-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
كرّمه أبناؤه وأحفاده وطلبته ورفاقه في عيد ميلاده التسعين

قسّوم.. عندما تجتمع الفلسفة والإصلاح والقلم في رجل واحد

وهيبة.س/ نادية.س
  • 997
  • 0
قسّوم.. عندما تجتمع الفلسفة والإصلاح والقلم في رجل واحد
ح.م
عبد الرزاق قسوم

“وفاء الأبناء للآباء”، فضيلة ومبدأ يتمثل في الاحترام والتقدير، والاعتراف بالجميل، لكن إذا تعلق الأمر بالآباء العلماء، فإجلالهم وتقديرهم لا يتوقف عند الأبناء الأصليين، بل يمتد لأجيال وأجيال… عبد الرزاق قسوم أحد العلماء الجزائريين، الذي وُصف بـ”الجوهرة المضيئة لعدة زوايا”، جمع بين مؤهلات الفيلسوف المفكر والمصلح، وناصر القضايا العادلة، وحامل هموم الأمة وأوجاع الشعب، كرمه أبناؤه بتنظيم يوم خاص حول فكره وإسهاماته، وهي سابقة في الجزائر يقوم بها أبناءٌ لتقدير ما قدمه الوالد.
وأكد علماء وباحثون ومفكرون من الجزائر ومن دول عربية وإسلامية حضروا، السبت بالعاصمة، يوما دراسيّا تكريميّا، أن شخصية قسوم شاملة، حيث تتحدث بمنهج مناسب للمخاطبين على جميع مستوياتهم، وبلغة قوية ومتينة، ومن خصائصها السجع، ويتابع كل القضايا داخل الوطن وخارجه، بينما كتاباته في القضية الفلسطينية متصلة دون انقطاع.
وأثنى المشاركون في اللقاء الخاص على شخصية الدكتور عبد الرزاق قسوم، ومساهمته في الخطاب الإسلامي المعاصر، وموقفه كفيلسوف، وجعله لجمعية العلماء المسلمين في خدمة الأمة الإسلامية، وكيف أعطى مكانة للغة العربية، حيث تركزت مداخلات هؤلاء على المحطات التاريخية والإنجازات والمواقف والكتابات.
وأجمع هؤلاء على أن مسيرة هذه الشخصية كانت متميزة بحصولها على عدة شهادات علمية، فمن الترجمات العديدة للكتب، إلى المشاركة في الملتقيات والندوات، إلى الآثار الثقافية والفكرية، ومرورا بالكتابة النضالية لنصرة القضية الفلسطينية.
كما تم تسليط الضوء على جوانب من حياة الدكتور عبد الرزاق قسوم، أهمها المساهمة في ثورة التحرير الوطني، من خلال تقديمه لخطة جديدة لإعادة تنظيم الجزائر العاصمة، سلمها للأخ الزبير الثعالبي بعد اعتقال المجاهد ياسف سعدي، ومساهمته في مظاهرات ديسمبر 1960، بإعداد اللافتات والشعارات التي حملها المتظاهرون في منطقته، والمشاركة في تأسيس إذاعة محلية أواخر 1961 بحي “لاكونكورد” ببئر مراد رايس.

الشيخ القاسمي عميد جامع الجزائر:
تكريم الأبناء لآبائهم العُلماء سُنة حميدة نتمنى تعميمها


عدّد الشيخ محمد مأمون القاسمي الحسيني، عميد جامع الجزائر، محاسن تكريم الأبناء الأوفياء لآبائهم، مشيرا في تصريح لـ”الشروق”، بأنه ثمّن هذه المبادرة بمجرد تلقيه الدعوة، قائلا “رأيت فيها وقفة وفاء وعرفان، وأتمنى أن يحذو آخرون حذو هؤلاء الأبناء البررة الأوفياء، وتكون سنة حميدة في مجتمعنا”.
ويرى القاسمي أن الأمة الواعية هي التي تكبر علماءها وتحفظ لهم حقوقهم وتقيم لهم مثل هذه التكريمات في حياتهم، لا بعد انتقالهم لدار الحق، مضيفا بالقول “نحن بحاجة إلى تبليغ هذه الرسالة، ونبارك جهود وعُمر عبد الرزاق قسوم الذي عرفته منذ ما يزيد عن خمسة عقود، اشتركنا في كثير من المناسبات والملتقيات، ووجدنا منه التعاون وخاصة في المنبر القاسمي، الذي أسهم في كثير من طبعاته، وكنا دائما نستزيد من هذا التعاون ونحرص على استمراره بما يخدم رسالتنا المشتركة”.

