الجزائر
دبلوماسية الرئيس تبون تنجح في إختراق مجلس الأمن والأمم المتحدة

مستقبل مختلف للقضية الفلسطينيّة بتحركات الجزائر

محمد مسلم / عبد السلام سكية
  • 4055
  • 0

مثلما وعدت، كانت السلطات الجزائرية عند كلمتها وجعلت من القضية الفلسطينية على رأس جدول أجندتها في مجلس الأمن الدولي، باعتبارها عضوا غير دائم فيه، ومثلما قضّت مضاجع الكيان الصهيوني وممثله في الهيئة الأممية، فإنها أحرجت أيما إحراج المدافعون عنه، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية وبدرجة أقل كل من فرنسا وبريطانيا، اللذان جنحا في الكثير من المواعيد إلى صف المطالبين بوقف العدوان الصهيوني الهمجي والوحشي والتنصل من جرائمه، وفي أحيان أخرى الوقوف على الحياد في تعاط قلّ مثيله فيما مضى، وهو مؤشر على أن المرحلة المقبلة سوف لن تكون كسابقاتها في رهانات الحرب والسلام في الشرق الأوسط ولاسيما بين الشعب الفلسطيني والكيان الصهيوني الغاضب.

عضو المجلس الدستوري سابقا ناصر بدوي لـ”الشروق”:
جهود الجزائر نقلت القضية الفلسطينية إلى مرحلة جديدة

حاوره: محمد مسلم 

يرى العضو السابق بالمجلس الدستوري، ناصر بدوي، أن وجود الجزائر بمجلس الأمن الدولي التابع لهيئة الأمم المتحدة، بصفتها عضوا غير دائم، شكل دفعة قوية للملف الفلسطيني في هذه المرحلة، بعد فترة ليست قصيرة من الجمود على مستوى هذه الهيئة، التي أبانت عن عجز وتقصير غير مبرر إزاء هذه القضية وحقوق الشعب الفلسطيني المهضومة.

ووفق ناصر بدوي، فإن الجزائر استطاعت إرجاع الملف للمداولة ووضعته بقوة على الطاولة، كما أحرجت المواقف الدولية المساندة للكيان الصهيوني الغاصب، وتعد مشاريع القرارات التي قدمتها على مستوى المجلس، دليلا قويا على ذلك، مثلما شكلت أيضا دفعا قويا للقضية، وهو موقف ليس بجديد على السلطات الجزائرية، التي أخذت على عاتقها محاربة الاستعمار في أي مكان من العالم، انطلاقا من مسؤوليتها التاريخية، كأحد ضحاياه، كما أنها لم تتوقف عن دعم الشعب الفلسطيني بالمال دون انقطاع، وكذا بالنضال في المحافل السياسية في الجزائر وخارجها، تجسيدا لمقولة الرئيس الراحل هواري بومدين الخالدة “نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة”.

لقد قدمت الجزائر ما عجز عنه الكثير، يقول عضو المجلس الدستوري سابقا، و”لا ينتظر منها أكثر مما كان، لأن ما قدمته شكل دفعا قويا للقضية، الدعم المالي الأخير الذي قدمته لمنظمة غوت وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونوروا”، يعتبر رسالة للمتقاعسين من الدول العربية، كما يعتبر ضربة قاسية للكيان الصهيوني، وأعتقد أن قضية إعلان الدولة الفلسطينية أهم ما تطمح له الجزائر وسيتحقق بإذن الله في المستقبل القريب”.

وبالنسبة لعضو المجلس الدستوري سابقا، فإن الاقتراحات المقدمة من قبل الجزائر “أرجعت الملف للطاولة وأضاءت الظلام الذي فرض على القضية”، فقد ساهمت الجهود الجزائرية في إضفاء طابع الحيوية على الملف الفلسطيني، وشجعت الكثير من الدول والمترددة في دعم الحق الفلسطيني على مستوى الأمم المتحدة وخارجها، من خلال جرجرة الكيان الصهيوني إلى محكمة العدل الدولية وتحقيق إدانة غير مسبوقة لهذا الكيان، بفضل الدعوة التي رفعتها دولة جنوب إفريقيا ضد تل أبيب، وهي الدعوة التي لا تزال تلتحق بها الدول، داعمة لوقف الإجرام الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني الأعزل في قطاع غزة والضفة الغربية وفي عموم فلسطين المحتلة”.

