-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

 فقهاء يتحدثون: “الأضحية”عبادة وليست عادة

فرح سراوي
  • 1007
  • 0
 فقهاء يتحدثون: “الأضحية”عبادة وليست عادة

الأضحية هي سنة مؤكدة لمن ملك ثمنها وهي عبادة عظيمة في أيام معدودات، الهدف منها تحقيق العبودية لله عز وجل وشكر النعم والتوسعة على الأهل. 

لكن هل مازلنا نفعل هذا عبادة لله وتقديسا لهذه الشعيرة الدينية ،أم أن الأمر قد انحرف عن ذلك  فأصبحت  الأضحية مجرد عادة للتباهي والتفاخر والانتفاع باللحم وحسب دون مراعاة لقيمتها الدينية التي جاءت لأجلها؟

 الأضحية ليست عادة أو تقليد اجتماعي

يقول الأستاذ الدكتور مرزوق العمري من جامعة باتنة في اتصال معه أن الأضحية شعيرة دينية من شعائر الإسلام، ولذا اهتم علماء الإسلام بها كاهتمامهم بسائر المسائل الفقهية حتى يتم القيام بها على الوجه المشروع هي  من الشعائر الدينية وليست مجرد عادة أو تقليد اجتماعي حتى لا تفقد دلالتها الشعائرية الدينية وبالتالي لا يحقق المسلم أي أجر ديني. لذلك بينوا ماهيتها وحكمها وزمنها والحكمة منها وأصناف الأنعام التي يضحى بها …وما إلى ذلك.

فالأضحية تسمية لما يذبح من الأنعام في عيد النحر وهو يوم العاشر من شهر ذي الحجة وفي أيام التشريق وهي الأيام الثلاثة التي تليه حيث يكون الحجاج فيها بمنى.

 وحكمها عند جمهور العلماء سنة من السنن المؤكدة فهي من الأعمال المشروعة لقوله تعالى:” فصل لربك وآنحر”.

أما عن الحكمة من الأضحية فهي إحياء سنة نبي الله إبراهيم عليه السلام في آمتثاله لأمر الله وعزمه على تنفيذ الرؤيا بذبح ولده إسماعيل عليه السلام:” وفديناه ‌بذبح ‌عظيم ” والمسلم حينما يضحي يتمثل ويستحضر معاني الفداء والتضحية لهذا الدين، والإستسلام والإنقياد لأمر الله سبحانه، وهنا يفترض أن يعرف هذه الحكمة لأن التدين يقوم على العلم. كما أنه من حكمة مشروعية الأضحية التشبه بالحاج الذي يذبح الهدي في الحرم ومنها أيضا شكر الله على نعمة المال، وكذا التوسعة على الفقراء والأقارب والجيران. وقد جاء في القرآن الكريم ما يدل على ذلك كما في قوله تعالى:” والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا آسم الله عليها صواف فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون”.

كما بين لنا علماء الشريعة أصناف الأنعام التي يضحى بها ومن حيث الأفضلية ففي صدارتها الغنم ثم الماعز ثم البقر ثم الإبل.

حينما نقف عند هذه الأبعاد المختلفة للأضحية  ندرك بأنها إحدى الأعمال التي يتقرب بها المسلم إلى الله تعالى وبالتالي تبتعد عن كونها عادة من والعادات أو تقليدا من التقاليد الإجتماعية، ولذا نجد في الواقع الكثير من المخالفات التي تحيد بالأضحية عن بعدها الشرعي إلى بعدها الإجتماعي؛ فأحيانا يتكلف المضحي ويضحي وقد تكون غير واجبة عليه، مراعاة للموقف الاجتماعي العام، و قد يضحي قبل وقت النحر، كما قد لا يعرف ولا يلتزم بالشروط الواجب توفرها في الأضحية وكلها تخرج بالأضحية من العبادة إلى العادة وهذا  يعود إلى قلة الفقه وإلى قلة الوازع الديني الذي يجب أن يكون عليه المسلم.

كما ينبغي التنبيه إلى أن العيد هو مناسبة لصلة الأرحام وزيارة الأهل والأقارب وهي من الأعمال التي تدخل في إطار العبادة قبل العادة، التي ينال بها المسلم الأجر العظيم .

 الجهل وعدم العلم يحول الأضحية من عبادة إلى عادة

في اتصال مع الدكتور عبد الكريم رقيق أستاذ العقيدة بكلية العلوم الإسلامية جامعة الحاج لخضر بباتنة، يقول في  الأضحية أنها عبادة وقربة من القربات وسنة من السنن العظيمة يمتد تاريخها إلى سيدنا إبراهيم عليه السلام، وشاة الأضحية في فضلها نصوص كثيرة ودمها الذي يسيل أفضل أعمال يوم العيد وهي تأتي يوم القيامة بشعرها ولحمها وأظلافها فتكون في ميزان صاحبها قال تعالى (لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم) .

وفي المجتمع الجزائري يختلف الناس في نظرتهم للأضحية بحسب مستواهم المعرفي الشرعي ويمكن تقسيمهم  إلى فريقين :

1ـ فريق يرى أن الأضحية سنة يتقرب بها إلى الله ولها أحكام فيشتريها من مال حلال ويذبحها في الوقت الصحيح ويقسم لحمها فيجعل منه حظا للصدقة ويحرص على غرض القبول في أمرها فلا رياء ولا سمعة ولا مباهاة.