عبد المجيد النجار: قسوم يملك خطابا شاملا ولغة يفهمها الجميع


وقال المفكر التونسي عبد المجيد النجار، وعضو المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، إن صلته بالدكتور عبد الرزاق قسوم، وبجمعيته قديمة، تمتد إلى أكثر من 30 سنة، عرف خلالها أن قسوم يملك خطابا شاملا، لأنه، بحسبه، تحدث عن الفلسفة وعن كل شيء حتى كرة القدم، على حد تعبيره.
وأكد النجار أن احتكاكه بالرجل كشف له أن هذا الأخير يتتبع نبض الشعب وكل أوجاعه ومشاكله، ويتكلم فيها ويعالجها، مؤكدا في مداخلته المعنونة بـ”مساهمة عبد الرزاق قسوم في الخطاب الإسلامي المعاصر”، أن خطاب هذه الشخصية الجزائرية، كان بمنهج مناسب للمخاطبين على مختلف مستوياتهم، فإلى جانب كون أن لغته قوية ومتينة ومن خصائصها السجع، فقد قدم خدمات فكرية متنوعة.
وقال النجار “كان همه الفلسفة في الجزائر، حيث عالج القضايا التي تحدث في داخل الجزائر وخارجها، لا يوجد حدث كبير إلا عالجه الدكتور عبد الرزاق قسوم وكتب عنه”.

حسن ملكاوي: عبد الرزاق قسوم فيلسوف يقدر التراث الإسلامي
أشاد الدكتور حسن فتحي ملكاوي، مدير إقليمي للمعهد العالمي الإسلامي بالأردن، في مداخلته ” تأملات في الفكر الجزائري الإسلامي”، بمساهمة الدكتور قسوم الفلسفية، قائلا “لقد عرفناه منذ فترة كأستاذ للفلسفة، عندما كنا نبحث عن متخصصين في الفلسفة ممن يقدرون التراث الإسلامي، للآسف كثير من الفلاسفة العرب تعاملوا مع التراث الإسلامي بطريقة تقنية وتفكيكية، بل أحالوا إلى هذا التراث سبب تخلف المجتمعات الإسلامية”.
بالمقابل، أكد المتحدث أن قسوم شخصية تستوعب قيمة التراث في الماضي والحاضر، وإمكانية التطوير والتجديد الذي يمكن أن تتم داخله حتى يؤدي الدور الإسلامي في الواقع المعاصر في سبيل النهوض ببعض الأفكار.
وأوضح ملكاوي أن الجزائر أرض العلماء، فمن ابن خلدون الذي عاش فترة فيها، وعرفه بني سلامة من خلال كتابة المقدمة، إلى عبد القادر الجزائري، ومالك بن نبي، وربيع ميمون، إلى أبي القاسم سعد الله، مرورا بالشيخ ابن باديس والشيخ الإبراهيمي، وصولا إلى قسوم المفكر الإسلامي المعاصر.
ويرى فتحي ملكاوي أن قسوم مجدد في قضايا التصوف والزمن في الفكر الإسلامي، وأيضا الصحافة، فقد كان حسبه، صحفيا بمعنى الكلمة، ومصلحا تربويا يكتب عن قطاع التربية، مضيفا أن “ما تتميز به حركاته وجولاته العلمية في البلدان المختلفة هو أنه أصبح للجزائر صوت في الأوساط العلمية من خلال وجود الدكتور قسوم”.
وأكد أن للدكتور موقفا ثابتا من القضية الفلسطينية، فكتاباته عنها متصلة لم تتوقف.

المؤرخ علي الصلابي: قسوم مصلح ترك بصمته في الأمة الإسلامية


من جانبه، أشاد المؤرخ الليبي علي الصلابي بما حققته جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، ورئيسها الحالي عبد الرزاق قسوم في خدمة الأمة الإسلامية، وقال إن مسيرة الإصلاح من خلال فتح الكتاتيب والمدارس القرآنية وتعليم القرآن الكريم، والدفاع عن اللغة العربية، كانت غاية الجمعية التي استمرت في محاربة الآفات الاجتماعية، والطرق المبتدعة في الإسلام التي كان هدفها التفرقة بين الجزائريين والمسلمين.
وأكد الصلابي أن الجمعية جاهدت لإصلاح التعليم وتوسيع دائرته بإحداث مساحات حرة للتعليم، وتنظيم دروس الوعظ والإرشاد الديني، وتنظيم محاضرات في التهذيب وشؤون الحياة العامة، ولم يتوان لحظة، حسبه، في محاربة البدع التي ظهرت في عدة أماكن كما تصدى لظاهرة الإلحاد.

