الجزائر

قرارات، مبادرات، و”جامع الجزائر”.. نحو وهجٍ سياحيّ داخلي

مريم زكري
  • 1760
  • 0
ح.م
جامع الجزائر

لم يكن للعاصمة الجزائرية أن تتوّهج كل الوهج الذي هي فيه الآن، لولا الصّرح المعماري الديني الثقافي السياحي المميز المُنجز على مدخلها الشرقي؛ وهجٌ أضاف بهجةً سياحية لعاصمة البهجة، وهي التي تتربع على مقوّمات ومساراتٍ سياحية حُقّ لها أن توصف بعاصمة البحر الأبيض المتوسط.

على هضبة المحمدية، يتربع هذا المعلم الإسلامي الثقافي والسياحي بامتياز إنه “جامعُ الجزائر”، ثالث أكبر مسجد في العالم، تحفة معمارية، وصرح ديني ووجهة سياحية فريدة من نوعها، لما تحمله من معاني العراقة والأصالة والمعاصرة.

الجامع وإن بدا للبعض مكانا للعبادة فحسب، فإنه أكثر من ذلك وأكبر، هو قِبلة الزائرين للجزائر وعاصمتها بالتحديد، لا يمكن بأي حال من الأحوال تجاهلها.
الداخل إلى الجزائر من علٍ، يلمح قطبا مستنيرا على هضبة قريبة من البحر، أما المُبحر نحوها وعبر سُفن المسافرين القادمة من كل قارات العالم، فتقابله البناية الراقية على أطراف البحر، وأما الولوج برا، شرقا أو غربا، فذاك مبلغُ القصد.

ويتساءل السائح الأجنبي قبل المحلي، عن الإضافة التي زادها إنجاز جامع بهذه المواصفات وبهذا المعمار للسياحة في الجزائر قاطبة وفي عاصمتها بالخصوص، غير أنه سرعان ما يجد الإجابة بسرعة بمجرّد أن تطأ قدماه أرض الجزائر وتلمح عيناه ذاك الرونق السياحي الذي لن يجده في أي مكان آخر. تزاوُجٌ وفسيفساء تجمع زرقة البحر بعمران الجامع ومحيطه وكامل المدينة.

المقصد السياحي

كل التقارير تحدثت عن “جامع الجزائر” من حيث أنه قطب دينيٌّ وعمراني وثقافي مميز، ولكنها لم تتحدث بإسهاب عن ذاك الجذب السياحي الذي شكّله منذ تدشينه من قِبل رئيس الجمهورية السيّد عبد المجيد تبون.

هذا الجذب الذي نلمحه اليوم في عدد الزائرين للعاصمة بخاصة من الجزائريين من داخل البلاد من الولايات البعيدة عن العاصمة، الأرقام تقول إن كل من يلج حدود العاصمة إلا وبرمج زيارة إلى الجامع، ولا أدل على ذلك تلك الصور الكثيرة التي تعجّ بها وسائل التواصل الاجتماعي، في صورة تعكس الإيجابيات التي أتى بها اهتمام السلطات الجزائرية بتعزيز وتشجيع السياحة الداخلية.

الجزائريون المغتربون هم كذلك أضحى الجامع مقصدهم خلال الأشهر القليلة الماضية، والأكيد أن صيف 2024، سيكون مميزا، خاصة أن الحديث بين المغتربين من الجالية الجزائرية المقيمة في الخارج، لا حديث بينها إلا عن التطور الذي تشهده الجزائر خلال الأعوام الأخيرة، وذاك الاهتمام بواجهة البلاد، واجهة تجسدت في جامع بمواصفات العمران العالمي بهوية إسلامية جزائرية خالصة.

فلا يمكن للمتجهين نحو العاصمة، أن لا يتوقّفوا عنده، فتجذبهم هندسته المعمارية، التي زاوجت بين جمال العمارة الإسلامية بطابعها المغاربي الأندلسي، وآخر ابتكارات الهندسة والبناء في العالم.

استطاعت الجزائر من خلال الكثير من المعالم السياحية ومنها “جامع الجزائر”، أن تستقطب ذاك الاهتمام السياحي الغائب خلال السنوات الماضية، خاصة بعد تسعينات القرن الماضي؛ البلاد وعاصمتها أضحت منارة سياحية بأهداف عُليا ترمي إلى جعل الجزائر وعاصمتها منارة المتوسط وإحدى أهم الوجهات السياحية في العالم.

استقطاب داخلي

ولا شك في أن السلطات العمومية في الجزائر، أولت خلال الأعوام الأخيرة، اهتماما بالغا لإعادة شُعلة البلد السياحية إلى توهّجها، لذا راحت تسير بخطوات ثابتة نحو تجسيد الأهداف السياحية المعلنة وغير المعلنة؛ خطوات حثيثة بدأت بفتح المجال واسعا نحو اكتشاف الجزائري لوطنه وما يزخر به من إمكانات سياحية وتراثية وسواحل وشواطئ وجبال وغيرها مما حباه الله للجزائر القارّة، فكانت السياحة الداخلية قاطرة نحو استرجاع مكانة الجزائر لدى الجزائريين أنفسهم.