2ـ فريق يرى جانب اللحم وأن الأضحية فرصة للأكل ، وقد يفسد نيته في الشراء كأن يقول ما آشتريتها إلا من أجل  إرضاء الأولاد ، أو أن يتباهى بها أمام الجيران وبالتالي هذا الصنف لا يكون حريصا على آستيفاء شروطها إذ أحيانا يشتري الشاة التي لا تصلح للأضحية لصغر سنها، فقط ليقال أنه ضحى وقد يذبح قبل الصلاة لأنه لا يعلم أن شرطها الذبح بعد الصلاة، كما يمكن أن يستأثر  باللحم فلا يتصدق منها بشيء وما إلى ذلك، وهذا النوع قد انتقلت الأضحية عنده من العبادة إلى  العادة ونحسبها الفئة الأقل في المجتمع ،ومرد ذلك بلا شك  إلى الجهل وعدم العلم.

الأصل في العبادات الإتباع وليس الإبتداع

تقول أستاذة التعليم القرآني سعاد صايفي، المعلوم من الدين بالضرورة أن الأضحية عبادة وليست عادة ومعنى عبادة أن المؤمن يتقرب بها إلى الله فلا يضحي مسايرة للناس لأنهم يضحون ومن أجل الأبناء أو لأجل التباهي والرياء والتعالي بالتالي إخراجها من طابع القداسة والقربى إلى الله تعالى و المناسبة التي آستنها الشارع لها لتكون مرحمة بين الناس ،ومن المعلوم أن العبادة فيها شرطان:الإخلاص والمتابعة ،ومعنى الإخلاص أن يكون الله من وراء القصد بعيدا عن السمعة والرياء والتباهي والتفاخر أو إرضاء لأحد من الخلق ،أما المتابعة أن تكون العبادة بعد النية مقرونة بما آستنه نبينا صلى الله عليه و سلم وقام به بنفسه أو نصح به ،لذلك نقول حتى لانفرغ المناسبة العظيمة من محتواها يجب الإبتعاد عن العادات المخالفة لمقاصد الأضحية لقوله تعالى: (ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب )وقوله :(لن ينال الله  لحومها ولا دماءها ولكن يناله التقوى منكم ).فمن أعظم مقاصد الأضحية تحقيق توحيد الله عز وجل وتخصيصه جل جلاله بعبادته حيث تكون لوجهه الكريم لا أن تكون لغيره،وتجديد العهد معه سبحانه بالتوبة والذكر وشكر النعم بالتوسعة على الأهل والتهادي لتعم الألفة والترابط بين الناس .

الأضحية ليست عادة موروثة

في هذا السياق يتحدث خالد بوغزال أمين المجلس العلمي وإمام مسجد مبارك الميلي لولاية ميلة أن الأضحية شعيرة من شعائر الاسلام التي وجب تعظيمها عملا بقوله تعالى ( ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)  و يريق دمها المسلم طيبة بها نفسه لقوله صلى الله عليه وسلم ( ماعمل أدمي يوم النحر بعد الصلاة عملا أحب إلى الله من إهراق الدم وإنها تأتي يوم القيامة بأشعارها وأظلافها وقرونها وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع على الارض فطيبوا بها نفسا)

ورغم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى لنفسه ولآله ولفقراء أمته ولم يتركها قط فإن حكمها أنها سنة مؤكدة بدليل حديث أم سلمة ض الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم:(  إذا جاء هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي)  الشاهد قوله و أراد والارادة تعني الخيار بين أن يفعل أولا يفعل ولهذا قال الامام مالك ( الاضحية سنة مؤكدة ولا أحب لمن قدر عليها أن يتركها)

ومن هنا نفهم قول الني صلى الله عليه وسلم: ( من وجد سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا)  سعة يعني وفرة في المال.

والمقصد من الأضحية هي تحقيق عبادة نسكية وتوحيدية لله تعالى يمتزج فيها الشكر والتقوى والتضحية عملا بقوله ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين)  و قوله ( لن ينال الله لحومها ولا دماؤها  ولكن يناله التقوى منكم)  وأما الشكر فشكر الله على نعمة الإيمان والاسلام والقرآن إء لو ذبح اسماعيل عليه السلام فعلا لما جاء حفيده محمد صلى الله عليه وسلم ولما كانت أمته ولا ختمت الرسالات و لما كانت صلاة ولا زكاة ولا صيام ولا حج؛

ويؤيد هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم: ( أنا ابن الذبيحين)  ويقصد أباه الأول عبدالله بن عبد المطلب الذي فداه جده بمائة ناقة وأباه اسماعيل الذي فداه جده السابع ابراهيم الخليل بكبش عظيم

فعندما يدرك المضحي هذه المعاني تعظم شعيرة الاضحية في قلبه ويعلم أنها ليست بعادة ورثها عن أبيه وأنها ليست بضاعة يتنافس البعض في مغالاتها و استغلال حاجة الناس إليها كما هو حاصل في أيامنا هذه تضاعف سعر الأضاحي مرتين بحجة غلاء الكلأ والعلف وهي حجة واهية بل هو المتاجرة في دين الله كالزيادات في الاسعار في شهر رمضان وفي المواسم الدينية لأن بعض التجار صاروا يتعاونون على الاثم والعدوان ولا يتعاونون على البر والتقوى و غلاء الأضحية ومضاعفة سعرها يؤدي إلى حرمان شريحة واسعة من أداء هذه الشعيرة ويتسبب في إضفاء جو كئيب من الحزن والأسى في قلوبهم وقلوب أبنائهم ويفضي إلى إصابة المجتمع بشرخ يصعب رأبه لو كانوا يفقهون وقد خالفوا توجيهات القرآن والسنة خاصة والنبي صلى الله عليه وسلم كان يوصي:  يسروا ولا تعسروا بشروا ولا تنفروا

وتبقى نصيحتنا لهؤلاء اتقوا الله في المسلمين فأنتم منهم وهم منكم أما الذين ليس لهم سعة ليضحوا فأذكرهم بقوله تعالى ( لا يكلف الله نفسا الا وسعها)

وأبشرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى على من لم يضح من أمته .

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!