الجزائر
وفق رؤية أساتذة لخيار العودة إلى "النظام الكلاسيكي"

لا إصلاح دون مراجعة الثانويّة مع الجامعة في آن واحد

إلهام بوثلجي
  • 2949
  • 0

أجمع أساتذة جامعيون، تحدثت إليهم “الشروق”، على ضرورة الذهاب إلى إصلاح تدريجي في قطاع التعليم العالي والبحث العلمي، عن طريق دراسة شاملة ومعمّقة، مع العودة ضمنيا إلى النظام الكلاسيكي في عدد سنوات الليسانس والإبقاء على مكتسبات النظام الحالي، وكل هذا في ظل مراجعة شاملة تنطلق أساسا من إصلاح الثانوية، البكالوريا وصولا للجامعة.

رسمت مخرجات مجلس الوزراء -بخصوص قطاع التعليم العالي والبحث العلمي- معالم الإصلاحات المنتظرة لنظام “آل. آم. دي”، إذ أن العودة إلى النظام الكلاسيكي في الليسانس لن تكون إلا بإعداد دراسة شاملة ومتكاملة يقدّم فيها ممثلو الأسرة الجامعية خيارات ومقترحات لجدوى تعويض نظام “آل. آم. دي” في الليسانس بالنظام الكلاسيكي، مع مراعاة خصوصية المجتمع الجزائري والتطور الحاصل اجتماعيا واقتصاديا.

رفع سنوات التكوين في الليسانس والإبقاء على مزايا نظام “آل. آم. دي”

ويأتي ذلك بالتزامن مع ورشات الإصلاح المفتوحة منذ أشهر ضمن ما أطلق عليه بـ”عصرنة الجامعة”، حيث جرت، ضمن هذا المسعى، جلسات محلية قبل نهاية الموسم الجامعي الفارط وناقش فيها ممثلو الطلبة والأساتذة والموظفون مقترح تمديد سنوات التكوين في الليسانس إلى أربعة بدلا من ثلاثة، وهذا بعدما أمر رئيس الجمهورية، في مجلس الوزراء لشهر ماي الفارط، بتوسيع النقاش بشأن إصلاح نظام التعليم العالي، فيما سبق ذلك إعلان وزير القطاع، البروفيسور كمال بداري في الندوة الوطنية للجامعات المنعقدة شهر جانفي 2023، عن مقترح لتمديد سنوات التكوين في الليسانس مثلما كانت عليه في النظام الكلاسيكي، وكلها مقترحات توحي بالعودة إلى النظام الكلاسيكي في عدد سنوات الليسانس فقط مع الإبقاء على “آل. آم. دي” في جوهر فلسفته التعليمية، مع إصلاح ما يمكن إصلاحه من عروض وميادين التكوين لضبطها بما يتماشى والدور الجديد المنوط للجامعة، إذ ينتظر أن تقدّم حوصلة هذا الإصلاح ومقترحاته في ندوة وطنية شاملة تعقد قريبا.

تفرقنيت: “النقاش مفتوح منذ السنة الماضية”

وفي السياق، أكد ممثل وزارة التعليم العالي، الدكتور تفرقنيت عبد الكريم، أن مخرجات مجلس الوزراء جاءت لتوصي وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بإعداد دراسة شاملة ومتكاملة، أي أن النقاش يجري وفقا لدراسة علمية -يقول- يتم من خلالها تبيان الجدوى والفعالية لمدى إمكانية وجدية العودة للنظام الكلاسيكي في الوقت الراهن، مشيرا إلى أن النقاش حول هذا الموضوع مفتوح منذ بداية الموسم الجامعي الماضي، حيث فُتحت ورشات على مستوى القاعدة لأخذ وجهات النظر، على أن يتم، خلال الأيام المقبلة، توسيع النقاش  أكثر ليشمل الندوات الجهوي ثم الندوة الوطنية من أجل تقييم ودراسة قضية بقاء نظام “آل. آم. دي” ليسانس ثلاث سنوات أو يتم تعويضه بالنظام الكلاسيكي فيما يخص أربع سنوات ليسانس، إذ أن النقاش مطروح حول عدد السنوات، وأيضا فيما يخص المقاييس والأمور البيداغوجية في هذا المجال.

