الرأي

“فقهاء” بلا فقه!

فقهاءُ السلاطين والحكّام برّروا تخاذلهم وإثقالهم إلى الأرض، وتقاعسَهم، وتخلّفهم مع الخوالف، وقعودَهم مع “القواعد” والقاعدين، وجبنهم حتى عن الدعاء للمجاهدين في غزة، والمرابطين فيها، والمحقّقين انتصاراتٍ باهرة على أعداء الله، المتجرّدين من الإنسانية، برّر هؤلاء “الفقهاء” سلوكهم المخزي بأنّ الجهاد -طلبيّا أو دفعيّا- لا يجوز شرعا إلا بإذن وليّ أمر المسلمين واستئذانه..

برغم علمهم أنّ أكثر أولياء أمور المسلمين اليوم لا تراهم في النهار إلا يرشفون، وفي الليل يرتشفون وينتشون، ثمّ إن أولياء الأمور ممن وصفهم الله -عزّ وجل- بقوله “منكم”، ومنكم هذه لا تعني الأسماء والصفات والسَّحنات فقط، ولكنها تعني أول ما تعني أن يكونوا على هدى من ربّهم، مؤتمرين بما أمر، منتهين عما نهى، فمن من أولياء أمور المسلمين اليوم وقّافون عند حدود الله، عز وجل؟ إنّ أكثرهم ليُشاقّون الله ورسوله، فيُحِلّون ما حرّم الله، ويحرِّمون ما أحلّ وهم يعلمون، وكثيرٌ منهم اتّخذوا أعداء الله من اليهود والنصارى الظالمين أولياء جهرةً أو خفية.

نقطة أخرى أثارها هؤلاء “الفقهاء” بلا فقه، ودندنوا حولها، وهم الذين أذهبت بطنتُهم فطنتَهم، فأعمت أبصارَهم وبصائرهم، وهي قولهم: لا بدّ أن يستيقن المجاهدون النصر على الأعداء قبل منابذتهم!

وليكن هؤلاء “الفقهاء” صرحاء وليجيبونا: متى كان المسلمون مستيقنين من النصر على الأعداء، وهم الذين يعلمون ويفقهون قوله، تعالى: “وما النصر إلا من عند الله”؟

وليُجبنا هؤلاء “الفقهاءُ” المتقلّبون في النضرة والنعيم: متى كان المسلمون أكثر نفيرا وأكثر عُدّة؟ ألا إنهم من إخلادهم إلى الأرض لمحجوجون، بل إن المسلمين وفي عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبحضوره، وذلك في يوم حُنين، “استيقنوا” أنّهم غالبون لإعجابهم بكثرتهم حتى قال قائلٌ منهم: “لن نُغلب اليوم”، فإذا هذه الكثرة لم تُغنِ عنهم شيئا، وترك أكثرُهم رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- وحيدا، وهو ينادي بأعلى صوته: “أنا النبيُّ لا كذِب”.

وليُخبرنا “الفقهاء” بلا فقه عن عدد المسلمين بقيادة المجاهد طارق بن زياد الذين فتحوا الأندلس؟ وليُخبرونا عن عدد المسلمين الذين فصَل بهم الفقيه المجاهد أسد بن الفرات إلى صيقلية، ولم تُقعده سنُّه مع “القواعد” واستُشهد في ذلك الجهاد؟ وأين يوجد ضريحُ الصحابي المجاهد الفقيه أبي أيّوب الأنصاري؟ وكلّ هذا الجهاد من جهاد الطلب ولم يكن المسلمون مستيقنين من النصر.

وهل كان المجاهدون الفقهاء عبد القادر الجزائري، وعمر مختار الليبي، ومحمد بن عبد الكريم المراكشي في الريف، والمجاهدون في أول نوفمبر ضدّ فرنسا، والأفغان ضدّ الاتحاد السوفياتي، مستيقنين من النصر، وجهادهم “جهاد دفع”، كما تقولون في مصطلحاتكم الجافّة؟ إنّ الإمام الإبراهيمي الفقيه كثيرا ما يردّد كلمته ذات الدلالة العميقة وهي: “إنّ في الفقه فقها”، فهل تفقهون هذا الفقه؟

مقالات ذات صلة