ومن شأن هذه المواقف الشجاعة، يقول نصار بدوي، أن “ترفع من قوة وعزيمة الشعب الفلسطيني، في صموده ودفاعه عن أرضه وعرضه في الداخل الفلسطيني، وهذا يشكل بداية قوية لمرحلة مقبلة تختلف عن سابقاتها، فعلى العكس مما يردده البعض بأن المقاومة الفلسطينية أعطت الحجة للكيان الصهيوني من أجل تدمير القطاع وارتكاب جرائم وحشية بحق الشعب الفلسطيني الأعزل، إلا أن عملية السابع من أكتوبر 2023، أعادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة، وخلقت نخبة عالمية مدركة لحقيقة ما يجري على الأرض الفلسطينية، وهي أن هناك شعبا يناضل من أجل حريته واستقلاله، وبالمقابل، هناك كيان مارق لا يراعي حقوق الإنسان ولا الحياة البشرية ومع ذلك يلقى دعما هائلا من قبل دول تدعي الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان”.

البعد الآخر الذي خلفه الجهد الجزائري على مستوى الأمم المتحدة لدعم حقوق الشعب الفلسطيني، بحسب المتحدث، فيتمثل في تعرية بعض الأنظمة العربية التي تدعي الدفاع عن القضية الفلسطينية، وبالمقابل تضع يدها بيد الكيان الصهيوني، بل وتبحث عن مبررات ومسوغات لتبرير القتل الممنهج، من شاكلة تحميل المقاومة الفلسطينية المسؤولية، والانخراط في الأطروحة الصهيونية التي تحاول حصر القضية في مرحلة ما بعد الهجوم المظفر الذي قامت به المقاومة في السابع من أكتوبر الماضي، وقد انكشف زيف هذا الطرح، بفضل الجهود الجزائرية، وكذا الجرائم الصهيونية بحق الأطفال والنساء والشيوخ في قطاع غزة، التي عرت أيضا الكيان وأحرجت حلفاءه من العرب المتصهينين، ووضعتهم تحت الضغط.

الكاتب الفلسطيني والمحلل السياسي رائد ناجي لـ”الشروق”:
الجزائر أحدثت اختراقا بمجلس الأمن وأعادت للقضية الفلسطينية توهجها

حاوره: عبد السلام سكية
يفصل الكاتب والمحلل السياسي، رائد ناجي، روابط الجزائر مع فلسطين والتي تتجلى في اعتبار القضية الفلسطينية واحدة من ثوابت الدبلوماسية الجزائرية، كما يعدد في هذا الحوار، المكاسب التي تحققت للقضية الفلسطينية عبر الدبلوماسية الجزائرية، خاصة بعد عضويتها غير الدائمة في مجلس الأمن.

كيف تقرأ مواقف الجزائر المعبر عنها من أكثر من مسؤول وجهة حيال فلسطين، في أكثر من مرة؟

طبعا ارتباط الجزائر بالقضية الفلسطينية ليس بالشيء الغريب وهو أمر قديم ومتجذر، الأمر بدأ قبل احتلال فلسطين العام 1948، ندلل على ذلك بأن الهجرات الخمس للأمير عبد القادر ومن رافقه فيما بعد كانت إلى الشمال الفلسطيني وبه سكن الكثير من الجزائريين، بعضهم شارك في الثورة ضد الإنجليز والصهاينة.

جمعية العلماء المسلمين قدمت الكثير للقضية الفلسطينية في عامي 1930 و1931  في أول مؤتمر عقدته في القدس، هذه الصيرورة التاريخية جعلت قادة الثورة التحريرية المجيدة يقولون إن استقلال الجزائر سيبقى منقوصا إذا لم تتحرر فلسطين. كل هذا رتب شيئا من توجهات الشعب الجزائري، وجعل الجزائريين من القيادة إلى الشعب على قلب رجل واحد من القضية الفلسطينية التي أصبحت من المسلمات، الأمر الذي جعل الجزائر تخوض المعارك أمام الهيئات والمحافل الدولية خدمة للقضية الفلسطينية، دون نسيان جهود توحيد الصف الفلسطيني.

