الرأي

معصية لا عصيان!

قادة بن عمار
  • 3873
  • 5

حالة الغضب الزائد و”الهوشة” الإعلامية والسياسية التي رافقت قيام عدد من “المواطنين” في ولاية تيزي وزو، بالإفطار في رمضان جهارا نهارا، دون مراعاة لقدسية الشهر الفضيل، أو احترام مشاعر غيرهم من الصائمين، فهي وعقب قراءة بسيطة ومتأنية تتجاوز “وضاعة المشهد” لا تستحق منّا حتى الخوض فيها أو الكتابة عنها، لدرجة قد أكون معها مضطرا للاعتذار من القراء الكرام في نهاية هذا المقال على تضييع وقتهم بمسألة “تافهة” كهذه فيما تموج الأمة بمخاطر حقيقية وتحديات كبيرة شرقا وغربا؟!

نقول هذا الكلام، لأن عدد من “أكلوا رمضان” لا يتجاوز الـ200 شخص وفقا لجميع التقارير الإعلامية التي تم نشرها، زيادة على أنهم ليسوا جميعا من أبناء المنطقة الماكثين فيها ولا المستقرين بها، بل معظمهم “وافدين” من خارج البلاد، في إطار زيارة سياحية، وهنا لا نريد الذهاب بعيدا في تصديق نظرية المؤامرة، للقول أن جهة ما، يعلمها الجميع، دفعت لهؤلاء ثمن تذاكر السفر، وتكاليف الإقامة، وجميع مصاريف “المهرجان الشعبي لهتك حرمة رمضان” وكل هذا.. لغرض ما في نفس.. فرحات مهني وجماعته!

وطبعا، فإن من يجلس مع أعداء الأمة في “تل أبيب”، مطبّلا للصهيونية، ومُخطّطا لتقسيم البلاد، كما يتبنى علَما وطنيا غير ذلك الذي سالت من أجله دماء الشهداء، فلا يمكن محاسبته على انتهاك حرمة رمضان، بل سوف يكون هذا الذنب أهون بكثير بعد كل ما ارتكبه من جرائم ضد بلده ودينه وأبناء ملته!

الدعاية الإعلامية لمثل هؤلاء، تخدمهم لا تفضحهم، فما ارتكبوه في ساحة عمومية يعدّ معصية في الدين لا ترتق لحدود العصيان المدني، بدليل أن عناصر الأمن في المنطقة “قدّرت” فأحسنت التقدير، أن التدخل لمنع هؤلاء بالقوة، سيخدم أجندة معينة، ويغذي خطابا بات مكشوفا للجميع عن قمع الحريات الدينية والتعرض للأقليات، وغيرها من الأسطوانات المشروخة التي باتت تُستعمل في الوقت الراهن من طرف العديد من السفارات الأجنبية كمقدّمة لاحتلال البلدان.. وصدقوني، هتك حرمة رمضان أهون من هتك سيادة الدول!

 

ليس فرحات مهني وحده من يحرك خيوط الفتنة، بل هنالك من يستغل ظروف المنطقة، وصراع الليبراليين مع الإسلاميين فيها لمصلحته الخاصة، بحيث يحوّله من صراع “سياسي” حول السلطة، وشرعية ممارستها في جذوره ومنبته، إلى صراع بين الإسلام والكفر.. بدليل ما قاله إطار بارز في حزب الأرسيدي مؤخرا، حين صرّح بالنص: “الدولة لا يجب أن تكون مؤدلجة.. ولا أن تكون المادة الثانية من الدستور فيها هي الإسلام دين الدولة.. بل هنالك أمثلة عديدة في التاريخ لدول لائكية نجحت بابتعادها عن الدين، مثل مصر في عهد محمد علي، وتركيا في زمن مصطفى كمال أتاتورك(…)”، مضيفا: “المسؤول عن تحويل الدولة إلى دينية هو حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، حين قال: الإسلام دين ودولة.. لذلك فإن الإسلاميين عندنا مازالوا ينظرون دوما إلى غير المتدينين على أنهم ضد الدين” (جريدة الوطن 28/07)… وطبعا، فإن الدعاية الإعلامية المفرطة والتدخل الأمني القوي ضد “حفنة” من العصاة في رمضان، سيعزز هذا الطرح ويمنحه مشروعية مبتورة لدى دوائر خاصة، ويدفعنا لخدمته من حيث لا نقصد ولا ندري.

مقالات ذات صلة