موضوع الفقر وديون الدول النامية فتنصلت الدول الواعدة والتي ألزمت نفسها في مواعيد سابقة بالمساهمة في تخفيض الفقر إلى النصف. والتناقض الذي تقع فيه منظمة الأمم المتحدة والدول العظمى هو التعهد بمحاربة الإرهاب لكن دون التكفل بمعالجة أسبابه وظروف انتشاره وتفشيه في العالم.
  • الجمعية العامة للأمم المتحدة عجزت عن وضع أجندة عملية لإصلاح منظمة الأمم المتحدة، كما فشلت في وضع استراتيجية لتضييق الهوة بين الشمال والجنوب، وفشلت كذلك في تحديد الآليات العملية لمكافحة الفقر والجهل والأوبئة والأمراض في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. والسبب واضح، حيث أن الآليات التي تحكم النظام النقدي والاقتصادي والتجاري العالمي نظام بحاجة إلى تغيير وتجديد، ففي العالم اليوم هناك شعور بالظلم  والابتزاز والاستغلال، فبعد استنزاف ثروات الدول المغلوب على أمرها والتي اُستعمرت بالأمس، وبعد التجاوزات العديدة التي تُرتكب يوميا باسم الحرب على الإرهاب ضد الأبرياء والمغلوب على أمرهم، وبعد الصراع العنيف بين الحضارات والثقافات والديانات وبعد التزييف والتضليل وحروب الرأي العام، والحرب النفسية والدعاية، تنتشر أكثر فأكثر أسباب الحقد والكراهية والإرهاب. والضحية في النهاية هي الشعوب الضعيفة  التي لا حول ولا قوة لها. هذه الشعوب التي تُستعمل مع الأسف الشديد كأرقام من قبل حفنة من صناع القرار يرسمون مصير مئات الملايين بجرة قلم بدون أدنى اعتبار للأخلاق والقيم والمبادئ الإنسانية، فالدول العظمى تنادي بالديمقراطية وتصر عليها، لكن تدير أمور وقضايا العالم بطريقة غير ديمقراطية، ومن خلال منظمة دولية تتناقض معظم قراراتها جملة وتفصيلا مع المبادئ الأساسية للديمقراطية.
  • منظمة الأمم المتحدة أنشئت بعد الحرب العالمية الثانية بعضوية 50 دولة وشُكلت وفق معايير ومقاييس تلك المرحلة ومنطق انتصار الحلفاء على الفاشية والنازية وقتذاك.  فالمنظمة اليوم تتعامل مع قضايا العالم بمعايير الحرب العالمية الثانية؛ أي بمنطق الخمسينيات من القرن الماضي، وهذا يعني أنها بحاجة إلى إصلاح شامل وجذري يأخذ بعين الاعتبار المعطيات الجديدة -المجتمع الرقمي، تكنولوجيا الاتصال والمعلومات، اقتصاد المعرفة، انهيار الكتلة الشرقية، الحرب على الإرهاب- التي تميز العالم في القرن الحادي والعشرين.
  • منظمة الأمم المتحدة بشكلها الحالي تجاوزتها الأحداث والمعطيات، وأصبحت أداة تسخرها حفنة من الدول وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية لتحقيق مصالحها الضيقة على حساب العالم بأسره، ما يعني أن الوضع يتطلب الإصلاح والتغيير والتجديد لمواكبة معطيات الألفية الثالثة.
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!