الرأي

مارلون براندو السعودي!

قادة بن عمار
  • 3354
  • 12

موقف السعودية الأخير الرافض لمقعد العضوية غير الدائمة في مجلس الأمن، يثير الشفقة والسخرية في الآن ذاته، لدرجة أنّ القارئ لتصريحات حكام المملكة حين يصفون هذه المنظمة الدولية بـ”وكر البلطجية”، ثم يفتخرون بأن الرياض “أحرجت أمريكا” بموقفها الأخير، ستنتابه بلا شك هستيريا من الضحك يُتبعها فجأة بنوبة بكاء لا يتوقف!

ربما، هي روح العقيد معمر القذافي تلبّست حكام الرياض في ذكرى رحيله الثانية، فجعلتهم يمارسون الدبلوماسية على الطريقة القذافية ولو بدرجات أقلّ وجرعات أخف، فلم يقولوا مثلا عبارته الخالدة “طز في أمريكا” ولم يمزقوا قانونها الداخلي في وجه كبار المسؤولين وفي جلسة مفتوحة، مثلما فعل العقيد على المباشر، لكنهم شحنوا فضائياتهم النفطية وتلفزيوناتهم للتطبيل والتزمير لهذا “القرار التاريخي.. الجريء.. وغير المسبوق”!

من بين تلك البرامج التي هلّلت لقرار السعودية، ما قاله أحد الكتاب عبرها حين تدخل على المباشر، مشبّها موقف المملكة بما فعله جون بول سارتر حين رفض جائزة نوبل، أو عندما تخلّى الممثل الشهير مارلون براندو عن الأوسكار تضامنا مع الهنود الحمر المضطهدين !

كاتب سعودي آخر، مسرور بحكمة قيادة بلده- وذلك حقه الطبيعي والاستراتيجي والبيولوجي- راح يقول مفتخرا، “لكل بلدٍ أسلوبه في رفض البلطجة العالمية تحت قبة مجلس الأمن، فخروتشوف ضرب المنصة الشرفية بحذائه، وجورج بوش الابن رفض تمويل هذه المنظمة المفلسة ماليا وأخلاقيا، ومادلين أولبرايت استماتت في موقفها لطرد الأمين العام الأسبق، المصري بطرس غالي، وها هي الرياض ترفض مقعدها غير الدائم لتبين للعالم أجمع أن كرامتها فوق كل اعتبار..وأوسع من كل المقاعد والكراسي والمناصب؟!

طبعا، فإن صديقنا لم يُخبر عموم المشاهدين بأوجه الشبه التي جعلته يضع الملك عبد الله مع خروتشوف في سلة واحدة، ويحشر بينهما أولبرايت وبوش الابن، تماما مثلما لم يسأل الصحفيون الكاتب الأول عن سرّ الشبه بين حكام السعودية بما فعله مارلون براندو؟!

كل ذلك لا يهم، لكن المهم أن الرياض غضبت، وقد كنا نعتقد أنها لا تغضب (إلا من الدوحة والأسد والراحل القذافي طبعا) لكن الرياض قد تكون غضبت من مسائل أخرى، أكثر من اكتشافها فجأة ازدواجية مجلس الأمن، أو لنوم حكامها ليلا ثم استيقاظهم على “خبر عاجل” يقول إن هنالك شعبا مقهورا ومحتلا ومظلوما في فلسطين منذ عشرات السنين..لكن سبب الغضب الحقيقي، قد يكون له علاقة مباشرة بالخارطة التي سربتها جريدة أمريكية مؤخرا، وحملت تقسيم العالم العربي إلى دول وكيانات جديدة، لم تستثن تفكيك السعودية، كما قد يكون الغضب أيضا من تصريحات مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية، الأمريكي جون فيلتمان، حين قال مستغربا:”لم أر أوقح ولا أسوأ من الحكومة السعودية” ثم تساءل:”لا أعرف كيف ستواصل هذه الإدارة الحكم”؟!

 

من حق السعودية أن تغضب، ومن حقها تماما أن تحتار من موقف قطر الداعم لقرارها “البطولي” الأخير، خصوصا أن بعض التقارير تربط تأييد الدوحة برغبتها في تعويض الرياض ليس إلا، لكن ليس من حق السعودية أن تستغفل عقولنا، أو تمارس الضحك على “شيبتنا” فتحوّل عجزها إلى انتصار، وتبرر فِرارها من المواجهة بدعم المقاومة، كما تغسل خيبتها من الحليف الأمريكي تحت “مرشّات” القضية الفلسطينية!

مقالات ذات صلة