وأكد ممثل الوزارة، بأن القرارات التي ستتخذ في هذا الشأن ستكون بعد استشارة كل فعليات الأسرة الجامعية بمن فيهم الأساتذة والطلبة والتنظيمات الطلابية والشركاء الاجتماعيون والعمال، وغيرهم من الفاعلين في المنظومة الجامعية، وهذا بغية معرفة مدى جدوى العودة إلى النظام الكلاسيكي التي كان حولها نقاش وسيتعمّق خلال الأيام المقبلة.

بوسالم : “لا إصلاح دون مراجعة النظام التربوي”

من جهته، يرى عبد العزيز بوسالم، أستاذ التعليم العالي المتخصص في علم النفس التربوي بجامعة البليدة 2، بأن الإصلاح الحقيقي للتعليم العالي لن يؤتي ثماره دون إصلاح النظام التربوي مع الجامعي في آن واحد، ليقول: “إن الدعوة التي أطلقها رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، بالعودة إلى النظام الكلاسيكي تدريجيا والتخلي عن نظام “آل. آم. دي” بالنسبة لنا ليست مجرد تراجع عن نظام والعودة إلى سابق، ولكنها تدخل في إطار تصور شامل لمكانة ودور ووظيفة التعليم العالي في خضم ما تعرفه الجزائر من إصلاحات”.

وتابع المختص في البيداغوجيا: “لابد من وضع  إطار  نظري نرى أنه ضروري ومرجعي لإصلاح مختلف مكونات المنظومة الوطنية، التربية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، أي ضرورة تحقيق الاتساق بين إصلاح نظام التعليم الثانوي وخاصة البكالوريا والجامعة”، مشيرا إلى أن تحسين جودة التكوينات وجودة الجامعة مرهون بمستوى تكوين الحاصلين على البكالوريا، مضيفا أنه “للأسف، طيلة سنوات في الجزائر، كان الإصلاح بشكل مجزأ، فنتج عن ذلك قطيعة بين التعليم الثانوي والجامعة”، مشدّدا على أن الإصلاح في الجامعة لن يتحقق دون إصلاح الثانوية وهذا في إطار عملية بيداغوجية منسجمة، و”يجب أن يكون هناك تصور شامل وأن لا نتسرع”.

واقترح أستاذ التعليم العالي تجميع القطاعات الوزارية من تربية وتعليم عال وتكوين مهني للعمل بانسجام، إذ يرى أنه لا يمكن الوصول إلى نتيجة عند القيام بإصلاحات في كل قطاع على حدة، مشيرا إلى أن الواقع في السنوات الأخيرة كشف عن مستوى ضعيف للطلبة الناجحين في البكالوريا المنتقلين للجامعة سواء من حيث اللغة أو الفهم أو الجانب المعرفي، ولفت إلى أن العودة إلى النظام الكلاسيكي لا يعني أنه أحسن من النظام الحالي ولكن يمكن العودة إليه ضمنيا في فلسفته، وفيما يخص إجراءاته وتطبيقه، فيحتاج إلى مجهودات كبيرة تتطلب تحديث مجموعة السلبيات للتعليم العالي، الناتجة عن الزيادة في عدد الطلبة التي أثّرت على جودة التأطير ومختلف الجوانب البيداغوجية.

ويرى بوسالم، بأن أي إصلاح ينبغي أن يأخذ بعين الاعتبار الدور الجديد للجامعة اليوم في ظل النموذج التنموي والسوسيواقتصادي، إذ ينتظر منها أن تساهم في تكوين رأس المال البشري، ليقول: “للأسف، الجامعة الجزائرية، طيلة سنوات من تطبيق “آل. آم. دي”، لم تستطع أن تلبي الحاجات المؤسساتية من الإطارات، وللأسف، حتى الطلبة أنفسهم لا يثقون في الجامعة وفقدوا الأمل في أن يمنحهم التكوين العالي فرصة الحصول على وظيفة”، مشدّدا على ضرورة أن تعمل الجامعة على إصلاح جودة التكوين والشهادة لمنح الأمل من جديد للشباب وتحسين صورة الجامعة عند الطالب، ومن هنا، فالعودة إلى النظام الكلاسيكي -يقول- تكون بالاستفادة من الإيجابيات ودعمها مع ضرورة خلق نوع من الانسجام بين التعليمين الثانوي والجامعي، لأنه إذا كانت مخرجات التعليم الثانوي ليست في المستوى، فإن المدخلات في الجامعة لن تكون مثلما هو متوقع منها.

