-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

فضاعة الإجرام في فك الاعتصام

فضاعة الإجرام في فك الاعتصام
ح.م

وفعل العسكريون في مصر، فعلتهم النكراء، وأقدموا على ارتكاب مجزرة الدموع والدماء، مروعين الشيوخ، والأطفال، والنساء، فأعادوا مصر عشرات السنين إلى الوراء.

لم يرع الجيش المصري، في شعبه، إلاًّ ولا ذمة، فأطلق العنان لقواته، دون رادع أو وازع، كي تقتل الركّع الساجدين، وتروع الأطفال الآمنين، وتعلن حرب الإبادة على المعتصمين المسالمين.. “وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ” »سورة البروج، الآية 8-9«.

أجهز الجيش في مصر، على الشرعية السياسية التي تحققت بعد عناء، فحوّل الربيع المصري إلى خريف وشتاء، أزهاره دماء، وأشجاره أشلاء، وآماله أرزاء: وكل حياته ابتلاء.

عبث العسكريون، بمصر، وهي أرض الله التي قال فيها، عز من قائل: ادخلوا مصر فإن لكم ما سألتم، فحولوها وفق أهوائهم، وأهواء شياطينهم، إلى آياتهم الشيطانية: “احكموا مصر واقتلوا ما استطعتم”.

يا لله لشعب مصر، العالي الهمة كعلو الأهرامات، والعفيف الذمة كعفة جامع الأزهر، وباقي الجامعات، فما للمفسدين يعيثون في هذا الشعب فسادا، فلا يرفع الأزهر له صوتا، ولا يحرك ساكنا؟ وما للعسكريين، يقدمون على هذه المجازر، وكأن مصر، خلت من الجامعيين والجامعيات؟ مما يذكرني بقول الشاعر العراقي، معروف الرصافي:

عجبتُ لقوم يخضعون لدولة      يسوسهم في الموبقات عميدها

وأعجب، من ذا أنهم يرهبونها     وأموالها منهم، ومنهم جنودها

يحدث كل هذا في غفلة من أشقاء مصر، العرب، وهم الذين طالما استظلوا بمصر، في ثقافتها، وخبرتها، وعملها، فكانوا – جزاء لها – سباقين إلى الاعتراف بالانقلاب عليها، ومباركة الجزارين، في التنكيل بأحرارها، واللائذين بالصمت أمام سفك دماء أبنائها.

وأين من كل هذا ضمير العالم الحر، ولاسيما الغرب منه؟ أليسوا هم الذين طالما دندنوا، بالمطالبة بتطبيق الديمقراطية ونزاهة الانتخابات لتحقيق الشرعية؟ فأين هم اليوم من ضرب أنصار الديمقراطية، والزج بحكام الشرعية، داخل السجون والأقبية؟ أم هل إن الموتى المقدرين بالمئات، دمهم ماء، وحياتهم هباء، وأفئدتهم هواء؟

لسنا ندري – والله – إلى أين تتجه مصر، في ظل الدماء المسفوكة، والأعراض المنهوكة، والمؤامرات المحبوكة؟ وأيا كانت السيناريوهات المحتملة، فإن الفأس والرصاص، قد وقعا في الرأس، وإن الشرخ داخل الشعب المصري، قد تعمقت جراحه، وتضاعفت أتراحه، مما يصعب معه بعد ذلك لم الشمل، وميلاد الأمل، وتجاوز الأسباب والعلل.

ما كنا نريد لمصر الكنانة   يعلم الله – إلا ما  يريده لها أبناؤها الأوفياء، والخلّص من مثقفيها الأتقياء، والذائدين عن حياضها وشرعيتها الأوفياء.

لقد فتح العسكريون لمصر، سابقة خطيرة على مستقبل بلادهم، وعلى المنطقة العربية والإسلامية بكاملها. كما نجح العسكريون في مصر وهم الذين لم يعرف النجاح إليهم سبيلا، نجحوا في تقديم صورة سيئة ظالمة عن إسلام مصر، ولوحة سياسية قاتمة عن نظام الحكم في مصر، فإذا ذكر الإسلام في مصر ذكر معه الإرهاب، وإذا ذكر الحكم في مصر ذكر معه الانقلاب. وكنا نريد أن يسود الانتخاب، بدل الانقلاب، وأن يبرز الحب، والإخاء، بدل العنف والإرهاب.

