الجزائر
عائلات تمارس حصارا تكنولوجيا على أبنائها لتفادي التشوبش

لا “مونديال” ولا إنترنت للمقبلين على البكالوريا

زهيرة مجراب
  • 978
  • 3
ح.م

تزداد حالة القلق والتوتر وتصل أعلاها لدى عائلات مرشحي البكالوريا ببدء العد التنازلي واقتراب موعد الامتحانات، فيقاسمون أبناءهم كل الحالات النفسية التي يمرون بها قبيل الامتحان ويحاولون التخفيف عنهم من جهة، وفرض حصار تكنولوجي لتجنيبهم حالة الرعب والهلع من جهة أخرى.
لجأت عائلات التلاميذ المقبلين على اجتياز امتحان شهادة البكالوريا يوم الأربعاء القادم، لفرض حصار تكنولوجي عليهم خلال الأيام المتبقية التي تسبق الموعد الرسمي للامتحان المصيري، حيث فضلت معظمها مصادرة هواتفهم النقالة أو قطع الإنترنت لمنعهم من الولوج إلى مواقع التواصل الاجتماعي “الفايسبوك”، بعدما تحولت هذه الأخيرة إلى مصدر للخوف والتوتر بسبب عشرات المواضيع المزيفة التي يزخر بها الموقع، وكذا المجموعات عشية موعد الامتحان الرسمي ويروجونها على أساس أنها مواضيع البكالوريا وقد سرّبت، وهو ما يجعل التلميذ يسهر لساعات متأخرة ويهدر أوقاته الثمينة في حلها ولا جدوى منها سوى رفع معدل الارتباك لديه بعدما أثبتت المراجعة الإلكترونية عدم جدواها وتأثيراتها السلبية كانت أكبر.
واتسعت رقعة الحصار لدى بعض العائلات فقررت حرمان تلاميذ البكالوريا من متابعة مباريات مونديال روسيا حتى يتفرغوا للمراجعة والحفظ في الأيام الأخيرة.
ووضعت عائلات تلاميذ البكالوريا مخططا صارما لتغذية أبنائهم خلال أيام الامتحان حيث عمدوا إلى تنويع الوجبات الغذائية والاعتماد على العصائر الطبيعية لتفادي التسممات التي قد يصاب بها الممتحنون في حال تناولهم وجبات باردة كالجبن و”الكاشير”، خصوصا أن موعد الامتحان سيشهد ارتفاعا قياسيا في درجات الحرارة التي يتوقع أن تصل إلى 32 درجة في اليوم الأخير، كما أدى تزامن موعد الشهادة مع عطلة ما بعد عيد الفطر وإغلاق غالبية محلات الأكل الخفيف “البيتزيريا” والمطاعم أبوابها بالأهالي إلى إيجاد حلول أخرى كالعطل المرضية والغياب عن العمل للتفرغ لنقل أبنائهم إلى مراكز الامتحان وتحضير وجباتهم الغذائية.
وشمل مخطط الطوارئ الذي تنتهجه عائلات الممتحنين على جلسات للعلاج بالرقية والحجامة لإزالة الخوف وتهدئة نفوسهم، حيث شهدت محلات العجوة والأخرى المختصة ببيع ماء زمزم في ساحة الشهداء وباب الوادي، إقبالا كبيرا لشراء مياه زمزم لتقديمها إلى تلاميذ البكالوريا حيث تبدأ الأسعار من 600 دج حسب حجم وسعة القارورة.

إقبال كبير لتلاميذ البكالوريا على دورات “الذاكرة”
هذه أسرار حفظ التاريخ والجغرافيا في يومين
مدير مؤسسة القائد: نعتمد الصور لترسيخ الدروس

ينتهج التلاميذ المقبلون على اجتياز امتحان شهادة البكالوريا مختلف الأساليب ويسلكون طرقا متعددة في سبيل نيلهم الشهادة المرتقبة. وقد أسهمت مراكز التنمية البشرية من خلال تنظيمها دورات خاصة في الحفظ والمراجعة في تطوير مواهبهم وقدراتهم في الحفظ في فترة زمنية وجيزة جدا.
وفي هذا الإطار، كشف مدير مؤسسة القائد للتدريب والتسويق، مهدي رمضاني، في تصريح إلى “الشروق”، نجاعة الأسلوب المعتمد في حفظ مادتي التاريخ والجغرافيا خلال يومين، فهم يحولون الدروس إلى صورة، فمثلا في مادة التاريخ في الدرس المتعلق بتحطيم جدار برلين بدلا من الملخص يضعون صورة لجدار محطم مرفقة بالمعلومة، وهو ما يسهم في ترسيخها في ذهن التلميذ.. فالذهن يتذكر الصور بسرعة. وأضاف المتحدث، مثلا في درس الجغرافيا في الموضوع المتعلق بأهمية البترول يضعون صورة فيها دلاء كثيرة في إشارة إلى تعدد المنتجات والأموال دليل على الأرباح المالية، فلما يقرأ السؤال تتبادر إلى ذهنه مباشرة الصورة.

حفظ مادة العلوم الشرعية في نصف يوم مستقبلا

وعن مدى الإقبال على هذه الدورات، أوضح المتحدث أن هذه السنة الثانية التي اعتمدوا فيها هذه الدورات. وقد شهدت توافدا كبيرا للتلاميذ، خصوصا ممن يعانون صعوبة في الحفظ ولا يتذكرون التواريخ بسرعة، وتتطلب هذه التقنية من التلاميذ إعادة المراجعة والاعتماد على المقدرة في التعبير عن الفكرة وشرحها.
وتحدث مدير مؤسسة القائد للتدريب والتسويق عن إمكانية تطوير هذه التقنية إلى مواد أخرى خلال الأعوام القادمة كالعلوم الشرعية التي سيصبح بإمكانهم حفظها في نصف يوم فقط.
وقال رمضاني بأن مركز الذكاء الجزائري هو الرائد في هذا المجال فقد نظموا نحو 50 دورة في مختلف ولايات الوطن استقطبت المئات من التلاميذ. وبخصوص علامات تلاميذ دورة السنة الماضية ذكر المتحدث أنها تتراوح ما بين 14 و17 من 20 في مادة التاريخ والجغرافيا، فقد تمكن التلاميذ من جني النقاط في التواريخ والمصطلحات.

