الجزائر
مؤرخ فرنسي يعيد إنتاج ما قاله الإبراهيمي

فرنسا لم تُهزم في الجزائر لأنها لم تقاتل أصلا!

محمد مسلم
  • 21794
  • 12

يستمر تشبيه غير مفهوم من قبل أوساط فرنسية متخصصة، ما حدث للولايات المتحدة الأمريكية في أفغانستان، بما حدث لفرنسا في الجزائر قبل ما يقرب من ستة عقود، لكن وفق مقاربة مشبوهة وغير مقنعة لذي عقل راتب، لكن هذه المرة على لسان رجل فرنسي متخصص في التاريخ.. ماذا في الأمر؟

وكتب المؤرخ الفرنسي، جاك جوليار، في مقال مطول بجريدة “لوفيغارو”، في عدد الاثنين، تحت عنوان “غروب الغرب”، عبارة لا تختلف كثيرا عن تلك التي صدرت عن وزير الخارجية الجزائري الأسبق، الأخضر الإبراهيمي، في صحيفة لوموند، جاء فيها أن “الولايات المتحدة الأمريكية لم تنهزم في كابول (أفغانستان) لأنها لم تقاتل..”، وأضاف مسقطا ذلك على ما حدث لبلاده في الجزائر: “فرنسا هي آخر من يلومهم (يقصد الأمريكان)، لأنها فعلت الشيء نفسه في عام 1962 في الجزائر”.

ما يفهم من كلام المؤرخ الفرنسي، أو بالأحرى مقصده الظاهر والخفي، هو أن فرنسا لم تنهزم في الجزائر، لأنها لم تحارب (…)، وهي شهادة من مؤرخ تفتقر إلى الدقة، لأن ما كتبه مؤرخون كبار من الفرنسيين قبل الجزائريين، مثل إيف كوريار.. يدحض ما كتبه جاك جوليار بالأمس في الجريدة المعروفة بقربها من اليمين الفرنسي المتباكي على ضياع حلم الجزائر ـ فرنسية، الناقم على الجنرال شارل دي غول، بسبب فشله في إخضاع جبهة وجيش التحرير ومن ورائهما الشعب الجزائري، للإرادة الفرنسية.

الشيء الوحيد الذي ربما صدق فيه المؤرخ الفرنسي، هو دقة تصويره لمشاهد عشرات الآلاف من الأفغان الذين تعاونوا مع الجيش الأمريكي وحلفائه من الحلف الأطلسي، وهم يتشبثون بعجلات الطائرات وأجنحتها أملا في الفرار إلى خارج البلاد عبر مطار كابول في 2021، تماما كما حصل في عام 1962، عندما كانت حشود “الحركى” و”الأقدام السوداء” يقفزون إلى البواخر هربا من الجزائر باتجاه فرنسا، بعد ما اندحرت هذه الأخيرة في الحرب.

ما كتبه المؤرخ الفرنسي يأتي بعد أيام قلائل من تصريحات غير مفهومة لرئيس الدبلوماسية الجزائرية الأسبق وأحد رجالات جبهة التحرير التاريخيين، في جريدة فرنسية أخرى صنعت جدلا كبيرا في شبكات التواصل الاجتماعي محليا، ما يعني أن هناك أوساطا في الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط، تريد صناعة رأي عام في فرنسا، ينزع نحو الحد من الشعور بالانتكاسة لدى الفرنسيين، من الهزيمة النكراء التي تعرض لها جيش الاحتلال في الجزائر.

مقارنة ما حدث للولايات المتحدة الأمريكية في أفغانستان في عام 2021، بما حدث لفرنسا الاستعمارية في الجزائر قبل 59 سنة خلت، هو محاولة للتنفيس، برأي متابعين، عن ذكرى أليمة لا زال الفرنسيون يرفضون الاعتراف بها إلى غاية اليوم، وقد جاءتهم الفرصة في نكسة واشنطن في كابول، ليسلّوا أنفسهم، لأن هزيمة الولايات المتحدة الأمريكية وهي ما هي، ومن ورائها دول أخرى عظمى مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا، وأخرى لا تقل عنها قوة، على غرار كندا وأستراليا والعشرات من الدول الأخرى المشاركة في التحالف، أكبر من هزيمة باريس في الجزائر.

مقالات ذات صلة