ماذا حققت الدبلوماسية الجزائرية للقضية الفلسطينية، خاصة مع عضويتها في مجلس الأمن؟

حققت القضية الفلسطينية الكثير من الإنجازات عبر الدبلوماسية الجزائرية أو الميكانيك الجزائري المتحرك والقوي جدا، الدبلوماسية الجزائرية قامت بسجال قوي حتى إنها هزمت الاحتلال أمام المحافل الدولية وأحرجت الدول الغربية. فقد جنوب إفريقيا المسار القضائي ضد دولة الاحتلال في محكمة العدل الدولية، إذ طالبت بتنفيذ هذا القرار المؤقت طبعا وخاضت معركة طويلة جدا في هذا الموضوع ثم وضعت مشروعا آخر والذي تحركت ضده الإدارة الأمريكية واستخدمت الفيتو، وفي المرة الثالثة الإدارة الأمريكية تنصاع للطلب الجزائري وتوافق عليه،  ثم ما طرحته الجزائر على الجمعية العامة للأمم المتحدة.

ومن المكاسب إعادة الاستقطاب داخل مجلس الأمن، نذكر هنا أنه عندما طلبت فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة سنة 2011، لم تقبل من الدول  الأعضاء في مجلس الأمن أي دولة تقريبا هذا الطلب، وكان يفترض وفق مواثيق الأمم المتحدة أن يتم القبول من 9 دول، لكن في هذه المرحلة الجديدة الطلب حقق موافقة 12 دولة وامتناع  دولتين والفيتو الأمريكي هو الذي كان يترصد هذا القرار.

لكن في الجمعية العامة للأمم المتحدة أبدت 142 دولة موافقتها طلب على الاعتراف بفلسطين دولة كاملة العضوية، هذا أمر كبير في المتغير بالعلاقات الدولية.

ما هي المساحات الأخرى الممكن الحضور فيها من قبل الجزائر خدمة للقضية الفلسطينية؟

المساحات كثيرة جدا والجزائر تسير فيها، أولا العمق العربي والجزائر أعادت إحياء في هذا العمق العربي في القضية الفلسطينية نستثني طبعا دول التطبيع، هنالك بشكل عام تراجع الاهتمام لدى أنظمة عربية حيال القضية الفلسطينية لكن عملت الجزائر على التقليل منه.

الجانب الإفريقي نجحت فيه الجزائر نجاحا كبيرا، كذلك على المستوى العالم الإسلامي الجزائر كان لها دور كبير جدا ولعل الطرح الجزائري كان مغايرا لما كان يطرح غالبا فوجود كتلة عربية في منظمة التعاون الإسلامي تدافع عن القضية الفلسطينية في الهيئات الدولية والمحافل الدولية لخير دليل على هذه المساحات .

الجزائر الآن تتحرك في مساحات أخرى وفق الرؤية التي طرحها الرئيس عبد المجيد تبون إن على  مستوى الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي الفعاليات الأخرى، ولحد الآن المساحات واسعة جدا والجزائر تتقدم فيها بشكل فعال تعرف من أين تذهب ومن أين تأتي وهذه قوة الدبلوماسية الجزائرية.

حصيلة أربعة أشهر من المطاردة بمجلس الأمن الدولي
فضْح لجرائم الكيان الصهيوني وإحراج لحلفائه التقليديين والجدد

محمد مسلم 
قبل أن تشغل الجزائر مقعدها غير الدائم في مجلس الأمن الدولي مع بداية العام الجاري، حدد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، على لسان وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، أحمد عطاف، أولويات هذه المهمة في أجندة وجدول أعمال الدور الجزائري، قائلا إن هذه الأولويات ذات بعد عالمي شامل وأولويات ذات بعد جهوي وأخرى ذات بعد محلي، ووضع القضية الفلسطينية على رأس كل هذه الأولويات. وقد كشفت الأسابيع اللاحقة ذلك.

وتشاء الأقدار أن يتزامن استلام الجزائر عضويتها غير الدائمة في مجلس الأمن، والعدوان الصهيوني الهمجي والوحشي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس وعموم فلسطين المحتلة، وقد شكل هذا العامل ضغطا إضافيا على الجهود الجزائرية من أن التحلي بالمسؤولية التي تقبلت أعباءها منذ عقود، أو كما تلخصها مقولة الرئيس الراحل، هواري بومدين الخالدة: “الجزائر مع فلسطين ظالمة أو مظلومة”.

وعليه وقبل أن ينقضي أسبوعان من تربع الجزائر على مقعدها في مجلس الأمن، بادرت الجزائر بمقترح مشروع يقضي بوقف تهجير الفلسطينيين، وتزامنت هذه المبادرة وقيام الكيان الصهيوني الغاشم بعمليات تهجير قسرية منافية لأبسط حقوق الإنسان والقوانين الدولية ذات البعد الإنساني، كما أن هذا التهجير لم يكن آمنا البتة، إذا كان الهدف منه إخراج الناس من مخابئهم إلى الطرقات المكشوفة ومن ثم تصفيتهم بالطائرات بدم بارد وبأبشع الطرق التي يصعب وصفها.

