الرأي

قوانين فاشية في مصر

حسين لقرع
  • 4154
  • 7

يبدو أن صمود المتظاهرين بمصر بعد مرور 4 أشهر كاملة على انقلاب 3 جويلية ضد الشرعية، وفشل كل الإجراءات القمعية في إجبارهم على الرضوخ للأمر الواقع، قد أفقد الانقلابيين صوابهم وجعلهم يصعّدون قمعهم للمتظاهرين ويصدرون قوانينَ جديدة انتقامية خانقة للحريات، ما ألّب عليهم حلفاءهم قبل خصومهم.

وحينما يقوم القضاءُ بإصدار أحكام بالسجن لمدة 11 سنة بحق 14 فتاة صغيرة، تتراوح أعمارهن بين11 و14 سنة بتهمة “التظاهر”، فهذا يعني أن الانقلابيين قد فقدوا عقولهم تماماً وأمعنوا في تحويل القضاء إلى أداة ثأر وانتقام من كل معارضيهم، بداية من الرئيس الشرعي الذي لفقوا له تهمة “التخابر مع حماس؟”، مروراً بآلاف القادة والمناضلين الإخوان الذين تفنن الانقلابيون في فبركة التهم الواهية لهم، ووصولاً إلى قضية فتيات الاسكندرية، وفي نفس الوقت يبرىء هذا القضاء كل ضباط الأمن من تهم التعذيب وأعمال القتل، ليُثبت انحيازه السافر إلى النظام الانقلابي وتخليه عن حياديته واستقلاليته بشكل كامل.

والأدهى أن يبرّأ الأمن من تهمة قتل طالب جامعي أثناء قمع مظاهرة داخل الحرم الجامعي، وأن يُتهم زملاؤه الطلبة المتظاهرون بأنهم هم من أطلق عليه ما يعرف بـ”الخرطوش” أي رصاص صيد الطيور، ولا ندري كيف وصل هذا النوعُ من الرصاص الذي يحتكره الأمن إلى أيدي الطلبة؟ وكيف يقومون بتوجيهه إلى زميلهم الذي تظاهر إلى جانبهم؟

هذه الرواية المفبركة لا يفوقها فبْركة وسُخفاً إلا رواية ضرب لاعبي المنتخب الجزائري لكرة القدم قبل يومين من مباراة 14 نوفمبر 2009 الشهيرة، حيث ادعى المصريون آنذاك أن”اللاعبين الجزائريين تبادلوا الضرب بمطارق الحافلة لإلصاق التهمة بالمصريين”، وكأنهم مجانين، ومثلما استطاعت الآلة الإعلامية المصرية الجبارة أن تقنع ملايين المصريين آنذاك بتلك الرواية السخيفة بطريقة “أكذب وأكذب حتى يصدّقك الناس” فإن نفس الطريقة النازية في الدعاية الكاذبة تُمارسها هذه الآلة الجبارة الآن لتضليل المصريين وإظهار الإخوان المصريين برجالهم ونسائهم وأطفالهم، بمظهر المهدِّد للأمن القومي المصري، ما يتطلب إنزال عقوبات ثقيلة عليهم كلهم دون رحمة، ودون استثناء حتى البنات في سن الـ11.

ومنذ أيام قليلة فقط أصدر الانقلابيون قانوناً لقمع المظاهرات والسماح للأمن بالتنكيل بها واستعمال القوة المفرَطة لتبديدها، والمثير للسخرية أن واضعي هذا”القانون” القمعي الفاشي أسموه “قانون تنظيم الحق في التظاهر؟”، ما يدلّ على خبثهم الشديد وسوء نيّتهم، فإذا كان التظاهرُ حقا كما يعترف به واضعو القانون، فلماذا يضيّقون عليه الخناق ويمنحون صلاحياتٍ واسعة للأمن لاستعمال القوة المميتة ضد المتظاهرين السلميين؟

والأدهى منه هو مصادقة مجموعة الخمسين إنقلابياً على مسودّة الدستور الجديد التي تحصِّن الانقلابيين وتمنح الجيشَ صلاحية تعيين وزير الدفاع وتجريد رئيس الجمهورية منها، فضلاً عن إمكانية محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية، كما كان يحدث في البلدان الفاشية، ما يفتح المجال واسعاً للمزيد من الانتهاكات في مجال حقوق الإنسان وتصاعد التنكيل بحق المعارضين قصد كبت أنفاسهم.

وحينما تتعرّض هذه القوانين لانتقادات واسعة من القوى التي كانت تدعّم الانقلاب وينزل بعضُها للتظاهر ضدها، فمعنى هذا أن ملايين المصريين المخدوعين بحقيقة الانقلاب والذين طالما عملوا على تسويقه داخليا وخارجيا على أنه “ثورة شعبية دعّمها العسكر؟”، قد بدأوا يتفطنون إلى الحقيقة المرّة، وهي أن الانقلاب انقلاب، ولا مجال للاستمرار في الهروب إلى الأمام وتزويقه وتسميته بغير اسمه، ولم يعد أمام الجميع سوى أن ينضم إلى القوى المناوئة للانقلاب لإنقاذ ثورة 25 يناير، وإلا تكرَّس حكمُ العسكر عقوداً طويلة أخرى من الزمن، سواء ترشح السيسي لرئاسة الجمهورية أم أوصل “طرطوراً” آخر إليها.

مقالات ذات صلة