ليسوا مجرّد أرقام!
![ليسوا مجرّد أرقام!](https://i.dzs.cloud/www.echoroukonline.com/wp-content/uploads/2021/03/Noureddine_Bedoui_ph_Bachir_11_686980652.png?resize=790,444.375)
تحدّث وزير الداخلية نور الدين بدوي عن صعوبة “تحيين” وضبط القوائم الانتخابية في الجزائر بسبب وفاة 20 ألف مواطن شهريا!
الوزير بدوي تحدث عن كثرة الوفيات، منشغلا بعدد من ينتخبون، أو الأحرى، بعدد من يقاطعون، ولم ينتبه إلى أنه يتكلم عن موتى، صحيح أنه غير مسؤول عن وفاتهم ولا عن العدد، لكن النظر إلى الجزائريين على أنهم مجرد أرقام انتخابية داخل هيئة تتمدد وتتقلص حسب رغبات السلطة، هو أمرٌ مثير للاستياء حقا.
على طريقة “تعددت الأسباب والموت واحد”، لم ينتبه الوزير ومن معه إلى أن هذا الأسبوع شهد أكثر من جريمة قتل تنِمُّ عن غياب رؤية اجتماعية صحيحة لمعالجة الكثير من العلل التي تحوَّلت إلى نكبات نفسية لدى الجزائريين بشكل جعل من ممارسة القتل أمرا هيّنا وأسلوبا سهلا بين المواطنين!
ما معنى أن تقتل طفلة، عمرها 13 سنة فقط، صديقتها التي تصغرها بـ5 سنوات في وهران ولا يفتح ذلك نقاشا اجتماعيا بين الفاعلين؟ وقبلها ينتحر طفل عمره 11 سنة في شرق البلاد بسبب اتباعه قواعد لعبة شيطانية عبر الأنترنت، وفي العاصمة، يذبح مختل عقليا، أو هكذا وُصف، امرأة وينكل بجثتها أمام مرآى الناس في شارع رئيس بحي شعبي؟!
وفي الأسبوع ذاته، يقتل شخصٌ ابنه وأخاه وابن أخيه بدم بارد وتقدِّمه الصحافة على أنه عنصرٌ سابق في “الدفاع الذاتي”، دون السؤال عن الآثار النفسية التي تعانيها هذه الفئة، نتيجة ما تحمّلته من أعباء ثقيلة في التسعينيات، وها هي اليوم، رفقة متقاعدي الجيش، لا تجد أحدا يعترف بدمائها ولا بجهادها!
حتى الموتى على الطرقات غير المهيَّئة، والتي لا تحترم شركات المقاولة شروط الصيانة فيها، لا يمكن رمي مسؤوليتهم على القضاء والقدر دوما، وهي تكلف يوميا الكثير من الأرواح وليس فقط الخسارة المادية مثلما خرج أحد المسؤولين مؤخرا ليتحدث عن الملايير التي تضيع على الجزائر والحزينة العامة، بسبب حوادث المرور، وكأن الأمر يتعلق بالمال لا بالأرواح!
ثمّ ماذا عن “الحراقة” الذين تضاعفت سفرياتُهم غير الشرعية والخطيرة عبر قوارب الموت في أيام الحملة الانتخابية؟ ألم تسأل السلطة نفسها هذا السؤال؟ ألم تربط بين الأمرين؟ حتى أن كثيرا من الشبان الذين يتم انتشالهم أو القبض عليهم، سواء هنا أو هنالك، يتذرعون بالإحباط الشديد الذي أصابهم نتيجة البقاء في الجزائر، فهم كالأحياء الأموات، لا فرق!
هؤلاء جميعا، قد يمثلون نسبة هامة من الـ20 ألف جزائري الذين يموتون شهريا والذين يراهم وزيرُ الداخلية مجرد أرقام في الهيئة الانتخابية، وقد تستمرُّ هذه النظرة السلطوية الضيقة سنوات وعقودا، ولن تتغير طالما لم تتغير ذهنية الحكم لتبحث عن أساليب جديدة تُسيّر من خلالها الشأن العام بعيدا عن ترقيم الجزائريين وإنما بمنحهم الحق في المواطنة.