الجزائر
تعليمات صارمة لتنظيم نشاطها

“مطاعم الرحمة” تحت المجهر!

وهيبة سليماني
  • 2970
  • 0

تتجنّد الكثير من الجمعيات الخيرية لفتح مطاعم الرحمة خلال شهر رمضان الكريم، وسط انهيار القدرة الشرائية للجزائريين، وموجة غلاء حادة، فعلى عكس السنوات الماضية فإن الظرف الاستثنائي وضع هذه المطاعم تحت المجهر..

تعليمة صارمة بعث بها بعض الولاة إلى رؤساء البلديات تمنع من خلالها منح تراخيص فتح مطاعم الرحمة بطريقة عشوائية، وفي مواقع متقاربة، وفي المستودعات والمطاعم المدرسية، وبالقرب من الطرقات الخطيرة، وتشدّد التعليمة على الغلق الفوري لأي مطعم رحمة تحرر ضده فرق النظافة تقارير مخالفة للشروط المطلوبة، وتلزم إبقاء البروتوكول الصحي للوقاية من عدوى كورونا داخل هذه المطاعم.

قـلِّـي: تجنيد فرق لمراقبة وجبات مطاعم الرحمة

ولم تثن شروط فتح مطاعم الرحمة لرمضان 2022، عزيمة الكثير من الجمعيات الخيرية الساعية لزيادة وتيرة نشاطها، ومد يد العون للعائلات المعوزة والمحتاجة للمساعدة خلال شهر الصيام، معتبرة هذه المطاعم من أبرز أشكال التضامن والعمل الخيري، في وقت اتسعت فيه شريحة الفقراء والمحتاجين، والمتشردين في الشوارع.

الأميار في مواجهة الجمعيات الخيرية

وتتوافد الجمعيات الخيرية عبر الوطن على مقرات البلديات للحصول على تراخيص فتح مطاعم الرحمة لرمضان، حيث رفضت طلبات الكثير منها لأسباب تتعارض مع الشروط الصحية، أو الأمنية أو الوقائية، وأدّى ذلك إلى برمجة حملات تحسيسية من طرف بعض المجالس الشعبية البلدية لتوضيح أهمية الظروف التي يجب أن يفتح فيها مطعم رحمة، ولقاءات مع الجمعيات الخيرية لشرح أسباب منع بعضها فتح مطاعم الرحمة.

وفي هذا السياق، كشف رئيس بلدية حسين داي، عادل بن يحي، لـ”الشروق”، عن تعليمة والي ولاية العاصمة، القاضية بمنع إعطاء الموافقة على فتح مطعم رحمة باستغلال مستودعات أو محلات لا تتوفر فيها شروط النظافة، وليس لها سجلا تجاريا.

شعواطي: المرصد الوطني للمجتمع المدني سيحارب التبذير

وقال بن يحي، إن المجلس الشعبي لحسين داي، رفض عدة طلبات خاصة بإعطاء ترخيص فتح مطاعم رحمة لأسباب تخالف ما جاء في تعليمة والي الجزائر العاصمة، موضحا أن استقبال الطلبات من طرف الجمعيات الخيرية لا يزال مستمرا.

وأكّد رئيس بلدية حسين داي، عادل بن يحي، أن فرق النظافة ستكون حاضرة وبشكل دوري خلال شهر رمضان، في مطاعم الرحمة، لمراقبة شروط النظافة، وتحرير تقارير ضد كل مطعم لا يحترم هذه الشروط، سواء أثناء طهي الوجبات أم تقديمها للموطنين الذين يفطرون في هذه المطاعم، حيث ستقوم البلدية بالغلق الفوري.

وأشار عادل بن يحي، إلى أن المجلس الشعبي البلدي لحسين داي سيجري لقاءات مع بعض الجمعيات الخيرية لشرح أسباب رفض منح التراخيص الخاصة بمطاعم الرحمة، والحث على أهمية التسيير الحسن والرشيد لهذه المطاعم.

وكما أوضح، أن وباء كورونا لا يزال موجودا، ولم يزل بشكل نهائي، حيث إنّ البروتوكول الصحي للوقاية من عدوى الفيروس، من بين أهم الالتزامات المفروضة على مسيري مطاعم الرحمة خلال رمضان الكريم، واحترام هذه التدابير سيتبعه عمل تحسيسي توعوي في بعض البلديات ومن بينها بلدية حسين داي.

