-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
مصالح الطب الشرعي تكشف عن سلوكات العنف في رمضان

… مجرمون في شهر الرحمة!

كريمة خلاص
  • 10536
  • 0
… مجرمون في شهر الرحمة!
أرشيف

في شهر الرحمة، حيث تتوجه القلوب والجوارح إلى خالقها بالعبادة، فتهدأ وتطمئن في محراب الإيمان عند عموم الجزائريين، نجد فئة أخرى، على أقليتها، لم تتوقف في البيوت والطرقات والأسواق أماكن العمل وحتى المساجد أحيانا عن العراك المتجدد سويعات قليلة قبل الإفطار، حتى أضحت مظاهر العنف تطبع يومياتهم مع أقرب الناس إليهم، ناهيك عن الآخرين، لتستقبل مصالح المستشفيات بشهادات الأطباء الشرعيين عشرات الحالات يوميا.
“الشروق” زارت مصلحة الطب الشرعي لمصطفى باشا الجامعي وتواصلت مع عدد من مصالح الطب الشرعي في مستشفيات العاصمة على غرار القبة ورويبة، حيث أجمع المختصون على تزايد الاعتداءات في رمضان ووجود أوقات ذروة لكل نوع منها مردّها الأساسي هو الإدمان على المخدرات، مؤكدين أنّ العنف الزوجي ضد النساء يتصدر المشهد العام رغم وجود قوانين الحماية، إلا أنّ الأعراف الاجتماعية والقيود المجتمعية تحول دون اللجوء إليها.

بلحاج: العنف يبلغ ذروته قبيل الإفطار..
وفي هذا الإطار، أفاد البروفيسور رشيد بلحاج رئيس مصلحة الطب الشرعي بمستشفى مصطفى باشا الجامعي، في تصريح للشروق، أنّ ظاهرة العنف هي ظاهرة عالمية وليست حكرا على الجزائر فقط، لكنها للأسف انتشرت في الأحياء والعائلات والوسط المهني وحتى في المساجد والملاعب والمستشفيات، فهو يبدأ عادة بالعنف اللفظي ويتطور إلى عنف جسدي وقد يتسبب في عاهة مستديمة أو جرائم قتل بشعة.
ومن أهم المصالح التي تستقبل أكثر الحالات هي مصلحة الاستعجالات الطبية الجراحية ومصلحة جراحة الوجه والفك، المصلحة الوحيدة على المستوى الوطني وكذا جراحة الصدر وجراحة العظام.
وكشف بلحاج عن ارتفاع حالات العنف ضد المرأة في شهر رمضان والمتسبب الأوّل في ذلك هو الزوج في الغالب، وتصل ذروة استقبال هذه الحالات إلى المستشفيات بعد الإفطار… لأن العنف الزوجي أو الأسري يحدث قبيل الإفطار بوقت قليل، وعليه تتدفق تلك الحالات بعد الإفطار مباشرة..
وأضاف بلحاج أنّ حوادث حرق الأطفال أحيانا تؤدي إلى شجار بين الأزواج بسبب تحميل كل شخص المسؤولية للآخر وتتطوّر إلى عنف واعتداء.
وتتصدر معارك عصابات الأحياء الجديدة حسب بلحاج المشهد في رمضان، خاصة قبيل الإفطار بساعة أو ساعتين أي في حدود الـ5 مساء، لكنها تقل كثيرا في الصباح، فالذين يتسببون في العنف ينامون طوال النهار ويستيقظون قبيل الإفطار ولا علاقة لذلك بالصوم، بل له علاقة بتغيير نمط العيش، حيث يسهر هؤلاء في الليل وينامون صباحا، وللأسف المخدرات حاضرة دوما وعندما يفتقد الشخص المدمن الجرعة المعتادة يتسبب ذلك في حوادث كارثية وحالة هيجان تقلب المحيط الذي حوله.

الإدمان على المخدرات يزيد في رمضان
وأكّد بلحاج رشيد أنّ استهلاك المخدرات يزيد في شهر رمضان، خاصة القنب الهندي في إطار الإدمان الجماعي والسهرات الرمضانية التي يطبعها الكيف والمخدرات.. فهؤلاء يتسببون في إزعاج للجيران المحيطين بالمكان وينتج عن ذلك مشاحنات وملاسنات تنتهي بجرائم قتل تافهة الأسباب.
ولفت بلحاج إلى عامل آخر يتسبب في العنف وهم مسيرو الحضائر العشوائية للسيارات الذين يتسببون في العنف رغم الحملة الشرسة ضدهم إلا أن المواطنين يذهبون عرضة لسلوكياتهم العدوانية أحيانا، كما أشار إلى ظاهرة الشجار في الازدحام المروري، حيث يخرج السائقون من سياراتهم ويتسببون في عرقلة الحركة ما يتطلب أحيانا تدخل المواطنين وتبلغ ذروتها في حدود الـ11 صباحا والرابعة مساء.
وامتدت عدوى العنف إلى عمال الصّحة في المؤسسات الصّحية وأحيانا لأسباب تافهة تتعلق بمنع الزيارة خارج أوقاتها أو لدواع صحية على المريض.