الهادي الحسني: صديق طفولتي الذي لم تتغيّر أخلاقه


قال عضو الهيئة الاستشارية العليا لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، الدكتور محمد الهادي الحسني، إن معرفته بالشيخ عبد الرزاق قسوم بدأت منذ 50 سنة، فهو، بحسبه، صديق طفولته الذي يشهد أنه “لم يتغيّر وبقي على قيمه وعلمه الراسخ”.
وأشار الحسني إلى أن أكثر ما يعجبه في قسوم “أخلاقه العالية، والتي عرفته بها في الجزائر وخارجها، وهو يستحق الثناء والتكريم والبساط الأحمر، كغيره من العلماء المشارقة الذين تُقام لهم الموائد”.
وروى الحسني حادثة شهد عليها قسوم أثناء تواجدهما في القاهرة، فقال “كُنا عند الإمام محمد الغزالي رحمه الله، فأخبرته بأن الجزائريّين طيبون رغم ما كان منهم تجاهه، فردّ الغزالي بأن في الجزائريين أخلاق الفاتحين ولكن ينقصهم العلم الشرعي.. أجبته بأن هذا الأمر ليس قصورا طبيعيا فينا، وإنما نحن شعب عاش فترة صعبة بسبب بلاء الاحتلال، افتككنا فيها العلم من أنياب المستعمر ومع ذلك لدينا علماء متفقهون في الدين، والدليل أنه منذ بني جامع الأزهر لم يتولّ مشيخته غير المصريّين إلاّ جزائري واحد، أهّله علمه لذلك، ولدينا علماء يعلمون الإسلام في أرض الحرمين الشّريفين”.

أمين مُجمّع اللغة العربية في مصر: قسوم أهل لكل تكريم
تحدث أمين مُجمّع اللغة العربية في مصر، الدكتور محمود ربيعي، عن بعض المواقف التي جمعته مع عبد الرزاق قسوم، مثل لقائهما أول مرة بجامعة الجزائر، وتعرّفه على الشاعر الأخضر السائحي بمبادرة من قسوم، وتطور صداقته مع الأخير لدرجة تبادل العائلتين الزيارات بين مصر والجزائر، وتكررت لقاءاتهما أثناء تحضير قسوم شهادة الماجستير في القاهرة.
وقال ربيعي “لقد سافر خصيصا ومن أجلي إلى مرسيليا ليشرف على شحن سيارتي إلى مصر”، وهو ما جعله يصف قسوم، بـ”حسن الصحبة، حليم الصدر، طيب المعشر، واسع الأفق… صاحب المسيرة العلمية المشرفة، والتي تابعها إلى أن تم تنصيبه رئيسا لجمعية العلماء المسلمين، ففرحت له”. ومن أجمل ما تذكره قائلا: “قسوم كان كريما يستكثر ما تقدمه له وإن كان قليلا، ويستقلّ ما يقدمه لك وإن كان كثيرا… ولذلك هو أهل لكل تكريم.”

ممثل وزارة الشؤون الدينية: قسّوم أديب ومُربّ حكيم وفيلسوف
اعتبر مدير الثقافة الإسلامية بوزارة الشؤون الدينية والأوقاف، عمار بافلولو، أن الوفاء للعلماء الربانيين هو خُلق من أخلاق النبي محمد صلى الله عليه وسلم، مؤكدا أن الجزائر عرفت حركة علمية كبيرة وعبر قرون، سجلت أسماء علماء عبر كتبهم القيمة، والذين أفنوا أعمارهم في خدمة العلم، “وهذا عطاء وافر لا ينكره إلا جاحد”.
ونعت ممثل الوزارة عبد الرزاق قسوم، بـ”العالم الأديب والمربي الحكيم، والفيلسوف الخلوق”، داعيا الله أن يحفظه ويباركه هو وسائر علمائنا جميعا.

