-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

فنّ الجهاد

فنّ الجهاد

عرف التاريخُ الحديث والمعاصر ظاهرتين في أرض الجزائر هما:

* أبشعَ وأشنع استِخْرابٍ –المسمّى ظلما “استعمارا”- في تاريخ البشرية من شرقها إلى غربها، ومن شمالها إلى جنوبها، ولو جُمع أجملُ وأبدعُ ما في لغات العالم لعجزَ عن تصوير هذه البشاعة والشناعة، ولا أعني إلا هذا الاستخرابَ الفرنسي اللعين، الذي لا يعدُّ عارا في جبين الفرنسيين فقط، وإنما هو عارٌ في جبين الإنسانية كلّها.

* أمجدَ جهادٍ واجه به شعبٌ من الشعوب الاعتداءَ على عِرضه وأرضه، وترابه وتِبره، ولو جُمع أجملُ وأبلغ ما في لغات العالم لعجز عن تصوير هذه الأمجاد التي بلغت حدّ الإعجاز البشري، ولا أعني إلا جهاد الشعب الجزائري الذي كان “حِلفَ الجهاد، وعدوَّ المِهاد”. (الإبراهيمي 5/241).

يشهد الأعداءُ الفرنسيون أنهم منذ دنّسوا أرض الجزائر لم يتوقف عن جهادهم الشعبُ الجزائري، وأكبرُ شاهدٍ فرنسي على ذلك هو “الموسوعة الإمبراطورية” في جزئها الأوّل، الصادرة في 1948، إذ أكّدت أن الجزائر كلّفتنا 75 سنة من المجهود الحربي، وهو كلامٌ غير صادقـ لأن ثوراتٍ شعبية اندلعت بعد 75 سنة، ومنها جهاد الأوراس في 1916، وجهاد إخواننا في جانت والهقار.. وآخر هذا الجهاد هو جهادُ أوّل نوفمبر 1954، الذي لم ينته بطرد الفرنسيين من الجزائر فقط، وإنما أنهى الإمبراطورية الفرنسية في إفريقيا كلّها.

وقد أبدع الشعبُ الجزائري في هذا الجهاد إبداعا فريدا، فقد شنّ على فرنسا جهادا وهو لا يملك أبسط وسائل الجهاد من مال وعتاد، ولكنه كان يملك سلاحا لا تملكه فرنسا وحلفاؤُها؛ إنه سلاحُ الإيمان، أو ما سمّاه المناضلُ الإنساني فرانز فانون “السلاحَ الجبّار”، وذلك في رسالةٍ بعثها إلى المفكّر الإيراني علي شريعتي، أحد مناصري الثورة الجزائرية.

لقد حقّق الشعبُ الجزائري المجاهِد أعظمَ نصرٍ بأبسط الوسائل المادّية، أليست هذه هي العبقرية؟

ألم ينقل هذا الشعبُ الذي جوّعته فرنسا، وجهّلته، وأمرضته، طيلة قرن وثلث قرن، ألم ينقل جهادَه إلى أرض عدوّه، ويجعل هذه الأرضَ هي الولاية السابعة كما عنونَ أحدَ كتبه المناضلُ علي هارون؟

عندما يقرأ الناس تاريخَ جهاد الشعب الجزائري لا يملكون إلا أن يردّدوا مع الشاعر مفدي زكرياء ما قاله في المقطع قبل الأخير من إلياذته الخالدة:

وإنّ بلادا تصدّر فكرا    وكانت تصدّر فنّ الجهاد.

رحمةُ الله الواسعة على شهدائنا في الأوّلين والآخرين، ولعناتُه على الفرنسيين الصليبيين.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!