-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

عن الإلغاء الأحادي الجانب للاتفاق الجزائري- الفرنسي لعام 1968 (3/3)

بقلم: مصطفى زغلاش
  • 732
  • 0
عن الإلغاء الأحادي الجانب للاتفاق الجزائري- الفرنسي لعام 1968 (3/3)

بعد الاطلاع على طبيعة حجج مؤيدي الانسحاب الأحادي الجانب من الاتفاق، يبدو من السهل تفكيكها وتفنيدها الواحدة تلو الأخرى.

– أولاً، وعلى عكس ما كتبه درينكورت، فإن اتفاق عام 1968 مرتبط قانونًا باتفاقيات إيفيان لأنه يشكل تنفيذًا لإعلان المبادئ المتعلق بالتعاون الاقتصادي والمالي بين البلدين المنصوص عليه في هذا الاتفاق.

– ثانيًا، يقر بأن الاتفاق لا يتضمن مادة الإنهاء من قبل أي من الطرفين ويعتبر أنه في هذه الحالة “ينطبق القانون الدولي العامّ، أي في هذه الحالة، اتفاقية فيينا المؤرخة 23 ماي 1969 بشأن قانون المعاهدات”. ولكن بالنسبة للاتفاق المذكور “لا يجوز الانسحاب من جانب واحد من المعاهدة، باستثناء لاعتبارين، من ناحية، إذا ثبت أنه دخل في نية الأطراف قبول إمكانية الانسحاب ومن ناحية أخرى، ما إذا كان يمكن الاستدلال على حق النقض من طبيعة المعاهدة”. وهذان الاعتباران لا ينطبقان على اتفاق عام 1968 بقدر ما تنص المادة 12 منه على إنشاء لجنة جزائرية فرنسية مشتركة “مسؤولة بشكل خاص عن تقديم حلول مرضية للصعوبات التي قد تنشأ”.

ومع ذلك، فإن أتباع التنديد من جانب واحد يصرون على الاعتقاد بأنه على الرغم من كل شيء، يمكن لفرنسا أن تلجأ إليه. بالنسبة لهم، الدافع جاهز تمامًا: كل ما يتطلبه الأمر هو أن تعلن الدولة الفرنسية أن الاتفاق “عفا عليه الزمن لأنه لم يعد يستجيب للسياق السياسي أو الاجتماعي المرتبط في البداية بالهجرة” وذلك لتمرير “الجرعة” إلى السلطات الجزائرية.

ثالثا: إدراكًا من عدم جدوى استحضار المبررات القانونية للتنديد بالاتفاق، فإنها تعترف بفتور، أن السؤال له جانب سياسي، ويضيف درينكور، أن “الحكومة التي ترغب في استعادة النظام في سياستنا للهجرة سوف يجب أن تأخذ زمام المبادرة”، وبالتالي تضع نفسها على هامش الشرعية الدولية!

وخوفًا من صعوبة فعل التنديد من جانب واحد والسعي بلا شك إلى إقناع نفسه بمزايا أطروحته، يتكهن الدبلوماسي السابق برد فعل السلطات الجزائرية التي “لن تُفاجَئ باستنكاره (الاتفاق)»، علمًا بأنه كان «في سنة 2023، يعدّ هذا الاتفاق شذوذًا وأن هذا النص لم يعد ضروريًا».

الواقع أن هذا التحليل لم يعد تحليلا سياسيا بل إنه “كارتومانيسة cartomancie” أو كهانة سياسية.

رابعاً: مبشرا بفكرة ومدافعا عن عكسها في الوقت ذاته، أعرب الدبلوماسي السابق عن قناعته بعدم وجود صلة قانونية بين اتفاقيتي إيفيان و1968 من جهةن ويعترف كذاك بأن تنديد فرنسا بالاتفاق سيعيد الوضع إلى الوراء “أي إلى زمن التنقل الحرّ بين البلدين مثلما كان الحال قبل استقلال المستعمَرة الفرنسية” (الجزائر) وبعبارة أخرى، في الوقت الذي كان من المفترض أن الجزائريين مواطنون فرنسيون يتمتعون بحرية التنقل بين البلدين، إلا أن هذا لا يتوافق مع الواقع منذ أن أرست اتفاقيات إيفيان إطار العلاقات الجزائرية الفرنسية بمجرد حصول بلدنا على الاستقلال، وليس قبل ذلك.