بين عاطفة التكافل والابتعاد عن التبذير والعشوائية

وقال المير عادل بن يحي، إن المجلس الشعبي البلدي سيستعين بلجان الأحياء لحل مشكل التبذير سواء في ما يخص شراء الخبز من طرف العائلات الجزائرية في رمضان، أم عدد الوجبات في مطاعم الرحمة، ورمي بعض الأطباق والخبز.

ومن جهته، أكد علي شعواطي، عضو المرصد الوطني للمجتمع المدني، مكلف بملف مطاعم الرحمة، لـ”الشروق”، أن الجهات الأمنية تمنع فتح هذه المطاعم في أماكن تشكل خطورة في الطرقات السريعة، ولهذا السبب لم تمنح تراخيص لبعض الجمعيات التي طلبت فتح مطاعم رحمة في مثل هذه الأماكن.

وقال المتحدث إن بعض حوادث المرور في السنوات الماضية، تسببت فيها الزحمة أو عرقلة حركة السيارات بالقرب من مطاعم الرحمة، ولكن القضية المهمة، حسبه، لهذه السنة، تتعلق بـ”التبذير” ونقص الإقبال، حيث يرى بأن الأزمة الاقتصادية التي خلفتها جائحة كورونا، أدت إلى غلق الكثير من ورشات البناء خاصة في المدن الداخلية، وبعض ورشات الأعمال البسيطة، لذا، فإن الإقبال على مطاعم الرحمة في رمضان 2022، لن يكون بالحجم الذي كان عليه، وخاصة مع ترحيل عدد كبير من الأفارقة إلى بلادهم.

وكشف شعواطي، عن عمل المرصد الوطني للمجتمع المدني، خلال هذه الأيام، لتنظيم عمل الجمعيات الخيرية وتوجيهها لتفادي التبذير في مطاعم الرحمة، من خلال خطة استراتيجية أكثر وعيا يتم من خلالها التكوين في ترشيد نفقات المطاعم.

وقال: “إذا كنا نحتاج في مطعم 300 وجبة، فلماذا توفر 1000 وجبة، ونرمي بذلك 700 وجبة في المزابل، في الوقت الذي يعاني العالم نقص في المواد الغذائية ونعاني في الجزائر ندرة وغلاء في بعضها”.

قاعدة بيانات وإحصائيات للعمل بواقعية

وأعاب شعواطي، انطلاق العمل الخيري من خلال مطاعم الرحمة ضمن مبادرات ذاتية لا علاقة لها بالإحصاء ولا بالتنسيق بين الجمعيات والبلديات، حيث أكد أن المرصد يسعى لتوفير قاعدة بيانات وإحصاء جميع الجمعيات الخيرية في كل بلدية، وذلك للانطلاق من إحصائيات واقعية وعمل ميداني.

وقال شعواطي، إن التنسيق بين الجمعيات الخيرية خارج حدود الولاية لتنظيم مطاعم الرحمة والتكافل من بين الأوليات التي يعمل المرصد الوطني للمجتمع المدني، على تحقيقها، وذلك لاختلاف المدن والمناطق في ما بينها من ناحية الحركة التجارية، والكثافة السكانية، وشريحة الفقراء، ومناصب العمل، حيث يمكن أن يسمح لجمعيات معينة بفتح مطاعم رحمة في منطقة ما، ويكون لجمعيات أخرى من نفس البلدية والولاية فرصة للمساهمة في العمل الخيري ولم تستفد من رخصة مطعم الرحمة فيكون أمامها فرصة للتنسيق مع جمعيات خيرية في ولايات أخرى.

وأوضح عضو المجلس الوطني للمجتمع المدني، أنّ التكافل والدعم المالي بين الجمعيات الخيرية يجب أن يكون داخل الولاية وخارج حدودها، وفي إطار منظم، مضيفا أن هذا التنسيق بين الجمعيات يساهم في الابتعاد عن التبذير الذي يكون سببه تمركز المطاعم في نفس المنطقة، أو في أخرى لا يكون فيها فقراء وعابري سبيل ومتشردين، ويقضي التنسيق أيضا على العشوائية في توزيع مطاعم الرحمة.

