جواهر

لماذا التّضييق على الحجاب؟

جواهر الشروق
  • 5892
  • 25

في شهر أفريل من سنة 2008 م، قامت فتاة مسلمة بريطانية تدعى “بشرى نوح”، في الـ19 من عمرها، برفع دعوى قضائية ضدّ مالكة أحد صالونات تصفيف الشّعر النّسائية، لأنّها رفضت توظيفها في صالونها بسبب ارتدائها الحجاب.. وقد قضت المحكمة التي قالت إنّ المسلمة تعرّضت لـ”تمييز غير مباشر”، بتعويضها بمبلغ 4 آلاف جنيه إسترليني (أكثر من 53 مليون سنتيم جزائري) لقاء ما تعرّضت له من “جرح لمشاعرها”، حسب وصف المحكمة.

يحدث هذا في بلاد الغرب التي يشكّل المسلمون أقليات بين سكّانها، في الوقت الذي تتعرّض فيه كثير من المحجّبات العاملات في بعض بلاد المسلمين للتّضييق والتّهديد، ليصل الأمر في بعض الأحيان إلى الطّرد من العمل بحجّة اللّباس الرّسميّ الذي لم يعد مشكلة في بلاد الغرب، أين يتمّ توظيف مسلمات محجّبات في الشّرطة والجمارك والحماية المدنية، كما حدث في لندن وكندا، وفي النرويج حيث أصدرت وزارة العدل بيانا قالت فيه: “بعد إجراء مشاورات مع القيادات الشّرطية والتناصح فيما بيننا، قرّرنا أنّ القانون المتعلق بالزيّ الموحّد للشّرطة يجب تعديله ليسمح بارتداء الحجاب أو غطاء الرأس الذي ترتديه النّساء المسلمات”.

فتاة مسلمة تحصل على تعويض لأنّ مالكة صالون خاصّ رفضت توظيفها، وفي بلاد المسلمين التي تنصّ دساتيرها على أنّ الإسلام دين الدّولة، تتعرّض بعض المحجّبات للطّرد من مؤسّسات عمومية هي في الأصل ملك للشّعوب المسلمة! هذا إذا سُمح بتوظيفهنّ واستطعن تجاوز العقبات والمطبّات التي تعترض طريقهنّ، حيث إنّ مسابقات التّوظيف في كثير من القطاعات والمصالح تعطى فيها الأولوية لغير المحجّبات، ولعلّ هذا ما يكشف الغطاء عن السرّ الكامن وراء استحداث مرحلة فاصلة في أطوار المسابقات تعرف بـ”المقابلة الشفهية”، أين يتمّ تقييم المترشّحين بحسب هيئاتهم ووساطاتهم! وقد تحدّثت كثير من المترشّحات المحجّبات بأنّهنّ نُصحن بخلع الحجاب إذا كنّ يرغبن في التّوظيف.

أمّا في قطاعات الأمن والجمارك، فإنّ المحجّبات في بعض بلاد المسلمين يُصدمن بتعليمات إدارية تقضي بمنعهنّ من الالتحاق بهذه الأسلاك، وربّما يفاجأن بالتّهديد بالفصل إذا لم يتخلّين عن خماراتهنّ! وفي قطاعات ومصالح أخرى يتمّ تهميش المحجّبات واضطرارهنّ إلى العمل في وظائف أدنى من مستوياتهنّ التّعليميّة، أو العمل في الكواليس بعيدا عن الأضواء، لا لشيء إلا لأنّهنّ محجّبات، كما يحدث في مؤسّسات التلفزيون العمومية التي تدفع الشّعوب فواتيرها طوعا وكرها، أين تقدّم المتبرّجات وتؤخّر المحجّبات ولو كنّ أكثر كفاءة واحترافية.

