الجزائر
وجبات سريعة تنتهي بتسمّمات غذائية

مطاعم “فاست فود” تبيع الموت إلى الجزائريين بأموالهم!

وهيبة سليماني
  • 25648
  • 3

يتحدى الكثير من الجزائريين عدوى وباء كورونا للظفر بـ”السندويتش”، والوجبات السريعة، بحكم العمل والدراسة، وتواجدهم خارج منازلهم لقضاء مصالحهم، حيث تشهد المطاعم ومحلات “فاست فود”، إقبالا ملحوظا.. موظفون وتلاميذ وطلبة، ومسافرون، يجدون أنفسهم مجبرين على أكل “السندويتش”، و”البيتزا” و”هامبرغر”، والمعجّنات المحشوة، والشاورما، والبطاطا المقلية بالبيض، وغيرها من الوجبات المشبّعة بالدهون.

كريم مسوس: ارتفاع أسعار المواد الغذائية شجّع على الغش

يأتي هذا التهافت وسط ظروف مزرية تعرفها بعض مطاعم “الفاست فود”، بسبب انقطاع مياه الحنفيات والارتفاع الفاحش في أسعار مواد ومكوّنات غذائية جعلت أصحاب هذه المطاعم، يضطرون لاستبدالها بأخرى أرخص وأسوء لتحضير الأكل السريع الذي قد يكون طريقا للموت السريع!

حسان منوار: خلطات في مطاعم الأكل السريع تهدّد بالتسمم

ولم تؤثر جائحة كورونا على الإدمان على “الفاست فود” لدى بعض الجزائريين، ولا انتشار ثقافة الأكل الصحي وسط بعض العائلات، وأساليب تعزيز وتقوية جهاز المناعة للوقاية من العدوى، حيث ألفت فئة من العمال والتلاميذ، والطلبة، الأكل السريع والوجبات الدسمة، والمقليات، رغم ارتفاع أسعارها في الآونة الأخيرة، وتدهوّر الظروف المحيطة بأماكن طهي هذه الأطعمة، واستعمال المواد الأقل فائدة غذائية والسيئة في تحضيرها.

شُحّ ماء الحنفيات يغيّب النظافة في بعض المطاعم
وقامت “الشروق” بجولة استطلاعية لمعرفة الظروف التي تعمل فيها بعض مطاعم “الفاست فود” في العاصمة، حيث وقفنا على بعض هذه المطاعم في حسين داي، والقبة، والجزائر الوسطى، أين كان بعضها يعاني انقطاع ماء الحنفية، وأصبح الذباب والروائح والمطابخ الملطخة بالزيت والمناديل الدسمة الداكنة بالوسخ تطبع يومياتها.
ودخلت “الشروق” أحد محلات “فاست فود” بحسين داي، أين كان الزبائن واقفين إلى جانب بعضهم البعض، بسبب ضيق مساحته، حيث تتوفر داخله كراس للجلوس، وهو محل مختص في تحضير “القرنطيطة”، وبعض السندويتشات، ويقابلك بمجرد الولوج إليه، مطبخ صغير يتم فيه تحضير الوجبات السريعة.
وفي انتظار الحصول على “السندويتش”، لا تسلم عيناك من رؤية ما يثير القيء أحيانا، حيث يستخرج الزيتون من الأكياس دون أن يغسل ونفس الشيء بالنسبة للبقدونس، وحبات البطاطا المقشرة الموضوعة أمام المقلاة الكبيرة، ملطخة ببقع الطين، وقطع قماش مكومة تحمل كل أنواع الأوساخ والبقع الدهنية، ودلاء وأوان بلاستيكية تبين أنها أفرغت من ماء قد استعمل في يوم كانت مياه الحنفيات مقطوعة في حسين داي!
مشهد آخر يثير الاشمئزاز رصدته “الشروق” في مطعم بالقبة، يتوفر على قاعة صغيرة بها بعض الطاولات والكراسي لجلوس عدد محدود من الزبائن، وعلى جانب الممر الضيق الذي يعبر إلى هذه القاعة يوجد فرنين لطهي وقلي الوجبات، حيث تشاهد تفاصيل ما يقوم شاب وهو يحضر “السندويتش”.
وتكاد لا ترى للماء أثرا، فحبات البيض التي تفرغ من محتواها فوق كرة اللحم المفروم، أو فوق قطع البطاطا، لم تغسل، ويدي الشاب الطاهي، تلمس قطعة القماش المتسخة وتعود مرة أخرى لتحمل قطعة الخبز ثم نقود الزبائن.
وقال بعض زبائن مطاعم “فاست فود”، التي شملتها الجولة الاستطلاعية، إنهم يجدون أنفسهم مضطرين لتناول وجبات سريعة بحكم ظروفهم وتحت وطأة تأثير الجوع،، رغم التخوف من عدوى كورونا، مؤكدين أنّهم يدركون جيدا أنّ بعض الوجبات غير صحية، وأن المطاعم التي تحضّرها لا تتوفر على شروط النظافة ولا تستعمل منتجا سليما.

