الرأي

لن يستقيلوا!

قادة بن عمار
  • 4929
  • 10

مخطئ جدا من يعتقد بأن الحكومة قد رفّ لها جفن، أو تحركت على رأس مسؤول فيها شعرة واحدة عقب مقتل إبراهيم وهارون في قسنطينة، لأنها وبالمختصر المفيد، ذات الحكومة التي اكتفت بالتحقيقات الأمنية، وتجردت من كل مسؤولية أخلاقية أو سياسية، حين تم قتل شيماء واختطاف ياسر، وغيرهما من مئات الأطفال الآخرين في ظرف سنوات قليلة، كما أنها لم تحرك ساكنا حين أحرق عشرات المواطنين أنفسهم في الشوارع، وأمام مقرات البلديات والولايات بحثا عن لقمة عيش أو سكن!

هنالك 15 حالة اختطاف تتم شهريا في كل ولايات الوطن، ولا أحد تحرّك حتى الآن من أجل تحمّل المسؤولية، ورغم أن مرتكبيها من أصحاب السوابق العدلية الذين تم العفو عنهم في المناسبات الوطنية والدينية، إلا أن صاحب العفو لا يشعر بـأي مسؤولية حين يرتكب من عفا عنهم جرائم قتل تهزّ المشاعر وتصدم الأحاسيس!

لا أحد يريد من كبار المسؤولين ولا من صغارهم أن يستقيل، لا بسبب فضائح الفساد ولا لكثرة الجرائم، وانهيار الثقة وغياب الأمن، ولا بسبب العمليات التي تمس السيادة الوطنية، فهل سمعتم مثلا بمسؤول واحد مهما كانت درجته، استقال عقب عملية تيڤنتورين التي مسّت السيادة الوطنية في مقتل وأربكت الجميع، ودفعت بصغار المجرمين للتجرؤ على من يقولون بأنها “سلطة عظيمة”، ومن صدّعوا رؤوسنا لسنوات وعقود طويلة بالقول والادعاء أنها “سيّجت حدودها ضد شياطين الإنس والجان!” 

إنهم لن يستقيلوا، لأنهم تعوّدوا على ترك مناصبهم الرفيعة وكراسيهم الفخمة إلا عندما يأمرهم “الأعلون” بأنه تم استدعاؤهم لمهام أخرى، ضمن ذات النظام المستعصي على التغيير، وتحت راية نفس السلطة المقاومة لأي مشروع تجديد أو تبديد..

لن يستقيلوا ما دام في الخزينة العمومية فلس واحد، وما دام أن الرعب لم يطل أبناءهم وأقاربهم، حيث لا تزال عملية الاختطاف والقتل تلاحق الزوالية والمستضعفين في الأرض، ويقيم “عليّة القوم” في المناطق الخضراء هنا وهناك!

حالة الخوف المركّب التي يشعر بها جميع الجزائريين بعد انتشار جرائم القتل البشع، وتعجّل المواطنين البلاء قبل وقوعه، وتحديدا عندما تمس تلك الجرائم الأبناء الأبرياء، ليست بالجديدة ولا بالشيء الطارئ، بل إننا في واقع الحال نعيش فترة يمكن وصفها بتوازن الرعب بين جميع أطراف وحساسيات المجتمع.. رعب حاول البعض زرعه وتقسيمه بين المواطنين في سنوات سوداء اعتقدنا بأننا غادرناها جميعا، لكن تبين أن المصالحة ما تزال ناقصة، وجميع تلك المواثيق تم خرقها، وما أفرزته تلك السنوات من إرهاب اجتماعي يبدو أشنع وأسوء من كل التوقعات!

لا أحد بات مؤتمنا على نفسه وماله، وعلى بقية الجزائريين في مواجهة هذا الواقع المأساوي، أن يرفعوا دعاءهم الأخير: اللهم أحفظ أبناءنا من كل شر، وأموالنا من كل يد، ومشاريعنا من كل غش.. أو يختصرونه بالقول: ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منّا!

مقالات ذات صلة