الرأي

قسنطينة ودروس العاصمة؟

محي الدين عميمور
  • 2487
  • 0

ترددت في الاستجابة عندما طلبت مني “الشروق” المساهمة في هذا الملف، ربما لأن الذي لدغته الأفعى يخاف من الحبل، فعندما طالبتُ وزراء الثقافة العرب عام 2000، وكوزير للثقافة، باختيار الجزائر عاصمة للثقافة العربية، كنت أريدها فرصة لتعريب محيطنا، وخصوصا في العاصمة، لكن واقع الثقافة عندنا اختار طريقا يجسد مفهوما معينا للثقافة.

وعرف الاستعداد لتظاهرة 2007 نوعا من اللامبالاة، ومع اقتراب السنة الحاسمة تم اختيار لامين بشيشي محافظا لها، لكن الأمور لم تسِر كما يجب بينه وبين وزيرة الثقافة آنذاك، لاختلاف فهم كل منهما لمهمة المحافظ، وتم اختيار مجموعة جديدة لتسيير التظاهرة كنت من بين أعضائها، وضمت كمال بو شامة وزهور لونيسي ومحمد العربي الزبيري وأحمد حمدي والطاهر حجار، لكننا كنا مجرد صورة خارجية لا تملك من الأمر الكثير، ولدرجة أن شعار التظاهرة (LOGO  ) تم اختياره بدون استشارتنا بدعوى أن تلك إرادة الرئاسة، تماما مثل حفل الافتتاح، الذي لم يستطع، رغم صخبه، اجتياز الحدود الإعلامية ليفرض وجوده على الساحة العربية، وهو ما كنت كتبته في حينه، ولم تؤخذ مقترحاتنا لإشراك الفضائيات العربية بعين الاعتبار، ربما نتيجة لضغوط من جهات نافذة.

وبفضل جهودٍ بذلتها مجموعة العمل ساهمتْ معظم الدول العربية، وخصوصا المغرب والسعودية والكويت وقطر وعُمان، في إثراء احتفالات التظاهرة، والتي كانت أهم ما عرفته سنة كاملة من النشاط، باستثناء طبع عناوين كثيرة من المؤلفات الجزائرية، بعد أن تدخلنا بحزم لفرض أسماء جرى تجاهلها، لكن المؤسف هو أن الكتاب لم يتلقوا دينارا واحدا مقابل مؤلفاتهم، أسوة بالفنانين والمغنيين.

ويُسجّل للوزيرة أنها قبلت نصائحنا لكيلا تظل التظاهرات حبيسة العاصمة، لكنها لم تستطع أن تضع بصماتها على الشارع الجزائري بتعريب المحيط، وقيل إن رئاسة الحكومة آنذاك لم تضع ثقلها لفرض الأمر على الولاة، بحيث أن فرنسة المحيط، وخصوصا لافتات المحلات التجارية، تضاعفت بعد 2007.

ولم يعرف أن التظاهرة تركت بصماتٍ على المؤسسات الثقافية، من متاحف ودور للسينيما ومواقع أثرية عربية، وبرغم إصرار الوزيرة إلاّ أن كل مطاعم الفنادق الهامة ظلت تقدم لائحة وجباتها بالفرنسية دون غيرها.

وكان الأمر الأكثر إثارة للأسف، أن شمْل المثقفين الذين كانوا واجهة التظاهرة انفرط تماما في اختتامها، ولدرجة أنه لم تتم دعوة أيّ منهم للاحتفال بتسليم التظاهرة للعاصمة العربية التي كانت ستحمل اللواء بعد الجزائر، وهي دمشق، بل ولم تتم دعوتهم لاحتفال جزائري يسجل الوفاء لمن ساهموا في نشاطاتها.

وعندما نلقي نظرة على الوثيقة التي أصدرتها الوزارة بالتعاون مع المنظمة العربية للثقافة والفنون في تونس، فإننا لن نجد اسم أو صورة أي من الذين يعود لهم فضل كبير في الجوانب المضيئة للتظاهرة، والذين قاموا بذلك متطوعين، بل ولم يتلق أي منهم مجرد رسالة شكر.

وهنا أتساءل: هل استفادت تظاهرة قسنطينة من تجربة العاصمة الجزائرية، وهل درست أخطاءها واستفادت من دروسها، وأدركتْ أن اختيار عاصمة الثقافة العربية لا يعني أنه مجرد مورد رزق للمغنيين والراقصين وحملة الآلات الموسيقية وبعض المريدين؟

بل هل استفادت من تجربة السنة الجزائرية في فرنسا، والتي يقول عنها طويلو الألسنة إنها كانت السنة الفرنسية في فرنسا.

وأنا لا أملك معلومة رسمية واحدة عن استراتيجية تظاهرة قسنطينة، وعن مدى استفادة المعالم التاريخية العربية منها، وحجم مساهمة المثقفين الجزائريين فيها، لكنني أتفهّم أن الوزيرة ورثت وضعية لا تستطيع مواجهة كل مصاعبها وتعقيداتها.

 

وبالتالي، لن يكون في الإمكان أسوأ مما كان.

مقالات ذات صلة