ممثل المدرسة السنية: لقّننا قواعد العربية والوطنية إبان الاحتلال
قدّم ممثل المدرسة السنية ببئر مراد رايس بالعاصمة، سيد علي زمّوري، شهادته عن فترة ما قبل الاستقلال، والتي كان فيها عبد الرزاق قسوم مدرسا لهم، مؤكدا أنه من تلاميذ قسوم الذين رسخت تلك الفترة في أذهانهم.
وقال زموري إن قسوم عُين في بداية الخمسينات مدرسا في المدرسة السنية ببئر مراد رايس وهو لا يتجاوز 22 سنة، حيث كانت المدرسة عبارة عن قاعة صغيرة، مضيفا “كنا نستعمل رصيف الطريق المجاور كفناء، ولذلك كان الشيخ يراقبنا مخافة تعرضنا لحوادث مرور”.
وأوضح المتحدث أن مهمته كانت صعبة، لأنه لقن أطفالا لا يعرفون سوى الفرنسية والعامية قواعد اللغة العربية، ولطالما اعتقلته القوات الفرنسية عند مداهمتها القاعة.
وأكد زموري أن قسّوم كان يُساعد العائلات التي يُعتقل آباؤها ويلغي دفع اشتراك أطفالها، ممّن زُّج بأوليائهم في المعتقلات، مضيفا “لا أذكر ولو مرّة أنه شتم أو ضرب طفلا، زيادة على مهام التعليم، كان يلقننا دروسا في الوطنية تحت غطاء ديني، ومع كل هذه الصّعوبات قدم مُترشّحين للتعليم الابتدائي”.

إسماعيل روخي: ترك أنساقا كتابية حول القضية الفلسطينية
وقال إسماعيل زروخي، من جامعة قسنطينة، إن رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، كان يرى تحرير كل المقدسات الإسلامية في فلسطين واجبا على المسلمين قاطبة فقد كان يوجه كلامه للفلسطيني وغير الفلسطيني.
وأوضح روخي أن من خلال رصده لجميع كتابات قسوم حول القضية الفلسطينية، تبين أن جميع كتاباته في الحقيقة لا تخرج عن القيم الجزائرية الدينية والوطنية، مضيفا “استطاع أن يترك أنساقا كتابية حول القضية الفلسطينية… تحدث عن البؤس والإبادة والمساندة المختلفة في مناطق عديدة داخل وخارج الجزائر”.

رئيس مكتب جمعية العلماء بتلمسان: فكر الشيخ فكر واسع وأخلاق سامية
وفي ذات السياق، قال رئيس المكتب الولائي لجمعية العلماء المسلمين بتلمسان، الدكتور عبد الله غالم، إن قسوم جوهرة تضيء بعدة زوايا، فهناك من يراه فيلسوفا ومن يراه مفكرا ومن يراه مصلحا في قافلة المصلين، مضيفا “نحن نرى فيه أبا وإن كان لأبنائه السبق، فهم من رحم الأسرة ونحن من رحم الجمعية”.
ويرى غالم أن رئيسه ترك بصماته في توجيه سفينة الجمعية بفكره الواسع وبرحابة صدره وبأخلاقه السامية، حيث استطاع أن يوطد العلاقة بين أفراد الجمعية، وأن يربط نسيجها ويقوي شوكتها ويبرز طاقاتها.

ابنة الشيخ قسوم: والدي المربي الذي يقدس العلم
ومن جهتها، استفاضت وداد قسوم في ذكر مآثر والدها بلغة غالبها فيها الشجن والدموع أحيانا، حيث تكلمت نيابة عن إخوتها الثلاثة، واصفة والدها بـ”المربي والمعلم، الذي يقدس العلم مهما كان عمر طالبه.. يحثنا على نيل أعلى الشهادات في العلوم الحديثة لأنها أساس بناء الوطن”، مشيرة إلى أن والدها كان يشد الرحال إلى أي مؤتمر عبر العالم.
وأكدت المتحدثة أن الوالد واظب وهم صغار على شراء جريدتي الشعب والمجاهد، ويطلب منهم مناقشة مواضيعهما خاصة السياسية، كما غرس الروح الوطنية في أحفاده، إلى درجة، حسبها، منعنا من ارتداء أي قطعة ملابس تحمل ألوان علم فرنسا.

تكريم الأولاد والأحفاد يثلج صدر الدكتور عبد الرزاق قسوم
بتأثر وفرحة لا تسع الصدر لاحتوائها، عبر رئيس جمعية العلماء المسلمين، عن غبطته بمبادرة عائلته في تكريمه في عيد ميلاده الـ90، معتبرا من خلال تصريحه لـ”الشروق”، أن ما “فعله أبناؤه وأحفاده هدية ومبادرة تثلج الصدر، وهي سابقة في مجال التكريمات بالجزائر، إذ لم يسبقهم إليها أحد”.
وقال قسوم إنه يتمنى أن تتكرر مثل هذه التكريمات لشخصيات وعلماء آخرين، مضيفا “تكريم شخص عن إنجازاته هو بمثابة إعطائه جرعة أمل وقوة للاستمرار أكثر في مسيرته وعطائه في حياته القادمة”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!