الرأي

ماذا لو طرد الحكم “بوڤرة”؟

الاحتفال بانتصار في كرة القدم، هو رد فعل طبيعي، من شعب اتفق منذ عقود، على أن يجعل الكرة عرسه الكبير، يمارس بها ومنها حبه لوطنه، وتعلقه بنشيد قسما وبالعلم الجزائري، بعد أن عجز عن التعبير عن هذا الحب في مقر عمله، حيث الرجل غير المناسب في غير المكان المناسب، وفي الانتخابات حيث الكذب على الأذقان يمارس سرا وعلانية، وفي الفلاحة وفي الصناعة وفي الثقافة، حيث المحسوبية والاختلاسات. والتذمر من الخسارة الكروية والثورة على الخاسرين، هي أيضا رد فعل طبيعي، من شعب، اتفق أيضا على أن يجعل الكرة متنفسه، ليقول ما لم يستطع قوله أمام مسمع المسئولين من صواب يحتمل الخطأ أو خطأ يحتمل الصواب.

لكن أن يصبح رد الفعل، هو الفعل الوحيد في البلاد، فذاك ما يجب أن نفكر فيه، لأن الكثير من المختصين في عالم كرة القدم، قالوا أن قائد الفريق الجزائري الذي هو حاليا بطلا قوميا، كان يستحق قبل أن يساهم في تفجير فرحة أربعين مليون جزائري بقرابة الربع ساعة، الحصول على بطاقة حمراء، كانت ستجعله اللاعب المذموم والمغضوب عليه إلى يوم الدين، بتهمة التورط في نسف أحد أحلام الجزائريين، إن لم نقل حلمهم الوحيد بالسفر إلى البرازيل، ويتفق الجزائريون على أن نتيجة المقابلة لو انتهت من دون أهداف، أو تمكن المنافس من الرد على هدف الجزائريين، لكانت الثورة الكبرى على المدرب وعلى لاعبيه ولعاشت الجزائر أيام حزن، ولكان هؤلاء الذين بلغوا درجة البطولة القومية، خونة وزنادقة .

هناك من ينتقد فرح الجزائريين، بسبب الكرة، ويتساءل عن غياب الوطنية وأعلام البلاد، والتغني بالجزائر في بقية الرياضات، وفي الفلاحة والصناعة والتعليم والأبحاث العلمية، وهناك من يدافع عن هذا الفرح ويعتبره دليلا على وطنية الجزائريين الذين جمعتهم الكرة أولا، وقد تجمعهم أشياء أخرى في المستقبل القريب، ولكن لا أحد فهم لماذا يتم تمجيد لاعب ربما ساعده الحظ في التسجيل، ولماذا يُذم آخر ربما لم يساعده الحظ في التسجيل، ولماذا يتحوّل مدرب أجنبي إلى بطل قومي جزائري، لأن الكرة ارتطمت في رأس مدافع وعانقت الشباك، ولماذا يُسبّ ويُقذف بالحجارة المدرب كمال لموي عام 1989 في لقاء الفصل ضد مصر، بعد تعادل من دون أهداف رغم أن الكرة ارتطمت أربع مرات بين القائم والعارضة بأقدام الجزائريين دون أن تعانق الشباك.

لقد أقرّ القرآن الكريم، أن الأعمال بالنيات في كل المجالات، و الله يجازي المجتهد، حتى ولو لم تتحقق ثمار اجتهاده، ولكن تعاملنا بردّات الفعل هو الذي جعلنا نمشي في طريق مسدود، فنتذكر اللاعب عمر بتروني كرمز وطني، لأنه قذف كرة طائشة، أدخلتها أقدام فرنسية إلى المرمى، وننسى مهندس الفوز عيسى دراوي الذي توفي في مستشفى الأمراض العقلية.

لو كان الأمر يخص عالم الكرة فقط لهان الأمر، وحصرناه في مستطيل الكرة الأخضر وانتهينا منه مع صافرة نهاية المقابلة، ولكنها هي حياتنا أشبه بقذف كرة، المجد فيها للأقدام فقط.

مقالات ذات صلة