مكوّنات غير صحية لمواجهة غلاء البطاطا والزيت والأجبان
وفي سياق الموضوع، أكد الدكتور كريم مسوس، أخصائي في التغذية، ومرشد صحي، أنّ غلاء الكثير من المواد الغذائية منها الخضر كالبطاطا والطماطم، ومادة الزيت والسكر، واللحوم، والأجبان، جعل أصحاب المطاعم يلجؤون إلى استعمال مكونات غذائية في الوجبات السريعة، غير صحية وهي أرخص سعرا والأسوأ من الناحية الغذائية، كما أن بعضها منتهي الصلاحية.
وهذا يهدد، حسبه، صحة الجزائريين، بالنظر إلى أنّ هذه الوجبات مشبعة بالدهون فهي مقلية أو مطهية بزيوت قديمة محترقة وبطماطم مصبّرة من النوع الرديء وأجبان غير صحية لا تحتوي على كمية كافية من الكالسيوم، موضحا أن لجوء أصحاب مطاعم “فاست فود” لمواد ومكونات مصنعة أو سيئة ورديئة النوعية، هدفه تحقيق الربح وتفادي شراء ما هو أغلى سعرا.
ويرى المختص أنّ انقطاع ماء الحنفيات، عنصر آخر يجعل من الأكل خارج البيت، أمرا خطيرا، في وقت يحتاج فيه الجزائريون، حسبه، إلى غذاء يعزز جهاز مناعتهم، فأنواع الأجبان الرديئة، والفرينة البيضاء، والزيوت المحترقة، يمكن أن يؤدي إلى موت سريع بسبب وجبات تم شراؤها بأسعار غالية.

“الشاورما” و”البيتزا”.. الطريق إلى السرطان وأمراض القلب
وقال كريم مسوس إنّ الكثير من الموظفين يلجؤون اليوم، رغم الظرف الصحي الاستثنائي، إلى الأكل السريع، متقبلين غلاء “السندويتشات”، في حين حسبه، أن بعض “الزوالية” يجدون أنفسهم مرغمين على تناول البطاطا المقلية، و”القرنطيطة” لانخفاض أسعارها، وهربا من المأكولات الباهظة الثمن، لكنهم “يشترون” بأموالهم أمراضا مستعصية مثل السرطان وأمراض القلب، دون أن يحسبوا لذلك حسابا.
وحذّر الدكتور كريم مسوس من الوجبات المشبعة بالدهون، مثل “الشاورما”، و”البيتزا”، خاصة أنّها تخلط بمواد غير مدروسة ولا تنسجم فيما بينها.