بوثلجة: “يجب اعتماد نظام مرن انتقالي بين الكلاسيكي و”آل. آم. دي”

وبدوره، قال بوثلجة عبد الرحمان، أستاذ مهتم بقطاع التعليم العالي: “لا شك أن تطبيق نظام “آل. آم. دي” في الجزائر، والذي بدأ منذ حولي 20 سنة، لم ينجح كما كان مأمولا منه”، مشيرا إلى أن الهدف من تطبيقه هو إعطاء المبادرة لفرق التكوين لفتح تخصصات تتلاءم وحاجيات سوق الشغل من جهة، ومن جهة أخرى، اعتماد طريقة جديدة في التعليم، تجعل التحصيل العلمي يعتمد على مجهودات الطالب في المطالعة والبحث، ودور الأستاذ هو التوجيه والإشراف، إلا أن فشل تطبيق هذا النظام بدأ يظهر جليا -يضيف- من خلال الآلاف من حملة الشهادات الذين يتخرجون إلى البطالة، ووصل الأمر إلى حملة شهادة الدكتوراه، أما فيما يخص طريقة التعليم، فلم يتغير شيء -حسبه- وبقي اعتماد الطالب على الأستاذ في التحصيل العلمي 100%، ليتساءل: “إذا كان الجميع متفق على فشل تطبيق هذا النظام، فهل هذا يعني أنه يجب العودة إلى النظام الكلاسيكي؟”.

ويرى بوثلجة بأنه لا يمكن الجزم بمدى إمكانية العودة الكلية إلى النظام الكلاسيكي، مشيرا إلى أن السلطات العليا مدركة للوضع الحالي للجامعة، وعروض التكوين المقترحة، سواء من حيث التشغيلية أو من حيث المستوى، ما جعل رئيس الجمهورية، في مجلس الوزراء الأخير، يأمر بإعداد دراسة شاملة عن جدوى العودة إلى التكوين في الليسانس باعتماد النظام الكلاسيكي، ليصرح: “أعتقد أن هذه الدراسة لن تكون سهلة، فالمطلوب ليس العودة إلى النظام الكلاسيكي بصفة كلية، وإلا لماذا ضيّعنا سنوات في تطبيق نظام “آل. آم. دي”، ولكن قد يكون الحل في اعتماد نظام مرن انتقالي بين الكلاسيكي و”آل. آم. دي” يتلاءم مع حاجيات التكوين في بلادنا”.

وأكد الأستاذ بوثلجة على ضرورة إعادة النظر في مسألة حرية فتح التخصصات من طرف فرق التكوين دون الأخذ بعين الاعتبار إمكانية التوظيف بعد التخرج، كما يجب أن تخضع العلوم التطبيقية إلى قاعدة التكوين حسب حاجيات القطاع الاقتصادي والتأقلم مع التطور العلمي والتكنولوجي، وانتشار الرقمنة والذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات، حيث يؤدي هذا إلى اختفاء مهن وظهور مهن جديدة.

وأضاف محدثنا، أن ما ينبغي أيضا أخذه بعين الاعتبار هو أن التكوين والبحث التطبيقي يجب أن يخدم مباشرة الاقتصاد الوطني، لذلك، يجب تكييف التخصصات مع إمكانيات وحاجات بلادنا في مختلف القطاعات وفي مختلف المناطق الجغرافية، إذ لا يعقل، مثلا، أن نتكلم عن العلوم التطبيقية وتكون العينات المدروسة من دولة أخرى أو لصالحها، يجب أن تكيّف الأعمال التطبيقية حتى تخدم هذا الهدف، والأكيد أن رفع المستوى وجودة التكوين يجب أن تعطى لها الأولوية، وليس بالضرورة يكون هذا برفع عدد سنوات الليسانس إلى أربعة في كل التخصصات، أو استحداث جذوع مشتركة، بل الأمر يتطلب -حسبه- دراسة كل حالة على حدة حسب التخصص ونوعية الطلبة.

واقترح المتحدث، أن يتم إشراك الأسرة الجامعية بفاعلية في هذا النقاش، والأخذ بالتوصيات التي تأتي من الميدان، كما يجب إشراك الفاعلين والراغبين في القطاع الاقتصادي والاجتماعي فيه، مع التطبيق التدريجي للإصلاحات وتقييم النتائج دوريا وفي فترات قصيرة، حتى لا نضيّع المزيد من الوقت.

مقالات ذات صلة