الجزائر
الشروق" ترصد حذر الزبائن في اقتنائها بالحميز

مدافئ بدرجة قنابل موقوتة في الأسواق 

وهيبة سليماني
  • 4783
  • 0

تعتبر “المدفئة” مصدر الشعور بالدفء في فصل الشتاء البارد، ولكنها أضحت كذلك، مصدرا للخوف والهلع، في ظل ما تسجله مصالح الحماية المدنية يوميا من حالات اختناق في البيوت جراء تسرّبات غاز أحادي أكسيد الكربون، القاتل الصامت الذي أباد عائلات بأكملها وحصد أرواحا كثيرة.

وبات اختيار المدفئة أثناء شرائها صعبا جدا بسبب بحث المواطن عن الجمع بين الجودة والسعر المناسب للحصول على منتج أكثر أمنا، وأقل خطرا، في ظل محدودية الإمكانيات المادية وانهيار القدرة الشرائية.

انتعاش ملحوظ في بيع المدافئ مقارنة بالسنة الماضية

وغالبا ما يزيد إقبال الجزائريين على شراء أجهزة التدفئة مع حلول فصل الشتاء أو لدى حصولهم على سكن جديد في إطار توزيع السكنات، ويكون ذلك مصحوبا في الغالب بمخاوف لما تسببت فيها الحوادث المتكررة والمتزايدة لاختناقات الغاز في البيوت، حيث تحوم الشكوك حول سلامة هذه الأجهزة وتفادي المغشوش منها.

تجار يتحايلون بنزع كواشف تسرب الغاز والبزنسة فيها

ومع موجة البرد التي عرفتها الجزائر منذ شهر نوفمبر الماضي، يعرف سوق الحميز شرق العاصمة، حسب ما وقفت عليه “الشروق” في جولة لها، انتعاشا ملحوظا في بيع أجهزة التدفئة سواء مدافئ الغاز، أو المدافىء الكهربائية، حيث ملئت أكبر المحلات بهذه الأجهزة، وازدهرت تجارتها مقارنة بالسنة الماضية، بعد أن تكبد تجار هذا السوق خسائر مالية جراء الغلق بسبب إجراءات جائحة كورونا.

مدفآت بمختلف الأحجام والأشكال والماركات

وفي الجولة الميدانية إلى بعض محلات بيع أجهزة التدفئة بسوق الحميز، وجدنا زبائنها يبحثون باهتمام عن السلع الأكثر جودة والأقل سعرا، يتفحصون ما توفر من ماركات محلية وأخرى أجنبية، فبين الأشكال والأحجام والأسعار يحضر الخوف ويهيمن وكأنه شبح يحوم فوق المدفآت المتراصة والمصففة، التي احتلت الجزء الأكبر من المحل.

وتوافد الكثير من الزبائن إلى محل التاجر المدعو أحمد، لاقتناء مدافئ تتناسب مع القدرة الشرائية، وذات إنتاج محلي تضمن السلامة، وعدم حدوث أي تسرب لغاز أحادي أكسيد الكربون، حيث اقتربت “الشروق” من كهل كان يتفحص جهاز تدفئة بالغاز من صنع ألماني، وسألناه عن رأيه في المدافئ المستوردة، فقال إن برودة الشتاء لهذا العام تجعله يفضل مدفأة من صنع ألماني، ولا يهمه الثمن، حيث يرى بأن الأجهزة المصنعة في ألمانيا موثوق بها وهي ذات جودة عالية.

وقال أحد الشباب الذي كان يشتري مدفأة من صنع جزائري وهي ماركة معروفة، إن المهم أن تضمن هذه المدفأة الدفء له ولأسرته، مع ضمان عدم تسرب الغاز أيضا، ويرى بأن المنتج المحلي واحد من أفضل اختياراته، خاصة إذا تعلق الأمر بالمدفأة.

