-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

“مجتمع المعرفة وسؤال الهوية”… المنطلقات.. الدوافع والتأسيس

بقلم: أنيس غرابي
  • 341
  • 0
“مجتمع المعرفة وسؤال الهوية”… المنطلقات.. الدوافع والتأسيس

تحتل إشكالية الهوية في مجتمع المعرفة مكانة رئيسية في الفكر الفلسفي المعاصر، وذلك تماشيا مع التطور العلمي والمعرفي الذي طرأ على إنسان القرن الواحد والعشرين.
لقد غير هذا التطور جملة من المفاهيم الأساسية وأضفى عليها نزعة رقمية زعزع بها صرح اليقينيات واستحدث معها ممارسات وسمات جديدة غيرت بدورها مفهوم الهوية، فإذا كنا في نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين نتحدث عن العولمة كشبح يهدّد الهويات القومية، فإننا اليوم بصدد تغير آخر أو بالأحرى مفاعيل أخرى تشكل لنا هويتنا، لا يمكن إستيعابها دون فهم التحول الجذري الذي مس تاريخيا العلاقة بين القوة والمعرفة والسلطة، فهذا الثالوث أصبح عبارة عن ممارسة خفية تساهم في تشكيل وقولبة الهوية اليوم.
إننا إزاء مرحلة جديدة وهو ما يدفعنا إلى ضرورة صياغة جديدة للوعي وللفكر أمام عالم يتعولم ويتشظى ويتسارع في الإندماج، إلى درجة أننا لم نعد نفرق فيه بين هوية المركز والأطراف، حيث أن الثورة الإلكترونية التي تشهدها تقنيات الإتصال ومنظومات التواصل تسهم في تغيير خارطة العلاقة بالأشياء، حيث يدخل الرقم كعنصر جديد في إنتاج الحقائق وخلق الوقائع، جعلنا إزاء واقع مفتوح، يتعذر رسم حدوده بصورة نهائية. إنه واقع سيال ومتدفق، بقدر ما هو إفتراضي أو أثيري في مجتمع يسمى حينا بمجتمع الشبكة وحينا بمجتمع المعلومات وحينا بمجتمع المعرفة، يؤسس لإنسان جديد أو فاعل بشري جديد، غير مشهد العالم وخرج به من الأطر القومية إلى الطوائف السيبرانية، ومن المثقف البارز أو الكاتب اللامع إلى النجم التلفزيوني والرجل الميديائي.
أصبح من المهم اليوم بل من الضروري أن نميط اللثام عن كل الطروحات التي تتحدث عن التراث والحداثة، الأصالة والمعاصرة، الخصوصية والكونية وتجاوزها إلى نوع آخر من الطرح، إلى نوع جديد من الهوية أخد في التشكل، ألا وهي الهوية الرقمية ما دمنا أصبحنا نعيش اليوم في مجتمع جديد ألا وهو مجتمع الشبكات والمعلومات والانترنت.
وفي سبيل تحليل هذه التحولات المعرفية التي طرأت على الهوية جاء كتاب الباحثة خولة بوجنوي، تحت عنوان “مجتمع المعرفة وسؤال الهوية: المنطلقات الدوافع والتأسيس”، الصادر عن دار “ألفا دوك” الجزائرية.
وخصّصت المؤلفة الفصل الأول كمدخل للدلالات يعالج مفهوم كل من الهوية ومجتمع المعرفة، باعتبارهما حجر زاوية أساسي بنيت عليه الأطروحة، كما تناول المنطلقات الفكرية والدوافع التي أدت إلى دراسة إشكالية الهوية اليوم، في عالم اعتباري افتراضي متغير عن العالم التقليدي الكلاسيكي الذي تعودنا عليه. حيث ستهتم الكاتبة وبصفة خاصة بمسألة إنتاج وإعادة إنتاج الواقع، وتضميناتها الاجتماعية والنفسية والأخلاقية وتأثيراتها العميقة في حياتنا اليومية.
فإذا كان عالمنا المعاصر، عالم تفريخ، وتكاثر، وتضخم المعلومات والمعرفة فهذا لا يعني أنه يؤدي إلى نمو العقل البشري، وإتجاهه نحو سعادة البشر، ومن هذا المنطلق، ستركّز الباحثة على الدور الذي يلعبه الإفتراضي في حياة الإنسان في مجتمع يتمتع بصفة السيلان الكامنة في عدم محافظته على شكله كلما ضغطنا عليه، وهكذا، فإن العلاقات الإنسانية والإجتماعية هي علاقات سائلة، بمعنى أنها أصبحت لا تقاوم التغيرات الإجتماعية التي تطرأ عليها، فتصبح بذلك –العلاقات البشرية– هشة وفي حالة تغير مستمر، إلتزاماتها ظرفية، مرتبطة بالوضع الذي تعيشه، وقابلة للتغير كلما استلزم ذلك. حيث أننا لن نفهم هذه العلاقات إلا إذا تخلينا عن مبدأ البنية structure، لتعويضه بمبدأ الشبكة réseau، إننا نعيش في عالم من المحاكاة والتزييف لا في عالم الواقع أو البنية الذي توارى عن أعيننا، ليحل محله عالم آخر “يحاكي” هذا الواقع، فالصورة التي تتكون للفرد عبر استعمالاته المختلفة لحاسوبه ولمحركات البحث تكون هوية رقمية، فيمكن للشخص أن يظهر من خلال هويات رقمية متعدّدة، فيروج لنفسه بمعطيات مختلفة تصل إلى حد التناقض، على حد تعبيرها.
بوسعنا اليوم بفضل Bigdata أن نقدّم أنفسنا كما نراها، أو كما نحب أن نراها عن طريق الهوية الرقمية التي نقدّمها للآخرين عبر ما نكتبه، وما ننشره، وما نتبادله، وما نعبّر عنه من مواقف شخصية أو عمومية، وبهذا، فكل حركة داخل هذا الفضاء السيبرنطيقي تُكون لنا هوية خاصة، تجعل من إحتمال إنقطاع الأفراد الذين يعيشون في العالم الإفتراضي عن العالم الواقعي ممكنة، كما تفصلهم عن القيم والمعايير التي تربطهم بالمجموعات البشرية التي ينتمون إليها في الأصل، مثلما تقول المؤلفة.
في كتابها هذا، تهتم الباحثة بجانبين أساسيين يتمثلان أولا في أطروحة مجتمع المعرفة ومآلات عصر الدخول إلى الشبكات، وثانيا إشكالية الهوية وسيالانها في هذا المجتمع.
أما المشكلة التي تشغل ذهن الكاتبة عبر مدارها هي: كيفية التأسيس اليوم لخطاب الهوية بعيدا عن المرتكزات التقليدية في مجتمع للمعرفة، في خضم المتغيرات التكنولوجية التي تكشف عن صياغة جديدة للتاريخ العالمي بتوسط الإفتراضي؛ معتمدة في طرحها هذا على الأبعاد الفلسفية والأسس المعرفية التي ينبني عليها مجتمع المعرفة ولماذا يعد سؤال الهوية مطلب ضروري ومُلح أمام مفترق الرقمي؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!