-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

لمن يعلي بلا عقل “هبل” الدولة المدنية

حبيب راشدين
  • 1865
  • 5
لمن يعلي بلا عقل “هبل” الدولة المدنية
ح.م

لم يُرفع في الحَراك شعارٌ أحمق، أخرق، أجوف، مثل الشعار المهيمن على حشود الحراك في كل جمعة: “دولة مدنية ماشي عسكرية”، وكأنَّ الله خلق من البشر جنسين: جنسٌ مدني فاضل، إليه تفوَّض خلافة الله في عباده، وجنس عسكري، قد كُتب عليه في اللوح المحفوظ أن يظل تحت الحجر السياسي في الثكنات، مع أن صفحات مشرقة من التاريخ كتبها قادة من العسكر، وكُتب في صحائف قادة من “الجنس المدني” مجازر ومذابح مروعة في زمن الاستبداد، كما على يد نظم ديمقراطية.

ولأنه شعارٌ أخرق، أحمق، حمَّال أوجُه، فقد وظفته النخب المستبدة بالسلطة بمهارة للعبث بالجنسين: المدني والعسكري معاً، لتستولي كابرا عن كابر نخبةٌ صغيرة من الساسة على السلطة السياسية، عبر مسارات ديمقراطية لا تعيش فيها السلطة التأسيسية المنسوبة إلى المواطنين ساعة واحدة بعد إغلاق صناديق الاقتراع، لتتحول إلى نخبة خادمة لأقلية من أرباب المال والأعمال، يستنزفون عرق الملايين من “الجنس المدني” ولا يترددون في إراقة دماء الجنسين من المدنيين ومن العسكر.

ومع أن القاعدة قد حُسمت بالنسبة إلى المسلمين في آيتين لا أكثر، تُخضع اختيار ولاة الأمر للشورى، قبل أن تُخضع فعل إدارة الشأن العام لشورى قائمة مستدامة، في أفضل تجسيد لمبدإ “ملكية الشعوب للسلطة التأسيسية الدائمة” وليس هذه الكذبة التي تسوِّقها لنا الديمقراطية الغربية المغشوشة، وقد التحقنا بها مثل خراف بانورج من دون إخضاعها للفحص والتدقيق، وتعرية ما فيها من حيل وخُدع بصرية.

رهاناتٌ كثيرة نمت على خلفية ما يرفعه الحَراك من شعارات لدولة مدنية، وجمهورية جديدة فاضلة، أو على ما يعد به التعديل الدستوري في محاور سبعة تتعامل مع اللمم من أخطاء الدستور القائم، وتزاور ذات اليمين وذات الشمال عن حمى المادة السابعة، التي رفع شعارها عاليا دون أن تجرأ النخبة على تفكيك مضمونها الذي يعترف للمواطنين بملكية السلطة التأسيسية، قبل أن تصادرها بجرة قلم في المادة الثامنة، بإحالتها على القرصنة الموصوفة بأدوات المسارات الانتخابية المزوَّرة في جميع ديمقراطيات العالم.

الدستور بوصفه عقدا اجتماعيا توافقيا، يُفترض عند تحريره أن يجيب عن سؤالين كبيرين: كيف نوزِّع سلطة إدارة الشأن العامّ ونوليها للأفضل، والأقدر، والأكفأ بضمانات حسن خدمة مالك السلطة التأسيسية أي سلطة الشورى، تتفرَّع عنه تباعا الأسئلة الخاصة بأدوات الحكم، وما تحتاج إليه من توازن بين من يشرّع، ومن ينفّذ، ومن يحكم بين الناس بالعدل، ثم يأتي السؤال الثاني: كيف ننتج الثروة وكيف نوزعها بقدر من العدل والإنصاف؟ تتفرع عنه أسئلة فرعية لها صلة بالتوافق على النموذج الاقتصادي، وعلى أهداف التنمية، وكيفية توزيع أعبائها وريعها، وهو السؤال المغيَّب في نص الدستور القائم كما في التعديلات المقترَحة، وكأن النخبة تريد التفرُّد بسلطة القرار الاقتصادي الذي عليه يدور أمر السياسة، والتقاتل المستدام على ريعها المتحكم في ريع الثروة.

ولأن البُعد الاقتصادي مغيَّب في العقد الاجتماعي، متروك للصفوة من الخبراء المصنعين على أعين النخبة السياسية ونخبة رجال المال والأعمال، فإن الخيارات الاقتصادية التي سمحت من قبل للعصابة الفاسدة باختطاف الثروة قبل اختطاف القرار السياسي، هي ذاتها التي سوف تنتج لنا بعد حين، ورغم أنفنا، عصابة بديلة، ترث عن سلفها الطالح سلطة السطو على الثروة، لتسطو حين تشاء على القرار السياسي، كيفما كان صلاح وإخلاص من توصلهم صناديق الاقتراع إلى السلطة.

هي ذي قواعد اللعبة في النظم الديمقراطية الليبرالية الحديثة، التي وصف فيها أحد القساوسة ما يُرفع من شعارات الحرية، بـ “حرية الذئاب داخل خُمّ الدواجن” لا يعنيهم من يحكم في الواجهة: نخبة مستقطبة من “جنس المدنيين” أو من “جنس العسكر” ولا حرج عندهم أن تمتلئ الشوارع من قبل أو من بعد بألف ألف شعار يعلي “هُبل” المدنية لأن أسطورة “حكم الشعب بالشعب لأجل الشعب” عندها محض هبل.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
5
  • algerien

    مجرد راي كم عدد رؤساء الحكومات .و الوزراء .و المديرين العامين و الولاة و رؤساء الدوائر و الاميار و المديرين التنفيذيين الولائيين الذين احيلوا على العدالة و الذين ادينوا و هم في السجون دون ان ننسى نواب الغرفتين الذين نزعت منهم الحصانة البرلمانية و اخرون رفضوا ذلك و تضامنوا بينهم لانهم يعرفون ان الدور سيصلهم و الباقي اكثر لان الكل لحس من رجال المال ( المشبوه) كبار و صغار حتى اصحاب مشاريع لونساج لانهم باعوا العتاد و زهاو بالدراهم هل مدنيون ام عسكريون اعطوني اجابة لو نحاسب كلنا سيدخل الجميع الى السجن اذن انها كذبة دولة مدنية و ليس عسكرية لولا الجيش لكانت حرب داحس و الغبراء

  • مهاجر

    عاش ابي في الدولة العسكرية و عشتها انا بكل جبروتها و قهرها و حقرتها و نعرف افلاسها فهل يمانع سيادتك ان يجرب اطفالي الدولة المدنية ؟؟؟؟

  • رضوان

    دائما نطالب بمزيد من حبيب راشدين، أي بمزيد من التحاليل النقدية التي تعمل على تفكيك المفاهيم وحواريتها مع الواقع، لا السقوط في فخ أطروحات لم نكلف أنفسنا عناء تمحيصها تاريخيا وكشف الارتباطات الايديولوجية والطبقية التي تقف وراءها وادعاءاتها بأنها تمثل نهاية للتاريخ.

  • سليم

    لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي
    بارك اله فيك با استاذ

  • ياسين

    طالما لم نكتسب بعد الثقافة السياسية ...و طالما لزال من يعتقد في نفسه أنه ملاك و الآخرين شياطين...و طالما هناك من يعتقد أيضا أنه من الدرجة و الباقي من الدرجة الدنيا... فإنه لا يمكننا انتظار أكثر سوى تكرار الأخطاء و المآسي...فالشعوب التي تكرر نفس الأخطاء يصنفها التاريخ بأغبى الشعوب على الإطلاق