لقد تجرّعت كثير من المحجّبات الحسرات وأسبلن الدّمعات، لأنّهنّ حرمن التّوظيف في مؤسّسات عمومية، لا لشيء إلا لأنّهنّ محجّبات، في خضمّ إجراءات تضييق لا تستند في كثير من الأحيان إلى لوائح وقوانين مكتوبة مسطّرة، ولكنّها تقوم على واقع فرضته نزوات وأهواء بعض المسؤولين، في ظلّ غياب مؤسسات رقابية تُعنَى بفرض احترام النّصوص الدستورية القاضية بأنّ الإسلام دين الدّولة؛ مسؤولون يعانون عقدا مستحكمة من الحجاب، ولا يعرفون عن المرأة إلا أنها جسد يسرّ النّاظرين، ولا تصلح إلا أن تكون سكرتيرة تزيّن لهم المكاتب وتوزّع عليهم الابتسامات والضّحكات والتحيات، وقد بلغ الأمر ببعضهم إلى حدّ التخلّي عن قيم الإنسانية، ومنعوا المحجّبات من دخول بعض المستشفيات لأجل الولادة، وخيّرن بين خلع الخمار أو وضع مواليدهنّ في مكان آخر!

إنّ ممّا يحزّ في النّفس، في ظلّ هذا الواقع المنكوس الذي تتّجه فيه الدّول الغربية إلى التّعايش مع الحجاب، وتتعرّض المحجّبات للتّضييق في بلاد المسلمين، أن تنبري بعض الجمعيات النّسوية للدّفاع عن الحقّ في التبرّج والعري والخلوة، ومهاجمة خطباء المساجد لا لشيء إلا لأنّهم يدعون نساء المسلمين وبناتهم إلى الحجاب والعفاف، ولو كانت هذه الجمعيات صادقة في دفاعها عن حقوق المرأة لدافعت عن حقّها في التمسّك بحجابها، ولكن يبدو أنّ المحجّبات لا بواكي لهنّ! ولعلّ ما يحزّ في النّفس أكثر من هذا، أن ينبري بعض المحسوبين على العلم والدّين لإصدار الفتاوى المخالفة لنصوص الكتاب والسنّة ولما أجمع عليه أئمّة الإسلام وعلماء الأمّة، ويوجّهوا خطاباتهم إلى المحجّبات ليسوّغوا لهنّ طاعة المخلوق في معصية الخالق، تارة بحجّة الضّرورة، وتارة أخرى بحجّة مقتضيات المنصب والوظيفة، بدل أن يوجّهوا فتاويهم ومناشداتهم إلى المسؤولين وينصحوهم بتقوى الله في نساء المسلمين وبناتهم، وفي هذا الدّين الذي أقسموا بأغلظ الأيمان على احترامه وتمجيده.

إنّ المأمول من علماء الأمّة أن يتّقوا الله في دينه الذي استأمنهم عليه وأخذ عليهم الميثاق ليُبيننّه للنّاس ولا يكتمونه، وألا تأخذهم في الله لومة لائم، وأن يخافوا الله في المسؤولين ولا يخافوا المسؤولين في الله. والمأمول من الأخت المسلمة المحجّبة التي تنظر إلى الحجاب على أنّه عبادة من أجلّ العبادات، أن تكون عزيزة أبية، لا ترضى الدنية في دينها الذي هو أغلى ما تملك في هذه الحياة، ولا تقبل المساومات على حجابها الذي هو رايتها ورمز عفّتها وعنوان حيائها؛ شعارها دائما وأبدا “إلا ديني وحجابي”، تجعل نصب عينيها قول النبيّ – صلى الله عليه وآله وسلّم-: “من الْتمس رضا الله بسخط النّاس كَفَاه الله مُؤْنَةَ النَّاس، ومن التمس رضا النَّاس بسخط الله وَكَلَه الله إلى النَّاس”. وقوله- عليه الصّلاة والسّلام-: “لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق”؛ لا تقدّم طاعة مخلوق من المخلوقين على طاعة الله أبدا، فالله- جلّ وعلا- هو الخالق وهو الرّازق وهو المحيي والمميت وبيده وحده أمر الكائنات، و”من ترك شيئا لله عوّضه الله خيرا منه”.

مقالات ذات صلة