والبحث عن أجهزة مدفئة ذات جودة، يصحبه البحث لدى البعض عن إشكال وأنواع جديدة للمدفئات، تتميز بشكل جديد ومظهر جذاب، فهناك مدافئ أشبه بمداخن البيوت وهي توهمك بأنّ داخلها حطب يشتعل، وهناك مدافئ صغيرة الحجم، وأخرى خفية أي يدخل جزء منها في الحائط، ولا تظهر إلا الواجهة.

وعن الأسعار، فهي تختلف حسب الجودة، والشكل، وبين المحلي والمستورد، حيث تبيع بعض المحلات مثل محل السيد أحمد، ماركات ألمانية، وتركية، تتراوح أسعارها بين 2 مليون سنتيم و16 مليونا.

وينجذب بعض ميسوري الحال، حسب ما رصدناه من خلال جولتنا الاستطلاعية، إلى مدافئ بأشكال مداخن تقليدية، يظهر داخلها قطع أشبه بحطب، وهي تتراوح بين 5 ملايين سنتيم إلى 16 مليون سنتيم، أو العادية وذات الصنع المحلي فهي تتراوح بين 2 مليون سنتيم و6 ملايين سنتيم.

ويفضل بعض الزبائن مدافئ مختفية، أي لا تأخذ مساحة من رواق أو غرفة البيت، ويحفر لها في الحائط، أو في خلفية من الخشب، وتتراوح أسعارها بين 5 ملايين سنتيم و14 مليون سنتيم.

كل المدفآت المعروضة للبيع خاضعة للفحص

ويأخذ اختيار المدافئ من طرف الزبائن في سوق الحميز، وقتا طويلا، ولكن الباعة يزيلون شكوك هؤلاء من خلال إظهار دليل الاستعمال، والبيانات، حيث أكد لنا صاحب محل لبيع الأجهزة الكهرومنزلية والمدفآت، أن هذه الأخيرة تمر على مخبر المراقبة التابع لوزارة التجارة، وأن ذات الصنع المحلي مضمونة وخاضعة لمراقبة المطابقة.

ورصدنا من خلال الجولة الاستطلاعية، آراء بعض زبائن محلات الحميز، حول المنتج المحلي، حيث أكّدت لنا سيدة جاءت لشراء مدفأة لبيتها الجديد، أنها تثق أكثر في ماركات محلية، وهي بأسعار مناسبة لا تتعدى في الكثير من الأحيان 3 ملايين سنتيم.

ويرى أحد الشباب الذين كانوا يتفحصون عدد من المدفئات في أحد محلات الحميز، أن المستوردة من ألمانيا أكثر أمنا، فرغم أن سعرها مرتفع قليلا لكنها ذات جودة حسبه.

واستفسرنا عن سر وجود بعض ماركات مستوردة من ألمانيا وتركيا، بين أكثر من ماركة محلية، فأوضح أحد التجار، أن استيراد أجهزة التدفئة والكهرومنزلية من الصين وتركيا لم يتوقف، وسوف تدخل سلعا جديدة أخرى هذه الأيام، وأنّ المدافئ الألمانية تركّب في تركيا ويصدر منها للجزائر.

وقال أغلب تجار المدافئ في سوق الحميز للأجهزة الالكترونية والكهرومنزلية، إن حوادث الاختناق ليس سببها أجهزة التدفئة المغشوشة، وهي حاليا غير موجودة في السوق الجزائرية، ولكن يعود حسبهم، ذلك إلى التركيب غير السليم لهذه الأجهزة في البيوت، وسوء تصريف الغازات المحترقة.

وعلّق أحدهم قائلا: “هناك من يشتري مدفئة بـ16مليون سنتيم، ولكنه يعجز على أن يأتي بشخص يحترف تركيب المدفآت ويدفع له 1000دج”.

تجّار يخفون أجهزة كشف الغاز ويبيعونها تحت الطاولة!

