الرأي

كلّنا لصوص!

قادة بن عمار
  • 9590
  • 55

لم تعد التقارير الصادرة بخصوص الفساد في الجزائر تهمّ السلطة أو تحرّك شعرة واحدة من رؤوس المسؤولين الذين وجد بعضُهم الوقت للتعليق على فوز رياض محرز بالبطولة الانجليزية ولم يجدوا وقتا للحديث عن تقارير تتهم البلاد بالسقوط في فخ الرشوة وأوحال الفساد!

التقرير الأخير الذي أصدرته منظمة “شفافية دولية” يُثبت أن عددا كبيرا من الجزائريين باتوا لا يحصلون على خدمات عامّة إلا بدفع رشاوى، حتى ممارسة العبادات لم تعد ممكنة وميسّرة في هذا البلد إلا بفعل الحرام على غرار الحج مثلا!

لكن لماذا تهتم السلطة بمحاربة الفساد أو تقلق لتضاعف أشكاله، طالما أنها شجّعت على نموّه بتوفير الأرض الخصبة وعملت على تمدده من خلال شرعنة وتقنين الكثير من السلوكيات الإدارية والبيروقراطية الفاسدة؟ وكيف لسلطة بات همّها الأول مغازلة أصحاب الشكارة للحصول على مزيد من الأموال وفقا لسياسة “عفا الله عما سلف” أن تهتمّ بمحاربة الرشوة والمرتشين؟!

ألم يقل عددٌ من المسؤولين، وفي مقدّمتهم وزير المالية وأيضا وزيرَا الداخلية والصناعة، إن الحل الوحيد للخروج من الأزمة هو العفو الضريبي الشامل وإسقاط السؤال الشهير “من أين هذا؟” في التعامل مع أصحاب الأموال وبارونات الشكارة؟

حين يقول وزير الداخلية إن المعيار الأساسي لتقييم المسؤولين الآن يتمثل في جمع رؤوس الأموال من رجال الأعمال وأصحاب الشكارة، ندرك أن هذه الحكومة لم تعد تهتمّ بمحاربة الفساد، ولكن بالتعايش معه!

وحين يصبح وزير المالية في الحكومة مفتياً، ويصمت وزير الشؤون الدينية عن تقديم حكم الدين في مسألة الرِّبا المتزايد والأموال التي يتمّ تبييضها على حساب مصادر الدخل النظيف، حينها ندرك أن “لخلاط” وصل قمته ولم تعد هنالك حكومة أصلا، بل جماعة مصرفية تشرف على بنك كبير يخشى ضعف مداخيله وقلة زبائنه!

وضعٌ بائس كهذا طبيعيٌ جدا أن يتحوّل معه رجال الأعمال إلى نجوم مجتمع وأصحاب عناوين عريضة في الصحف، بدلا من السياسيين والنخب المثقفة والأحزاب سواء كانوا في الموالاة أو المعارضة، بل حتى النقابات التي من المفترض أن تكون ممثلة للطبقة الوسطى باتت حليفا لرؤوس الأموال وصديقة مخلصة لرجال البيزنس!

لا يتعلق الوضع بتقرير أصدرته منظمة دولية، ولا باتهامات مصدرها الخارج “المتآمر علينا” مثلما جرت العادة على تسويق الأمر، لكن الخطورة تكمن في تعطّل آلة النقد داخليا، واستقالة النخب والمجتمع المدني مع انقلاب السلطة على وظيفتها، وتحوّلها من جهة تحمي المال العام وتعمل على زيادته، إلى وكيل لإدارة المال الخاصّ ورعاية استثمارات أصحابه!

مقالات ذات صلة