كيف يلقى المسؤولون عن الانقلاب في مصر ربهم؟ وكيف سيواجهون مقصلة التاريخ التي لا ترحم، وقد رملوا الحرائر، وعطلوا الشعائر، وارتكبوا الكبائر، وخلدوا أسماءهم في سجل العار والمجازر، يوم تبلى السرائر.

ويل لهم من قاضي السماء، يوم يسأل الموؤودة، والمفقودة، بأي ذنب قُتلت، ولأي جرم فقدت؟ ويوم يقوم الناس لرب العالمين، فيقتص القتيل من القاتل، والمظلوم من الظالم، ويحاسب الطغاة والمجرمون، عما ارتكبوا في حق شعبهم، من طغيان ومن جرائم.

مسكينة مصر الكنانة! ويح لها مما تلاقيه من أبنائها الطغاة العصاة! لقد ارتكبوا في حقها، ما لم يرتكبه الكيان الصهيوني في العصر الحديث ضد شعب مصر، وما لم يرتكبه فرعون في القديم، وفي كل عصر. فهل نلوم بعد هذا كله، استخفاف الأعداء بنا؟ ونكاية الغرباء، في مأساتنا، ومحناتنا؟

نبشر الانقلابيين في مصر، بأنهم، وقد بطل ما كانوا يعملون، وخسر حسابهم وما يخططون، بأنهم سيندمون، ولات ساعة مندم. فقد أتوا من البدع العسكرية والسياسية، والأخلاقية، ما تنوء بحمله الجبال. فالمغامرة التي أقدموا عليها قد خسرت، والمؤامرة التي أوكلوا بتنفيذها قد فضحت وكشفت؛ وستسوقهم الجماهير، غدا، إلى محكمة العدْم.

ونقول لشعبنا المضطهد في مصر، صبرا! صبرا! فأيا كانت ضريبة الدم التي قدمت، وأيا كانت أعداد، الشهداء والشهيدات، التي سقطت، فإن الشرعية مهر، لا يقدر عليه إلا ذوو العزائم، وأن للديمقراطية الحقة، ثمن، لا يقدر على دفعه إلا الأكارم.

 

إن النتيجة الحتمية، لكل هذه التضحيات هي بسملة، في آية النصر، ومقدمة لملحمة الفخر، فما عرف التاريخ الإنساني، انكسارا لقضية عادلة، ولا انتصارا، لفئة ظالمة، وأن الشعب المصري، وهو يتلوا على العالم آيات الجهاد، والاستشهاد، ويلقي درسه في الصمود والذود عن الحرية، والشرعية، ليخلد ذكره في طليعة المحققين للنصر، وإن النصر، قد تعالت أنغامه، وارتفعت أعلامه، وتوطدت أقدامه..

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
9
  • عبدالرزاق

    - حدث الانقلاب العسكري في مصر بموافقة امريكية تجراْ السيسي في محاولة لازالة الحركة الاخوانية من الساحة السياسية بدماء يكتبها تاريخ بداية القرن الواحد والعشرين في صمت عالمي وتضليل اعلامي لا نظير له , بالمقابل ابادة جماعية للاسلاميين في سوريا وبموافقة روسية باستعمالها السلاح الكمياوي في وضح النهار . انها لعبة الشطرنج بين روسيا وامريكا , فاستوعبوا الدرس يا عرب , ويجتمع مجلس الامن لتقييم من الرابح والخاسر امريكا ام روسيا , الى اين يا حكامنا بدماء شعوبكم .

  • عبدالرزاق

    - ايران دولة قوية وهي في فلك الروس وقد اثبتت انها مستعصية على امريكا ومن يواليها ولها نصيبها من الكعك الدي يجري تقسيمه بين القوى العالمية .
    - اما الصراع الاخير في الشرق الاوسط فيشرف على نهايته بعد خروج ايران منتصرة بعد لعبة الشرنج , ولتبقى سوريا ومصر اخر مرحلة للعبة الشطرنج بين العملاقين روسيا وامريكا , والعرب اهل الدهب والبترول كالعصفور المكسور الجناحين في انتظار من ياْخد بيده
    - ان بريق هده اللعبة الدولية فرضت على السيسي استعمال القوة العسكرية لانقاد الموقف ولو بدماء المصريين - يتبع