خلطات غريبة في المطاعم لإغراء الزبائن
وحول ذات الموضوع، حذّر الأخصائي في التّغذية، كريم مسوس، من خلطات غذائية غير مدروسة يروّج لها أصحاب بعض مطاعم “فاست فود”، وهي عبارة عن صلصات وكريمات وتوابل، الهدف منها جلب الزبائن والتميز بها عن باقي المطاعم.
وقال كريم مسوس أنّ بعض هؤلاء لجؤوا لمنصات التواصل الاجتماعي، قصد استقطاب أكبر عدد من الزبائن، حيث يحققون الربح على حساب صحة الجزائريين.
من جهته، أوضح حسان منوار، رئيس جمعية أمان لحماية المستهلك الجزائري، أن الخلطات الغذائية التي تقوم بها بعض محلات” فاست فود” في الجزائر، خطيرة على صحة المستهلك، تتم بدون تكوين ولا ثقافة غذائية، مطالبا مصالح وزارة التجارة بالتدخل.
وأكّد منوار أنّ مزج الهريسة والمايونيز، و”الكيتشوب”، ووضعها في البيتزا، حيث تكون في بعض الأحيان هذه المكونات منتهية الصلاحية، مما يهدد حياة المستهلك، داعيا إلى مزيد من المراقبة في مطاعم الأكل السريع للحد من وجبات سامة قد تؤدي إلى الموت.

مطاعم تستقطب الزبائن بالأطباق التقليدية
وقال حسان منوار إن معظم مطاعم الأكل السريع لا تحترم شروط النظافة والأكل الصحي، مشيرا إلى أنّ جائحة كورونا ساهمت بشكل غير مباشر في نشر الثقافة الغذائية، والعودة إلى أطباق تقليدية، ما جعل بعض المطاعم تلجأ إليها لجلب الزبائن.
ويرى رئيس جمعية أمان لحماية المستهلك، بأن ارتفاع أسعار اللحوم، وبعض الخضر والفواكه، والكثير من المواد الغذائية كالبقوليات، لا يشجع على تقديم أطباق تقليدية صحية في المطاعم التي تروج لها، حيث إن هذه الأخيرة تضطر حسبه، إلى استعمال مواد ومكونات رديئة وأقل سعرا، وبذلك فإن حتى هذه الأطباق تصبح مشبعة بالدهون وأشبه بتلك الوجبات السريعة.
وفي السّياق، قال كريم مسّوس، أخصائي التغذية، أنّ مرحلة كورونا لعبت دورا إيجابيا في إعطاء العالم درسا في تقوية المناعة، حيث حسب بعض خبراء التغذية، هناك فئات واسعة من الشعوب عادت إلى الأكل الصحي، وفي الجزائر حسبه، هناك أطباق تقليدية أصبحت مطلوبة جدا، وتربح من وراءها بعض المطاعم.
وأكد مسّوس أن كثيرا من المطاعم الخاصة بالأكل التقليدي، لا تعتمد على مكوّنات ومواد غذائية حيوية وذات فائدة عالية، وهي مشبعة بالدهون والزيوت الرديئة، وطماطم العلب، وتظهر على أنها طبق تقليدي لكنه مشبع بالدسم.

الرقابة مطلوبة
ودعا الأخصائي في التغذية، كريم مسوس، إلى ضرورة تكثيف عمليات التفتيش في المطاعم من طرف أعوان وزارة الصحة، خاصة في ظل انقطاع مياه الحنفيات، وارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية التي تستعملها هذه المطاعم في إعداد الوجبات والأطباق.
وقال كريم مسوس إن المختص في التغذية ضروري ومطلوب في أكبر المطاعم، وخاصة التي تدعي أنّها تقدم أطباقا صحية، موضحا ” ما يبدو صحيا بالنسبة للبعض هو عند أهل الاختصاص غير ذلك، فهو ليس مدروسا من ناحية المكوّنات الغذائية، والفوائد والانسجام مع بعض المكونات الأخرى.
ومن جهته، نبّه حسان منوار إلى أنّ بعض محلات “فاست فود”، توظف طباخين لا يملكون تكوينا في الطبخ، ولا يتمتعون بأي فكرة حول النظام الغذائي، حيث تأسف لوجود أشخاص لا علاقة لهم بالطبخ، يحضّرون وجبات سريعة للزبائن دون أدنى شروط النظافة وطرق الطهي.

مقالات ذات صلة