-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
يخرجون في رحلات البحث عنه كلما حل رمضان

ما سرّ علاقة العشق بين الشلفاويين وخبز “الحامضة”

م. قورين
  • 814
  • 0
ما سرّ علاقة العشق بين الشلفاويين وخبز “الحامضة”
ح.م

مع حلول شهر رمضان، يخرج يوميا الكثير من ساكنة ولاية الشلف، في رحلة بحث حثيثة بين المسالك الوعرة للمناطق الريفية، عن خبز الشعير المعروف باسم “الحامضة” محليا، هذا النوع من الخبز التقليدي يكاد لا يفارق موائد الإفطار، لاسيما عند كبار السن، الذين تعودوا على تناوله أيام صغرهم، ويدركون أهميته الصحية في الحفاظ على قواهم ومدهم بالطاقة الكافية للصوم براحة.
خبر الحامضة لم يرتبط في الذاكرة الشلفية بتلبية الحاجيات الغذائية، بل يضرب بجذوره لعقود من الزمن في عمق مظاهر التكافل الاجتماعي والتضامن خلال شهر رمضان، حيث كان السلف يُعد هذا الخبز التقليدي لتوزيعه على المحتاجين وعابري السبيل.
وبحسب عمي عبد القادر، أحد قدماء مدينة الشلف، أن خبز “الحامضة يكاد يختفي بحسبه من قائمة الخبز التقليدي، بسبب تراجع عدد المختصين في تحضيره رغم كثرة الطلب عليه، وأضاف أنه يخرج يوميا كل مساء على متن سيارته، ويسلك العديد من الاتجاهات بين التضاريس الجبلية بالمناطق الريفية، للبحث عن أجود أنواع خبز الشعير، الذي يعرض على حواف الطرقات قبيل أذان المغرب، كما تعرف تلك المناطق الهادئة بين جبال الظهرة شمالا والونشريس جنوبا، حركية غير عادية بسبب الإقبال الملحوظ لمواطنين من مختلف ربوع الولاية، بحثا عن خبز الحامضة الذي تشتهر عائلات هذه المناطق بتحضيره، ويضيف عمي عبد القادر أن خبز الحامضة وصحن حريرة يغنيانه عن تناول جميع أنواع الأطباق الأخرى، التي يصفها بغير الصحية، بعكس أبنائه الذين ينفرون من خبز الحامضة، ويفضلون المأكولات العصرية.
أما الحاج أحمد، من بلدية عاصمة الولاية، فيقول لـ”الشروق”، إن مائدة الإفطار في شهر رمضان لا يمكن أن تخلو من خبز الحامضة، الذي يعد مكونا أساسيا شأنه شأن حريرة المرمز، وتفضله الكثير من العائلات على الخبز العصري لأنه يحضر بمواد طبيعية وبطرق تقليدية، ويضيف الحاج أحمد، أنه يمتطي سيارته يوميا برفقة أحفاده ويتجه جنوبا باتجاه بلدية سنجاس أو حرشون، وأحيانا حتى بلدية الكريمية الحدودية مع تسمسيلت وعين الدفلى، بحثا عن خبز الشعير التقليدي، الذي لا تزال بعض العائلات تتفنن في تحضيره، مثل “الحامضة العادية” و”الحامضة المحشية” التي يضاف لها بعض التوابل والخضر استجابة لرغبات وطلبات الزبائن الدائمين.
“الحاجة فاطمة”، وجدناها تبيع الخبز برفقة حفيدتها على قارعة الطريق بمنطقة الزبوجة، صرحت لنا بأنها تسعى لتوفير الطلبيات المتزايدة على خبز الشعير خلال شهر الصيام، وتنقل رغبات المستهلكين لابنتها التي تعكف يوميا على تحضيرها وإدخال عليها بعض المكونات الجديدة كالشحم والثوم والزبدة والبصل والفلفل الحار والتوابل.

دورات تكوينية للحفاظ على صناعة “الحامضة”
بحسب تصريحات مدير السياحة لـ”الشروق”، فإن مديريته تسعى بمختلف الطرق للحفاظ على هذا الموروث التقليدي عبر تنظيم مسابقات ودورات تكوينية لخبز الشعير التقليدي، بعدما عرف تراجعا ملحوظا بالمقارنة مع أنواع الخبز التقليدي الأخرى، على غرار “المطلوع” و”المشوط” و”السوري” بسبب ارتفاع أسعار الشعير ونقص العائلات المتخصصة في تحضيره.
وللحفاظ على هذا التخصص من الطبخ التقليدي المرتبط بعادات وتقاليد ضاربة في عمق المجتمع بالشلف، قال مدير السياحة بأن مصالحه على استعداد للتنسيق مع جميع الحرفيات اللاتي يتقن تحضير خبز الشعير لتلقين مختلف الراغبين في ولوج هذا النشاط الذي يعرف انتعاشا ملحوظا في ظل تزايد الطلب وانتشار ثقافة استهلاك خبز الشعير لدى سكان الولاية.
من جانبها، سجلت خيرة بربري، من بلدية مجاجة، وهي صاحبة جمعية مشاركة في عمليات التكوين، وتنظيم مختلف المسابقات الخاصة بالأطباق التقليدية، أن شهر رمضان يشهد ارتفاعا في الطلب على خبز “الحامضة” الذي يحضر دون إضافات كيميائية وكذا في ظل تغير العادات الاستهلاكية للمواطن وتحولها نحو المواد الغذائية الطبيعية، حيث يتم تحضير هذا الخبز التقليدي من خميرة طبيعية أساسها كمية من دقيق الشعير والماء والملح، ويترك لمدة 24 ساعة حتى تتخمر، وتصل إلى درجة من الحموضة، ما يعطي نكهة خاصة لهذا الخبز التقليدي، وهو ما يفسر إطلاق اسم “الحامضة” على هذا النوع من الخبز، وبعد تحضير الخميرة الطبيعية في اليوم الموالي يضاف إليها كمية من دقيق الشعير والماء والملح ومسحوق بذور البسباس، لتخلط جميع المكونات حتى يتجانس الخليط ويترك لساعات أخرى ليرتاح ثم يطهى في الفرن التقليدي ليصبح خبز “الحامضة” جاهزا للأكل أو البيع في الأسواق وعلى قارعة الطرقات.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!