الجزائر
بحوث ترمى وإجراءات عديمة الجدوى وشهادات جامعية بلا قيمة

مناقشة مذكرات الماستر تتحول إلى مناسبات للتباهي وإقامة الأفراح

صالح سعودي
  • 17659
  • 0
ح. م

أجمع الكثير من الأساتذة والطلبة والمتتبعين، بأن الإصلاحات التي شهدتها الجامعة الجزائرية في السنوات الأخيرة قد ضربت الشهادات العلمية في مقتل، مؤكدين أن شهادة الليسانس التي كانت في وقت سابق سيدة الشهادات الجامعية أصبحت دون بدون معنى من حيث مقابلها العلمي أو قيمتها في سوق العمل، بينما تحاول شهادة الماستر الحفاظ على ماء الوجه دون جدوى في ظل سياسة الكم المعتمدة، والتي أسقطت كل الاعتبارات الأخلاقية والعلمية المتعارف عليها.

ويرى الكثير أنه لا يعقل أن تناقش 100 مذكرة ماستر في أسبوع أو أسبوعين، ويستحيل حسبهم مراقبة الأمانة العلمية والدقة المنهجية لهذه المذكرات وسط الانتشار الفضيع لظاهرة السرقة العلمية وتطور أساليبها، ولذلك يرى البعض ممن تحدثنا معهم أنه وجب على الجهات الوصية التفكير في نظام آخر لقياس قدرات الطلبة عوض هذه المذكرات التي أصبحت مجرد إجراءات إدارية بروتوكولية خالية من أي محتوى علمي، ناهيك عن الممارسات غير المفهومة الرامية لإجراء معادلة شهادة الماستر بشهادة الماجستير في قوانين الوظيفة العامة، ما يتسبب آليا في هبوط حاد لمستوى حاملي الشهادات الجامعية، وفقدان لقيمتها بسبب مشكل الكم مثلما حدث في مصر.

وإذا كان الأستاذ نورالدين جبالي من قسم علم النفس يرى أن القوانين تلزم الطلبة المتخرجين على إنجاز مذكرات نهاية الدراسة، مؤكدا أن هذه الإجراءات تفيد الطالب المتفوق، فإن مدير ملحقة بريكة الجامعية الدكتور شريف ميهوبي يقول أن الحديث عن مذكرات الماستر يطول، أما عن جدوى مناقشتها فاعتبر أن كل جهد يقيّم ويقوّم، والمناقشة حسبه بمثابة امتحانوإلا ما صار لها معنى الماستر، مضيفا أنه للتغلب على بعض الممارسات السلبية صار لزاما على المعنيين التفكير في أسلوب جديد كاشتراك طالبين في مذكرة واحدة وأن تكون المناقشة مغلقة توفيرا للوقت والجهد والإمكانات.

نقاط مضخمة لإضفاء روح الاحتفالات على حساب الفائدة العلمية

وكشف الكثير من الأساتذة عن عدم اقتناعهم للجوء البعض من زملائهم إلى تضخيم النقاط خلال مناقشة مذكرات الماستر.

وأكد لنا الأستاذ سامي مباركي من قسم الاقتصاد لجامعة باتنة، أنه صادف مثل هذه الحالات التي وصفها بالمؤسفة، حيث تم منح علامة 17 من 20 لأحد الطلبة، وهذا بعد جدل كبير مع أستاذه المشرف بسبب عدم الاقتناع بعمل الطالب، فلا الأفكار حسبه متناسقة ولا العناوين متسلسلة، وهذا دون الحديث عن الأخطاء الإملائية، وحين خروجه من هذه “المناقشة” سأل زملاءه الأساتذة عن العلامات الممنوحة في الكلية فكانت الصدمة، حيث منحت حسب قوله علامات تتراوح بين 19 و19,5، حينها قلت: “الله يرحم أيامات الكلاسيك”، حيث كانت تقام الأعراس وتقدم الشخاشخ وتذبح الكباش لما يتحصل الطالب على علامة 15 في الماجستير أو الدكتوراه، أما الأستاذة “ف. ن” من قسم الاقتصاد لجامعة بسكرة فتقول أن هناك طلبة قلائل تحصلوا على علامة 16، والأغلبية 15، وفئة لا بأس بها تحصلت على 12 و 11 و 14، ومنهم من أجّل ومنهم من أكتشف نقله الكلي لبعض المذكرات الجاهزة، أما الأمور التي لم تفهمها حسب محدثتنا أن هناك من الأساتذة من يناقشك ويمنح طلبتك علامات رديئة ويأمر في الوقت نفسه بمنح طلبته علامة 17، رغم أن مذكرة طلبته مثل مذكرة طلبتك، ويرى الشاعر عيسى ماروك الذي تخرج مؤخرا من قسم الأدب العربي لجامعة المسيلة أن مناقشة رسالة التخرج هامة في مسار الطالب كونها نوع من التثمين لجهده من جهة ووسيلة لتصويب أخطائه وإرشاده إلى طريق البحث العلمي الصحيح، فيما تحفظ على  طريقة المناقشة التي فيها نظر – حسب قوله – حتى لا تصبح المناقشة إجراءا إداريا وحسب، ولا ننسى أن تيقن الطالب من أن عمله سيكون محل تمحيص سيجعله يبذل جهدا مضاعفا، خاصة إذا كانت المذكرات فردية فلا يتكل على غيره.

تطبيق نظام “ال أم دي” بذهنية “الكلاسيك” ساهم في تأزم الوضع

في المقابل لم يتوان البعض في انتقاد الوضع الذي وصل إليه نظام “آل أم دي” الذي تم تطبيقه منذ حوالي 10 سنوات، واعتبروه عديم الجدوى، حتى أن هناك من يتذكر نظام الكلاسيك بكثير من الحنين.

ووصفت الدكتورة لويزة بن بوزة من قسم الأدب العربي لجامعة خنشلة نظام ال ل م د بالكارثي من حيث التطبيق في الجامعة الجزائرية، وترى أنه من المفروض أن يتشكل فوج التخصص من 20 طالبا على أقصى تقدير، فيما وصل حسب محدثتنا في جامعة خنشلة 60 طالبا في بعض الأحيان، متسائلة كيف يمكن مناقشة كل الرسائل بما في ذلك المنجزة فرديا، مؤكدة عدم جدوى مناقشة رسائل أساسها غير علمي، في ظل الاعتماد على الكم على حساب الكيف، ما يحول دون تقييمها بشكل دقيق، ناهيك عن لجوء البعض للسرقة من رسائل ماجستير ودكتوراه، وقلما يتم اكتشافهم نظرا للعدد الكبير لرسائل ومذكرات التخرج، أما الدكتور بن زروق جمال من قسم الإعلام والاتصال لجامعة سكيكدة فيؤكد أن الأمر أصبح دون معنى في ظل تزايد عدد المتخرجين ونقص التأطير النوعي، وضعف المواضيع وغياب مخابر بحث تقدم أفكار بحثية جديدة، في الوقت الذي يرى الطالب أنور سعيداني أن المناقشة لا بد أن تقتصر على المواضيع التي تحتاج فعلا لذلك، لأن هناك مواضيع يعتبر النقاش فيها مضيعة للوقت حسب قوله.

مقالات ذات صلة