الرأي

مساندة‮ ‬غير‮ ‬بريئة‮!‬

قادة بن عمار
  • 5205
  • 14

أخطر من تلك التصريحات الأوّلية التي أرسلها بعض المسؤولين الغربيين هنا وهنالك، لمحاولة استفزاز الجزائر في سبيل جرّها كليا إلى المستنقع المالي، وتحميلها مسؤولية التدخل العنيف لتحرير الرهائن في عين أمناس، هي تلك التصريحات الأخرى التي جاءت لتبرئ الجيش الوطني الشعبي،‮ ‬بل‮ ‬وتدافع‮ ‬عنه،‮ ‬كما‮ ‬تُحمّل‮ ‬المسؤولية‮ ‬كاملة‮ ‬للإرهابيين‮ ‬وتثني‮ ‬على‮ ‬دور‮ ‬الحكومة‮ ‬الجزائرية‮ ‬في‮ ‬إدارة‮ ‬الأزمة‮!‬

لا، بل انه من المبكيات المضحكات، أن نسمع ونشاهد وزير الخارجية الفرنسي يتحوّل بقدرة قادر إلى ناطق رسمي باسم الجزائر، ليس فقط قبل حدوث جريمة الاختطاف في عين أمناس، ولكن أيضا عند تبرير نتائجها، قبل أن يحتفل الإعلام الرسمي عندنا ويهلل لتصريحات باراك أوباما الذي خصص جزءا يسيرا منها في بداية عهدته الثانية داخل البيت الأبيض للحديث عن الجزائر، ثم يهلل البقية للتفسير التاريخي الذي أعطته هيلاري كلينتون حين قالت بأنه لا يوجد من يعرف شراسة الإرهاب في العالم، أكثر من الجزائريين، وكأن هذا الاعتراف التاريخي العظيم سيجعلنا‮ ‬في‮ ‬مصاف‮ ‬الدول‮ ‬المتطورة‮ ‬جدا‮ ‬والمستفيدة‮ ‬من‮ ‬صداقة‮ ‬أمريكا‮ ‬في‮ ‬المنطقة‮ ‬على‮ ‬طول‮ ‬الوقت‮… ‬هذا‮ ‬إن‮ ‬كان‮ ‬البعض‮ ‬يرى‮ ‬في‮ ‬صداقة‮ ‬أمريكا‮ ‬أمرا‮ ‬مشرّفا‮ ‬ويدعو‮ ‬للفخر‮!‬

التصريحات الأولى ضدّ تصرف الجزائر مفهومة، لأن النية وراءها مبيّتة وخبيثة، أما المواقف الثانية، والتي تعد انقلابا 180 درجة في الكلام، فهي التي يجب التساؤل عن أسباب تغيّرها بتلك السرعة، وما الذي جرى في السرّ حتى يعود رئيس الوزراء البريطاني مثلا ليقول بعد ما خرج‮ ‬شبه‮ ‬متوعّد‮ ‬ومهدّد‮ ‬للجزائريين‮ ‬أنه‮ ‬يتفهم‮ ‬جدا‮ ‬تصرف‮ ‬الجيش‮ ‬مع‮ ‬الإرهابيين؟‮!‬

الأصابع الفرنسية ليست بعيدة، وقد لا تكون بمنأى حتى عن حدوث العملية وليس فقط في رسم المواقف الدولية منها، لكننا هنا، لسنا في حِلّ ولا موضع لتفكيك الألغاز المشفرة، حيث لا نملك المعطيات الكافية من أجل تفسير العملية استخباراتيا، مثلما يفعل بعض الغافلين المستغفلين‮ ‬هنا‮ ‬وهناك،‮ ‬بيد‮ ‬أننا‮ ‬في‮ ‬الوقت‮ ‬ذاته،‮ ‬لا‮ ‬نقصي‮ ‬الفرضية‮ ‬التي‮ ‬تقول‮: ‬هنالك‮ ‬مشكلة‮ ‬ما‮ ‬أو‮ ‬أزمة‮ ‬في‮ ‬الجزائر،‮ ‬فتّش‮ ‬عن‮ ‬باريس‮!‬

هذا ليس انجذابا ولا تأثرا بنظرية المؤامرة، بل إننا نعتقد أن دور بعض رجال باريس لدينا، أعظم خطرا مما يفعله الجالسون وراء البحر هناك، والذين امتدت أياديهم الملوثة بالدم تحريضا وتنظيرا، لتتحالف مع جماعة الموقعين بالدم فعلا وممارسة، وتصل إلى الصحراء في جنوب الجزائر‮ ‬وشمال‮ ‬مالي،‮ ‬لا،‮ ‬بل‮ ‬إن‮ ‬هنالك‮ ‬من‮ ‬جعل‮ ‬الاثنين‮ ‬في‮ ‬سلّة‮ ‬واحدة،‮ ‬ليس‮ ‬بينهما‮ ‬حدود‮ ‬جغرافية‮ ‬أصلا‮!‬

يحتاج الأمر إلى تفسير منطقي ومتكامل، وهو ما لا يمكن توهّم أنه سيأتينا من مسؤول جزائري، حتى ولو اجتهد جميع من في الحكومة على تقديمه فإنه لن يقنع الشعب بتاتا. وهنا لا مفر من ترديد الجملة الشهيرة في النظم المتخلفة والخائفة عن سرد الواقع كما هو، حين تتذرع بالسر‮ ‬العسكري‮ ‬حينا‮ ‬وبغياب‮ ‬المعطيات‮ ‬الكاملة‮ ‬حينا‮ ‬آخر،‮ ‬فتقول‮: ‬احمدوا‮ ‬الله‮ ‬على‮ ‬نصف‮ ‬الحقيقة‮ ‬التي‮ ‬تعرفون،‮ ‬أما‮ ‬النصف‮ ‬الآخر،‮ ‬فلازلتم‮ ‬صغارا‮ ‬لتدركونه‮ ‬وتعقلونه؟‮!‬

مقالات ذات صلة