  • عبدالرزاق

    - الصراع الامريكي الروسي ومن يدور في فلكيهما وصراع الزعامة الاسلامية بين تركيا وايران هو ما انعكس مباشرة على الوطن العربي الدي هو يخضع اليوم الى تجارب ومد وجزر بين هؤلاء جميعا سمي لدى اخواننا العرب النائمين على كنوز الدنيا بالربيع العربي . وفيه تسيل دماؤنا رخيصة وتهدم اوطاننا بايدينا نيابة عن اعداء امتنا واصبحت لغتنا عروبتنا خزي علينا واسلامنا فتنة بيننا نقاتل بعضنا وجميعنا الله اكبر
    فاي ربيع هدا واي اسلام هدا يا امة العرب التي هي امنا - يتبع -

  • عبدالرزاق

    - ايران الدولة الفارسية المسلمة التي ادركت خطر امريكا قبل الاوان تكون قد تمكنت من صنع القنبلة النووية , وثقتها بامكانياتها وقدراتها استعصت على امريكا من تركيعها .
    - ان الصراع الدي كان بين امريكا وروسيا والدي سمي في وقته بالحرب الباردة , يعود من جديد الى الساحة العالمية بوسائل اخرى وهو في مرحلته النهائية , ان مرحلة اللعب بين امريكا وايران باقحام اسرائيل وحزب الله في حرب 2006 , وانتصار حزب الله هو بمثابة مقابلة في الشطرنج , جعل من ايران قوة يجب الاعتراف لها - يتبع -

  • عبدالرزاق

    - لقد عملت امريكا لوحدها خلال الفترة الماضية على تغيير وجه العالم العربي باستعمالها المرينز واقحامه في تغيير وجه الخريطة العربية , ودلك بايقاع الحكام العرب فيما بينهم وتخويفهم بالخطر القادم وكانت البداية من العراق بعد ايقاع صدام حسين في فخ غزو الكويت مما استدعى السعودية بالاستنجاد بامريكا وتلتها كثير من الدول العربية والاجنبية وعملت على غزو العراق وتدميره كلف امريكا خسائر مالية لا يستطيع تحملها الا البترول العربي .
    - ثم توجهت القوة الامريكية الى ايران في محاولات يائسة لتعنت احمد نجاد - يتبع -

  • عبدالرزاق

    ان المتتبع للاحداث في الوطن العربي يستنتج ببساطة الفشل الدريع لحكام هدا الوطن دون استثناء خلال هده الحقبة التاريخية , لقد روجت امريكا في الوطن العربي قضية خطيرة سميت بالارهاب واقتسمها الوطن العربي , بعدم كان الارهاب مقتصرا على الدولة الوهمية اسرائيل
    - لقد كان اغلب العرب وبعض الدول المنتمية لعدم الانحياز مناهضة لامريكا والانبريالية العالمية , الا ان سقوط الاتحاد السوفياتي غير كثير من المفاهيم لدى دول العالم الدي اصبح احادي القطب متمثلا في امريكا . وكانت البداية من كولومبيا وسجن نورتيقا - يتبع -

  • عبد الرحمن

    كل من يلتزمون الصمت حول المجازر الابادة الجماعية, جرائم الصهيونية في فلسطين و جرائم السيسي في مصر وجرائم الأسد في سوريا ،وجرائم في بورما , من علماء المسلمين و وسائل الإعلام الصحافة و السياسيين و حقوق الإنسان و الأحزاب السياسية و المنظمات متواطئون مع الجرائم, حسبنا الله ونعم الوكيل

  • Dr Mohna3li

    لا ننسى يا شيخ دور الاعلام الهدام و المقلب للحقائق و المغيب للحقيقة. فلقد استحوذ الاعلام الانقلابي المأجور و المحرض للفتنة على عقول بعض المصريين بواسطة قنواتهم التي تقطر سما و كرها لكل من ينافسهم و هم يتظاهرون بالاسلام نفاقفا و حولوا شريحة كبيرة من المصريين أعداءا حيث وجد فلول النظام البائد اللامبارك ظالتهم مع الانقلابيين فكونوا جماعات تخريبية و فرق الموت لتصفية حسابات قديمة مع الاخوان السلميون رغم القتل و التنكيل بهم لكن
    التاريخ لا يرحم و الديان لا يموت. ان الله ينصر المظلوم و لو بعد حين.

  • د/ طيبي مسعود

    بارك الله في استاذنا الفاضل عبد الرزاق قسوم على الوقف الجريء مما يجري في مصر