وعندما كان الهدف نبيلا وخادما للوطن، كان العمل كبيرا وجادّا فقلَب ملايين الجزائريين وجهاتهم من الخارج إلى الداخل، هؤلاء كانوا يقضون عطلاتهم بدول مجاورة وفي دول حوض البحر المتوسط، غير أن التوجّه الجديد للسلطات العمومية دفع وزارة السياحة والصناعة التقليدية، إلى المبادرة بتشجيع السياحة الداخلية عن طريق عديد المبادرات، ولعلّ مبادرة “خلّي صيفك جزائري” خلال صيف 2022، أبرز ما تم القيام به تشجيعاً للجزائريين على قضاء عطلتهم في الجزائر ودعما لإعادة الروح للسياحة الداخلية مثلما قالت الوزارة حينذاك.

وعلى نفس التوجه، تم فتح أبواب الإقامات الجامعية عبر الوطن أمام السياح الجزائريين القادمين من مناطق مختلفة وبأسعار وُصفت آنذاك بالمغرية إذا ما قورنت بأسعار الفنادق، فكانت مبادرة أخرى في طريق تعزيز الوجهة السياحية الداخلية وإعطاء متنفس آخر للجزائريين بعيدا عن الأفكار والحملات الدعائية للوجهات الأجنبية، تلك الحملات التي اعتمدت الحكومة من خلال وزارة السياحية على كسرها بحملات إشهارية ودعائية مميزة للوجهات السياحية الجزائرية، شمالا وجنوبا وشرقا وغربا، وأضحت مناطق البلاد وما تزخر به، صورة واضحة للداخل والخارج، فتعززت روح سياحة الداخل وزاد الاهتمام باكتشاف الجزائري لجزائره إن صح التعبير.

وإذا تحدثنا عن ما تمّ توفيره من إمكانات في هذا المجال، فإن الإجراءات كانت كثيرة وهي كفيلة باسترجاع الجزائر لدورها السياحي في اقتصاد البلاد، ولا أدل على ذلك تلك القرارات الجريئة من لدُن رئيس الجمهورية، بتخفيض أسعار تذاكر طيران الخطوط الجوية الجزائرية بـ50 في المائة للجزائريين المغتربين القادمين لزيارة بلدهم، وعديد الإجراءات والقرارات الأخرى.

المواقع الافتراضية لتسويق وجهة الجزائر السياحية خارجيا

وكشف صانع محتوى ترويجي سياحي لوجهة الجزائر عبر منصات التواصل الاجتماعي المدعو خالد حمزي في تصريح لـ”الشروق”، أن الجزائر تملك مقومات سياحية ضخمة تحتاج فقط للترويج لها من خلال الصوت والصورة، ومواكبة التطورات التكنولوجية والرقمنة لجذب عدد أكبر من السياح، ليس فقط الأجانب بل حتى من داخل الوطن، مشيرا إلى أن العديد من الجزائريين لم يتمكنوا من معرفة ما تزخر به بلادنا من مناطق سياحية وأثرية مدهشة، كما يمكن أن تساهم الرقمنة والمواقع الافتراضية في التسويق لبعض المعالم السياحية بالطريقة التي تليق بها؛ وأكد المتحدث، أن العاصمة لوحدها يمكنها أن تكون منطقة جذب واستقطاب.

وفي سياق آخر، تطرق محدثنا إلى أن الجامع الأعظم من بين المعالم والأماكن السياحية التي يمكنها استقبال آلاف الزوار يوميا وهو ما يحدث فعلا، ومن المتوقع أن يتضاعف  عدد الزوار القادمين من المناطق الداخلية لاستكشاف المكان، وقد تسجل ارقام غير مسبوقة لعدد السياح.

ونوه حمزي، إلى أن “مقام الشهيد” كان أبرز المعالم التي تجذب زوار العاصمة منذ عقود وتربع لسنوات طويلة على عرض الأماكن الأكثر استقطابا للسياح القادمين من مختلف الولايات، قبل أن يكسر زوار المسجد الأعظم كل تلك الأرقام، كما أنها قد تصل إلى 5000 شخص يوميا أغلبهم من ولايات داخلية.

واستطرد محدثنا قائلا إن تواجد “جامع الجزائر” بجانب منتزه الصابلات الذي يستقبل عددا كبيرا من المجموعات السياحية الممثلة في وكالات وجمعيات ونوادٍ وحتى أفراد خارج التنظيمات السياحية، يسمح له بأن يكون معلما سياحيا بامتياز مع توقع تدفق أعداد مهولة للزوار مستقبلا.

من جانب آخر، أشار المتحدث إلى أن السياحة الداخلية نحو العاصمة تشهد حاليا تزايدا في الأرقام، ومن الضروري العمل على تحسين خدمات النقل وتنوعها، بحكم ما تعانيه العاصمة من اختناق مروري على مدار أيام السنة، مقترحا، وأيضا تهيئة ميناء الحمدانية وتقليص حركة الاقتصاد في ميناء الجزائر، وفتح خطوط داخلية للنقل البحري، خاصة أن الجامع يقع بالواجهة البحرية، وأيضا توفير كل الضروريات المتطلبة لراحة السائح.

ويبقى “جامع الجزائر” أحد أكبر المساهمين في خطة السلطات وإرادتها لتعزيز السياحة الداخلية على وجه الخصوص، إذ كان منذ تدشينه الرسمي، ولازال إلى الآن، وجهة سياحية لكثير من الجزائريين القادمين من ولايات أخرى بعيدة وقريبة مثلما أبرزناه آنفا، فكان المنارة المضيئة والمُعينة على التوجه العام للسلطات العمومية نحو إعادة الجزائر لمكانتها السياحية والثقافية الطبيعية.

مقالات ذات صلة