وكشفت جولتنا الميدانية إلى محلات بيع المدفئات التي زاد عليها الطلب هذه الأيام، عن حقيقة تثير الكثير من الأسف، وتدعو إلى تدخل أعوان الرقابة، حيث أن كل أجهزة التدفئة مزوّدة بكاشف أحادي أكسيد الكربون، سواء المستوردة أم المحلية، بعد أن ألزمت وزارة التجارة التجار ببيعها مع كل جهاز تدفئة جديد يشتريه الزبون، لكن اعتمد بعض التجار إخفاء هذه الكواشف ونزعها من علب التغليف الكرتونية للمدفئات وبيعها وحدها بأسعار تصل إلى 2000دج أو تتجاوز أحيانا هذا السعر.

وأكّد لنا أحد التجّار أنّ كاشف تسربات الغاز يصحب أجهزة التدفئة، وإن لم يكن موجودا في بعض الأحيان، فعلى التاجر أن يمنحه لكل من يشتري منه مدفأة غاز، حيث إن وزارة التجارة أصدرت قبل بداية سنة 2021، تعليمة تجبر وجود هذا الكاشف.

وقال لنا المتحدث إن ضميره لا يسمح له بأن يخفي جهاز كشف أحادي الكربون القاتل، وحتى لو كانت لديه بعض ماركات لأجهزة تدفئة غير مزودة بهذا الكاشف، فإنه ينصح بشرائه.

وأضاف تاجر آخر أن الكثير من التجار لا يمنحون الكواشف الخاصة بغاز أحادي الكربون، لزبائنهم عند شرائهم مدفآت كانت مزودة بهذه الأخيرة.

وقال إنها تباع لوحدها أو خارج محلاتهم بأسعار تتراوح بين 1500دج-2000دج، وهي في الواقع تابعة للمدفأة وتحسب ضمن سعرها المعروض.

وبينت جولتنا أنّ هناك تجار يبيعون مدفآت دون كواشف، وعندما سألناهم عن سبب ذلك قالوا إنها ذات صنع محلي وهي غير متوفرة أصلا مع هذه الأجهزة، وأن دورهم يتمثل في تقديم النصيحة لزبائنهم بشراء كواشف قد تتوفر في محلات مجاورة لهم.

مواطنون يهربون من خوف الغاز إلى المدافئ الكهربائية

وعلى قدر توفر سوق الحميز على أنواع وماركات متعددة لمدفئات الغاز، فإن المدفئات الكهربائية تنوعت واختلف في أحجامها وأشكالها، ويوجد منها ما يشبه المداخن وداخلها قطع أشبه بالحطب، حيث عند توصيلها بالكهرباء يظهر داخلها كأن كومة من الحطب تشتعل، ومنها سخانات تعمل بالأشعة تحت الحمراء، وسخانات بمروحية، وبحمام الزيت، وسخانات الهالوجين.

وعرفت أسعار هذه الأجهزة ارتفاعا محسوسا فهي تتراوح بين 5 آلاف دج إلى 7 ملايين سنتيم، ومنها البسيطة التي يقل سعرها عن 5 آلاف دج.

ويعمل الكثير من المفضلين لهذا النوع من المدفآت على مبدإ “نضمن الدفء بعيدا عن أحادي الكربون، ولا تهمنا فاتورة الكهرباء”، وهذا لمسناه لدى بعض زبائن محلات الحميز، حيث قال أحدهم، إن رعب الحوادث التي تعلن عنها يوميا مصالح الحماية المدنية، والخاصة بتسربات غاز أجهزة التدفئة، لا يجعله يتقبل وجود مدفأة تكون مصدرا لهذا الغاز في بيته.

وأكدت سيدة كانت تبحث عن مدفئة كهربائية بشكل جذاب، أن هذا النوع من أجهزة التدفئة مناسب وأن موجة البرد وإن طالت فإنها لا تتعدى 7 أشهر، وهي مستعدة لتحمل فاتورة كهربائية غالية، على الأقل خلال 3 أشهر من السنة، فالأمن والطمأنينة عندها، أهم من المال.

مقالات ذات صلة