رجال معنفون والتوقف عن الأدوية يسبب كوارث
ووقف المختص على حالات أخرى تصلهم تمس الرجال المعنفين وهم في العادة الأشخاص المسنين الذين أعادوا الزواج، حيث تضربهم زوجاتهم أو أبناؤهم أحيانا بسبب خلافات على الراتب أو الميراث والممتلكات.
ونبّه إلى مخاطر توقّف الأشخاص المصابين بأمراض عقلية عن تناول الأدوية من اجل الصوم وهذا ما يتسبب في هيجان وينعكس سلبا على الحالة الصحية لهم ويؤثر على محيطهم العام فيؤدي إلى إلحاق الضرر بالأشخاص المحيطين بهم.

تزايد العنف الالكتروني ومواطنون يوثقون الاعتداءات..
وتحدّث البروفيسور بلحاج رشيد عن ظواهر جديدة ظهرت تتعلق بالعنف الالكتروني في العالم الافتراضي عبر مواقع التواصل الاجتماعي من قذف وسب وشتم وهو ما سينعكس على الصحة العقلية والنفسية للضحية وقد يؤدي لاحقا إلى أمور ويتطور في شكل جريمة…
وفي سياق ذي صلة، يسخر بعض المواطنين التكنولوجيا الحديثة لتوثيق ما يتعرضون له من عنف، حيث يوثقون الحوادث بالصوت والصورة ويقدمونها للطبيب الشرعي لتأكيد ما تعرضوا له رغم أن هذا الأخير يتعامل مع الحالات وفق ما يعاينه من آثار.

145 حالة عنف بمستشفى مصطفى باشا في النصف الأوّل من رمضان
وبخصوص الأرقام، أوضح البروفيسور بلحاج رئيس مصلحة الطب الشرعي أن معدلات العنف لهذا العام في شهر رمضان في نفس المستوى تقريبا مقارنة برمضان الماضي، حيث تستقبل مصلحته بين 55 و60 حالة عنف أسبوعيا.
وأكّد بلحاج أنّ مصطفى باشا استقبل 145 حالة عنف إلى غاية منتصف رمضان، نصفهم نساء إلى جانب آباء يتعرضون للعنف من قبل أبنائهم المدمنين…
وأردف المختص “الضحايا الذين يأتون إلينا يمثلون عينة قليلة فقط من المتعرضين للعنف.. لكن الأمور بدأت تتغير بفضل الوعي والتأثر بمتغيرات عالمية والعالم الافتراضي”.
وتتراوح مدّة العجز بين 7 أيام وقد تمتد إلى 15 يوما، حسب خطورة الإصابة، فأحيانا يستدعي الأمر فحوصات علاجية أو عملية جراحية، لكن المشرع استعمل ظروف التشديد في حال استعمال سلاح ابيض، فإنّ عقوبة السجن قد تسلط على الجاني حتى في حال عجز يوم أو يومين.
وتتمثل أغلب الآثار التي يخلفها العنف على ضحاياه في الكدمات والخدوش والجروح السطحية والالتواء والكسور، خاصة الأنف والأسنان.
وأرجع بلحاج الأمر إلى “تراجع المستوى الثقافي، فأحيانا نقف على حالات لجامعيين يعتدون على آخرين ويحملون الأسلحة البيضاء، وعليه فإنّ التربية مهمة الجميع من أجل رفع التوعية، فما نواجهه اليوم من عنف هو نتائج سنوات سابقة وتراكمات لسلوكيات سلبية في المجتمع”.

مستشفى رويبة يستقبل أزيد من 200 حالة عنف في ظرف أسبوعين
بدورها، أفادت البروفيسور شرواط عتيقة رئيسة مصلحة الطب الشرعي بمستشفى رويبة شرق العاصمة، في تصريح للشروق، أن حالات العنف تزيد في شهر رمضان، خاصة في بداياته الأولى، أي في المنتصف الأول للشهر وتتناقص مع نهاية الشهر، حيث تستقبل مصلحتها أعدادا كبيرة للضحايا الراغبين في الحصول على شهادة طبية.
وأكّدت شرواط أنّ مصلحتها استقبلت منذ بداية الشهر وإلى غاية اليوم الرابع عشر 202 حالة عنف منها 76 امرأة و112 رجل و14 طفلا، حيث بررت هذا العدد الكبير بطبيعة المنطقة الشرقية التي يتواجد فيها المستشفى والتي تتوفر على مناطق تعد معقلا للمخدرات التي تعد سببا أساسيا وحاضرا في أغلب حوادث العنف، كما أن المصلحة تستقبل حالات من ولايات وبلديات مجاورة.