وشهدت جلسة مجلس الأمن التي دعت إليها الجزائر موقفًا موحّدًا بين أعضاء المجلس، وشددت على لسان ممثلها الدائم لدى الأمم المتحدة بنيويورك، السفير عمار بن جامع، أنه ينبغي على العالم أن يتكلم “بصوت واحد وقوي”، لرفض السياسة الممنهجة لتهجير الفلسطينيين، مستشهدا بعبارة للرئيس عبد المجيد تبون: “أن ما يحدث بغزة سيبقى وصمة عار في جبين الإنسانية”، و”إن الصمت هنا يعد تواطؤا”.

كما طلبت الجزائر انعقاد مجلس الأمن الدولي في اجتماع طارئ قبل أن ينقضي من عمر عضويتها شهرا، وذلك بعد قرار محكمة العدل الدولية بشأن الحرب في غزة والذي رفعته الدولة الصديقة للجزائر، دولة جنوب إفريقيا، وقضى كما هو معلوم، باتخاذ تدابير مؤقتة على الكيان الصهيوني، وكان الهدف من الدعوة إلى الاجتماع، محاولة “إعطاء صيغة تنفيذية” لقرارات محكمة العدل الدولية المفروضة على الكيان، والتي عدت من قبل الجزائر “بداية نهاية حقبة الإفلات من العقاب التي لطالما استغلها الاحتلال الإسرائيلي ليطلق العنان لنفسه لاضطهاد الشعب الفلسطيني وقمع كافة حقوقه المشروعة”.

وعلى الرغم من فشل تجسيد مشروع قرار لوقف فوري للحرب في غزة قبل بداية 2024، إلا أن الجزائر أصرت على استلام المشروع امن جديد والدفع به لأروقة مجلس الأمن الدولي، وقامت لأجل ذلك بمشاورات معمقة مع الشركاء بما فيهم الولايات المتحدة الأمريكية، وأجرت عليه تعديلات، إلا أن واشنطن استعملت حق النقض (الفيتو) مرة أخرى ضد مشروع القرار الجزائري في مجلس الأمن الدولي، وذلك بالرغم من حصوله على تأييد 13 دولة عضوا في المجلس مع امتناع بريطانيا عن التصويت.

ولم يحبط الفيتو الأمريكي عزيمة الجزائر في المضي قدما في دعم القضية الفلسطينية، فقد بادرت الجزائر مرة أخرى بمشروع قرار آخر “يوصي الجمعية العامة المكونة من 193 دولة، بقبول دولة فلسطين عضوا في الأمم المتحدة”، وعلى الرغم من حصول المشروع على تأييد 12 عضوا وامتناع عضوين عن التصويت هما بريطانيا وسويسرا، إلا أن الولايات المتحدة استعملت حق الفيتو أيضا.

وعلى الرغم من الخيبة، إلا أن “الدعم الساحق لأعضاء المجلس بعث برسالة واضحة جدا مفادها أن دولة فلسطين تستحق مكانها” في الأمم المتحدة، كما جاء على لسان السفير الجزائري عمار بن جامع، الذي وعد بالعودة مجددا باسم المجموعة العربية، لتقديم مشروع آخر، مرددا عبارته الشهيرة: “نعم، سنعود أقوى”.

وبالفعل فقد عادت الجزائر بمشروع آخر باسم المجموعة العربية، إلى مجلس الأمن يدعم طلب فلسطين للحصول على عضوية كاملة بالأمم المتحدة، ويوصي مجلس الأمن بإعادة النظر في الطلب، وقد اعتمد بعد حصوله على أغلبية 143 صوتا كما يحدد طرقا لإعمال حقوق وامتيازات إضافية تتعلق بمشاركة فلسطين بالأمم المتحدة، ويعتبرها “مؤهلة تماما لعضوية الأمم المتحدة وفقا لميثاقها”، وهو القرار الذي دفع ممثل الكيان الصهيوني إلى حافة الجنون، حيث أقدم على تمزيق ميثاق الأمم المتحدة أمام الجمعية العامة في مشهد جلب له ولكيانه الكثير من الاستهجان.

مقالات ذات صلة