الرأي

كيف دمَّر الفرنسيون ليبيا؟

ح.م

الملف الليبي لم يكن يوما بيد باريس، ولن يكون لها قدرة التأثير فيه بعيدا عن دور الاتحاد الأوروبي الخاضع بدوره للموقف الأمريكي المؤثر في كل الأطراف الإقليمية والدولية والداخلية.

الرئيس إيمانويل ماكرون لم يجد حملا أثقل من الملف الليبي، في عهده السياسي الحديث، وهو يعيد الكرّة في فتح حوار مع رئيس حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، إذ دعاه على عجل للحضور إلى باريس بعد قرار وقف إطلاق النار في ليبيا في ظل ترحيب عربي ودولي، لإيجاد موطئ قدم في أي حل سياسي محتمل.

لكن ما أفسده الرئيس نيكولاي ساركوزي في مرحلة غباء سياسي خلال سقوط العقيد الراحل معمر القذافي لن يصلحه الرئيس إيمانويل ماكرون الوارث لأسوأ خيبة أمل فرنسية في ليبيا.

أخفق ساركوزي في تحقيق حلم مستحيل في استعادة هيبة فرنسا العسكرية، بشن الضربات الأولى، ونيل سبق الاعتراف بالحكومة الانتقالية، حتى سقط غير مأسوف عليه في المستنقع الليبي، دون أن يرى الشركات الفرنسية وهي توقع عقودا تجارية في إعادة إعمار ليبيا التي تجزأت في حربٍ أهلية.

فضحت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية “آنذاك” خطط ساركوزي الفاشلة، بعد إن تركته يخوض في مستنقع حرب أراد أن يحقق من ورائها مغانم اقتصادية وعسكرية وسياسية، مطمئنا إلى نجاح المخابرات الفرنسية في تشكيل حكومة انتقالية غير متجانسة، لعب في تشكيلها الصهيوني برنارد ليفي دور ممثل قصر الأليزي.

كشفت رسائل هيلاري كلينتون الالكترونية، كيف التفّ برنارد ليفي على ساركوزي وغيّر وجهته نحو واشنطن، بدخوله في شراكة مع رجال أعمال أمريكيين لإنشاء أسواق في ليبيا بعد انهيار نظام العقيد القذافي.

رسائل كلينتون التي كشف عنها من قبل لجنة التحقيق التابعة لمجلس الشيوخ الأمريكي بشأن الهجوم في بنغازي الذي أدى إلى قتل السفير الأمريكي كريس ستيفنز، جاءت تحت عنوان: “كيف دمَّر الفرنسيون ليبيا؟”.

خرجت فرنسا من دائرة لعبة لم تتمكّن من إدارتها، في عهد الرئيس فرانسوا هولاند، وعادت تترقب طرق العودة إليها كلاعبٍ أوروبي يستعيد قدرته في السياسة الدولية، في ظل حكم الرئيس إيمانويل ماكرون الذي نجح في جمع الخصمين فايز السراج رئيس حكومة الوفاق الوطني والجنرال خليفة حفتر في قصر الأليزي منتصف عام 2017 واتفقا على بيان من عشر نقاط استندا فيه على شرعية الحكومة في طرابلس “سياسية” وشرعية الجيش الوطني في بنغازي “عسكرية”، وأكدا أن “حل الأزمة الليبية لا يمكن أن يكون إلّا حلا سياسيا، يمرّ عبر مصالحة وطنية، تجمع بين الليبيين وكافة الجهات الفاعلة: المؤسساتية والأمنية والعسكرية”.

اعتبر المراقبون صدور ذلك البيان انتصارا كبيرا للدبلوماسية الفرنسية، واستعادة لهيبتها في السياسة الدولية، وفوزا لـماكرون على خصومه الذين اتهموه بأنه “مبتدئ في عالم السياسة الخارجية، وغير ضليع بدهاليزها بحكم سنه”.

توالت الأحداث، والمنجَز الدبلوماسي الفرنسي أصبح مجرد بيان ركن في رف ذاكرة سياسية، كاشفا عن حلقات فارغة في مواقف قصر الإليزي تجاه الملف الليبي الذي تشابك في صراع مصالح إقليمية ودولية لا تأذن لأحدٍ بالإنفراد بها.

مقالات ذات صلة