دورات “الذاكرة” لضمان البكالوريا

من جهته، أكد مدير مركز الذكاء الجزائري صلاح الدين جيلح، في تصريح إلى “الشروق” اعتمادهم عدة استراتيجيات تساعد التلميذ على الحفظ والتذكر، فالمراجعة تحتاج استراتيجية وخارطة، وأضاف المتحدث أنهم في مؤسستهم التي تحتل المرتبة الثالثة عالميا في الذاكرة، يعلمون التلاميذ استراتجيات وطرقا يتدربون عليها، بداية من طرق تخزين المعلومات واستدعائها أثناء الاختبار.
وأوضح المختص أن الذاكرة عبارة عن عضلات لابد من تدريبها لتصبح قوية وفق استراتيجيات محددة ومعروفة فإذا تركناها تضمحل، ولذا وضعوا في مؤسستهم برنامجا خاصا بتلاميذ الأقسام النهائية لتحفيظهم مادة الاجتماعيات، تقريبا برنامج التاريخ والجغرافيا في يومين بمنحهم المفاتيح والطرق الحديثة التي تمكنهم من ذلك.

توفر الهدوء والطمأنينة والأساتذة المتطوّعين
مراجعة ماراطونية لمترشحي البكالوريا في المساجد والجمعيات

دخل مترشحون لشهادة البكالوريا في مرحلة مراجعة ماراطونية تقدّمها بعض الجمعيات الخيرية ومدارس قرآنية عبر المساجد بعد مراجعة شاملة قامت بها خلال شهر رمضان الكريم المنقضي، البعض اختار المراجعة الجماعية أما البعض الآخر فاختار الخلوة والعزلة في بيت الله.
كريمة خلاّص
وتوفّر المساجد والجمعيات فضاء مناسبا للطلبة يرتاحون فيه، لاسيما الذكور الذين يراجعون دروسهم للمرّة الأخيرة ويحاولون استذكار ما فاتهم مع بعضهم وذلك تحت إشراف أساتذة متطوعين يرجون الأجر والحسنات.
وفي السياق أوضح نور الدين محمّدي مدير التوجيه الديني والتعليم القرآني في وزارة الشؤون الدينية والأوقاف أن وزير القطاع أوصى في عدة مناسبات بفتح المساجد أمام الطلبة لتسهيل الحفظ عليهم وكذا المركز الثقافي الإسلامي وفروعه عبر ولايات الوطن المهيأة لطلبة البكالوريا، وهو ما تم تطبيقه على مدار شهر رمضان الكريم، يقول محمّدي، حيث فتحت تلك المرافق أبوابها طيلة الشهر وخصصت فعلا للطلبة للمراجعة طيلة ليالي رمضان وحتى في الفترة النهارية ليذاكروا دروسهم في مختلف المواد.
ويضيف المتحدث أنّ الوزارة توفر الفضاء فقط والأساتذة المتطوعون يحضرون بالتنسيق مع مدير الفرع ويتم الأمر حسبه بكل أريحية حيث يعد المسجد فضاء هادئا بعيدا عن الضوضاء التي قد تحدث هنا وهناك.
من جهته، جلول حجيمي، الأمين العام للتنسيقية الوطنية لموظفي الشؤون الدينية والأوقاف قال إن فتح المساجد والمدارس القرآنية أمام المقبلين على البكالوريا ساعدهم كثيرا لاسيما لمن يعانون ظروفا اجتماعية صعبة وضيقا في المساكن.
وقال حجيمي: “نظرا إلى الظروف الاجتماعية الصعبة كالضيق وعدم توفر الهدوء في البيت لجأ الطلبة إلى بيت الله للمراجعة خاصة إذا كان هؤلاء على سلوك جيد”.
وأضاف المتحدث أنّ الطلبة في الغالب أنهوا مراجعاتهم وهم الآن بصدد المراجعة الأخيرة يسابقون الزمن للوقوف على كل صغيرة، كما أن في المراجعة الجماعية واستذكار الدروس مع بعض فائدة عظيمة تعينهم على الإجابة الصحيحة في ظل الجو الهادئ والمريح”.
وبدوره، أفاد كمال تواتي إمام مسجد الإرشاد بالمدنية بالعاصمة أنهم يسعون من خلال هذه التجربة إلى القضاء على الصورة النمطية عن المسجد المعهودة لدى كثير من الناس المتمثلة في إقامة الصلاة والعودة إلى البيت.. ولذا، يقول تواتي، ينبغي أن تعود المساجد إلى ما كانت عليه سابقا من خلال تنظيم دورات تثقيفية وتعليمية ودروس تدعيمية للطلبة والطالبات في مختلف المستويات مع اختيار كفاءات في مختلف المواد من خلال توجيه نداءات عبر منابر خطب الجمعة واختيار الأنسب لتدريسهم، حيث نسجل هبّة تضامنية من الجميع راجين الأجر والثواب ونغتنم الفرصة لكسب شبابنا حتى لا يضيعوا.
وقال تواتي: “نوفر الأقلام والسبورات والكراريس والهدوء قبل رمضان وخلاله وبعده”.

مقالات ذات صلة