أغلب النساء الضحايا مسبوقات و”متعودات” على التعنيف
وأفادت شرواط أنّ المنتصف الأول للشهر الفضيل كانت اغلب ضحاياه من النساء اللواتي تعرضن للعنف الزوجي أو عنف عائلة الزوج وعادة تكون المرأة حاملة لعدة شهادات طبية من قبل وتتعلق أغلب المشاكل في العادة بالعزوف عن تلبية بعض الطلبات وهنا تنشب الخلافات والعنف خاصة في غياب بعض المنبهات القهوة والسجائر والمخدرات..
ودعت المختصة المرأة التي تعيش مع أشخاص من أمثال هؤلاء أن لا تتمادى في الرد وتحاول تجنب الصراع معهم والمشاحنات فهم لا يتحكمون في أنفسهم… فهناك نساء لا يحسن التصرف مع الزوج، لذا نحتاج إلى ثقافة تعلمنا المودة واللّطافة بين الزوجين لتجنب هذه المآسي وتغيير هذا الواقع المخيف.
وأضافت المختصة أنّ ما يصل من حالات هو عينة بسيطة لما هو موجود في الحقيقة، فالمرأة تعزف عن التوجه إلى مصالح الطب الشرعي عموما، خاصة إذا كانت مثقفة وذات مستوى ومكانة في المجتمع.
وقالت شرواط “الإشكال عند المرأة رغم وجود قانون يمنع الضرب والتعنيف، إلا أنّ الأحكام الاجتماعية والاقتصادية تحول دون لجوئها للقضاء فنجدها تستخرج الشهادة الطبية، لكن لا تستعملها في القضاء وأغلب الحالات هي عنف متكرر، فهن لا يرغبن في ذلك إمّا لغياب المعيل والمتكفل، خاصة أنّ العائلة تقبل ابنتها ولا تقبل أبناءها.. أحيانا نجد العنف موجود ومطبق ضد نساء كبرن في السن ويتحملن بسبب أبنائهن الكبار المتزوجين ونظرة المجتمع وحتى عندما تصل الشرطة او العدالة تتنازل عن حقها، بالمقابل المرأة ترفض المرأة المتعلمة أيضا التوجه للعدالة وأحيانا حتى الشهادة الطبية لا تستخرجها فهي تعتبر ذلك إقلالا من قدرها أمام الطبيب الشرعي والشرطة لاعتبارات المستوى الثقافي والاجتماعي”.
وأضافت المختصة “المتسبب في العنف عادة ذو طابع عنيف وله سوابق، فالشخص الهادئ لا يضرب ولا علاقة للصوم بذلك، فالسلوك العدواني متأصل فيه… العنف يولد العنف، فالعنف متوارث في العائلة وعابر للأجيال ويتعامل معه هؤلاء على أنه أمر عادي تتعرض له أمهاتهم وأخواتهم وزوجات إخوانهم وعادة يعانون عقدا نفسية مرضية تحتقر المرأة أو يعانون من شخصية نرجسية، وتواصل هذه المرأة في الضرب والعنف والصمت على الواقع المر طوال حياتها معه إلى أن تموت”..

مستشفى القبة يستقبل 98 حالة والعنف عرّى المجتمع
أمّا كريم زهاني طبيب شرعي بمستشفى القبة فأكد أنّ مصلحته استقبلت في الأسبوعين الأولين 98 حالة عنف منها 54 رجلا و36 امرأة و8 أطفال وأنّ أغلب العنف المسجل كان ضد المرأة من قبل الأزواج بسبب الطبع العصبي للزوج الذي يفتقد للقهوة أو السجائر أو حتى المخدرات أو الكحول أحيانا.. واستغرب المتحدث كيف لمن يصوم تقربا لله ويحرص على هذه العبادة أن يؤذي غيره حد الكسر والضرب المبرح.
ويبلغ العنف مداه في آخر ساعة للإفطار وحسب ما وقفنا عليه فإن بعض الحوادث تبدأ بنظرة تقابل بوابل من السب والشتم والأخطر أن هذا العنف يتم على مرأى من الأطفال.
والمثير، حسب زهاني، هو تنامي العنف بين النساء فيما بينهن، فالظاهرة انتقلت من الرجال إلى النساء اللواتي أصبحن يتشاجرن في شكل عنيف جدا، خاصة في الازدحام المروري وأحيانا يصل الأمر إلى التشابك الجسدي الذي يخلف جروحا عميقة ولا تستخرج الشهادة الطبية سوى في الحالات الخطيرة…
ويزيد عدد الاعتداءات في رمضان في الوسط المهني، يقول زهاني، بسبب السهر طويلا والعمل في اليوم الموالي وكذا بعض الضغوط فتحدث الشرارة لأقل سبب.
وفي الأخير، ختم المختص بالقول “أن العنف عرّى الوجه الخفي للمجتمع الذي ابتعد كثيرا عن الجانب الروحي والديني لهذا الشهر الفضيل وغرق في المشاكل والآفات لاسيما المخدرات فلم تكن حكرا على الرجال دون النساء ولا على غير المتعلمين بعد ان بلغت العدوى المثقفين والمتعلمين…”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!