ويرى شعواطي، أنّ العمل الخيري في أغلب الأحيان، تغلب عليه العواطف ولا يرتكز على الحوكمة الرشيدة، حيث تغيب عن الأذهان بعض التصرفات والسلوكيات التي من شأنها أن تؤدي إلى التبذير وضياع الأموال المتبرع بها للجمعيات، ونسيان الشرائح المجتمعية الأكثر حاجة للمساعدة والتكافل.

وقال عضو المرصد الوطني للمجتمع المدني: “إننا نسعى للقضاء على الظواهر السلبية في العمل الخيري وتحقيق الرشادة الاقتصادية في عمليات التكافل ومساعدة الفقراء”.

رقابة مشددة على وجبات مطاعم الرحمة

وبقدر الحرص هذه السنة على تجنب التبذير في الوجبات التي تحضرها مطاعم الرحمة في رمضان للفقراء وعابري السبيل والمسافرين، والمتشردين، إلا أن الكثير من هذه المطاعم وحسب موقعها الجغرافي، يفوق عدد وجباتها الـ 400 وجبة يوميا، الأمر الذي قد يؤدي إلى حدوث بعض التجاوزات في عمليات الطهي وشروط حفظ المواد الغذائية ونظافتها، حيث أكد سامي قلي، مدير ضبط النشاطات التنظيمية بوزارة التجارة، أن هذه الأخيرة أصدرت أمرا لمديريات التجارة بتشديد الرقابة خلال رمضان القادم، على مطاعم الرحمة، وذلك بإرسال لجان مكافحة الغش وحماية المستهلك وبشكل فجائي ودوري، لمراقبة وإخضاع الوجبات وبعض المواد الغذائية مثل اللحوم والأجبان وغيرها للتحاليل المخبرية.

وأوضح قلي، أنّ أي مطعم رحمة، تؤكد فرق مراقبة الغش مخالفته لشروط النظافة والوقاية من التسمّمات الغذائية، يتم غلقه لحماية المواطنين الذين يتوافدون للإفطار فيه، قائلا إن مطاعم الرحمة ليست مهمتها فقط توفير الوجبات أو تحضير أكبر عدد منها، ولكن هي مطالبة بالحرص على نوعية هذه الوجبات وسلامتها وفائدتها الغذائية.

حسين داي.. أكثر المناطق استقطابا لمطاعم الرحمة

وتجد بعض مطاعم الرحمة خلال شهر رمضان، بحكم تواجدها الجغرافي المميز، نفسها أمام تحدي عدد الوجبات الذي قد يصل أحيانا إلى 500 وجبة يوميا، حيث تكون محطات المسافرين الكبرى من بين الأماكن التي تستدعي تواجد مثل هذه المطاعم.

وحسين داي، منطقة استراتيجية تضم 5 وسائل نقل ” الترامواي، الميترو، الحافلات، سيارات الأجرة، والقطار”، وإلى جانب ذلك، فإن بها المستشفى الجامعي نفسية حمود “بارني” سابقا، وقريبة من مستشفى دريد حسين، وتقع في اختصاصها، محطة الخروبة للنقل البري” طاكسي” وحافلات لمختلف الولايات الوطنية، بما فيها الصحراوية، حيث تم فتح لحد الساعة، 4 مطاعم رحمة تتوزع بطريقة مدروسة عبر أماكن متباعدة.

وأكد في هذا الصدد، رئيس البلدية، عادل بن يحي، أن مطعم محطة الخروبة من أهم مطاعم الرحمة، الذي يمكن أن يحضر ما يفوق 400 وجبة إفطار يوميا للمسافرين وعابري السبيل، إضافة إلى مطعم بالقرب من مستشفى نفسية حمود، وهو تابع لتنسيقية اتحاد حسين داي، عبارة عن اتحاد لمجموعة من الجمعيات الخيرية، سيعمل حسبه، على تحضير 400 وجبة يوميا، حيث يحتاج المسافرون، الذين يترددون على المستشفى وأهالي المرضى إليه للإفطار فيه خلال رمضان 2022.

وقال مير بلدية حسين داي، عادل بن يحي، إن محطة الخروبة للنقل البري، يقصدها يوميا 100 ألف مسافر، الأمر الذي يستدعي توفير مطعم رحمة يتماشى ورغبة بعض المسافرين الذين يتأخرون عن الالتحاق بذويهم قبل أذان الإفطار، مشيرا إلى أن لجان مراقبة النظافة التابعة للبلدية، مجندة لمتابعة الظروف التي تحضر فيها وجبات الإفطار.

مقالات ذات صلة