خامسا: في حين أن سيوتي “تمرد” ضد “سيادة التشريعات الأوروبية والاتفاقيات الدولية على القانون الفرنسي، لا يتردد درينكورت في اللجوء إلى اتفاقية شنغن الأوروبية، لاستنتاج أن “نقض الاتفاق (1968) من شأنه أن يضع الرعايا الجزائريين تحت السيطرة المشتركة” لقانون اتفاقيات شنغن وبالتالي، يجب عليهم الخضوع للالتزام بتقديم جواز سفر وتأشيرة سارية المفعول”. إلا أنه يجب على الدبلوماسي السابق و”أنصاره” ألا يتجاهلوا أن اتفاقية شنغن تتعلق بالتأشيرة السياحية، وليس تأشيرة الإقامة الطويلة التي تعدّ أحد أسس إقامة الأجانب في فرنسا.

سادسا: أخيرًا، يقترح في النهاية مؤيدو النقض أحادي الجانب لاتفاق 1968 إمكانية عرض “مناقشة من جانب فرنسا تسمح بإنشاء إطار قانوني جديد مع الجزائر وتكييفه مع سياق الهجرة الفرنسية في القرن الحادي والعشرين”. وإذا كانت نيّتُهم هي تحسين وتحيين إطار الهجرة بين بلادهم والجزائر وتعزيز العلاقات متعددة الأوجه بين بلدينا منذ عام 1962، لكانت هذه الفكرة قد ظهرت في مقدّمة مقترحاتهم، وليس باعتبارها الطريقة النهائية للعلاقات الجزائرية- الفرنسية. لأن حسب اعتقاد بعض المحللين الفرنسيين إن التنديد أحادي الجانب باتفاق 1968 ستعدّه الجزائر “إعلان حرب” من شأنه أن يؤدي إلى أزمة كبيرة في العلاقات بين البلدين.

أعتقد بعض السياسيين في فرنسا أن بإمكانهم استخدام قضية الهجرة كأداة ضغط سياسي ضد الجزائر، متناسين الموقف الجزائري المبدئي المتمثل في رفض أيِّ ارتباط بين مسألة التأشيرات وإعادة قبول المواطنين المجودين في وضع غير قانوني في الخارج. الموقف الجزائري ليس خاصا بفرنسا، بل ينطبق على كل الدول الأجنبية المعنية بهذا الموضوع.

الوضع السياسي الهشّ لمستقبل فرنسا في بعض البلدان الإفريقية يجب أن يشجِّع السلطات الفرنسية على الامتناع عن فتح جبهة توتر جديدة مع الجزائر على أساس اتفاق 1968. في هذا السياق، يجب أن تستعد الجزائر بالفعل لأي احتمال. إن تشابك المصالح الجيوستراتيجية الثنائية والمصالح الاقتصادية، مدعومة بعامل إنساني وتاريخي وثقافي مهم، يجب أن تحافظ على العلاقة الجزائرية الفرنسية من التقلبات السياسية الظرفية.

ماذا سيصبح مصير فرنسا وحتى أوروبا من دون الهجرة؟ شيخوخة فرنسا بحاجة إلى المهارات والعمال الأجانب الشباب لضمان بقائها الاقتصادي والاجتماعي، وهذه طاقة بشرية يؤثر ضياعها سلبا على عملية التنمية الوطنية في الجزائر وغيرها من البلدان النامية.

إن التحدي الذي تواجهه فرنسا رهيب، كما تشير بوضوح ميشال تريبالات Michèle Tribalat، وهي باحثة ديموغرافية فرنسية، إذ كتبت “من عام 2010 إلى عام 2022، انخفض عدد المواليد السنوي في فرنسا بمقدار 119.000 بينما ارتفع عدد الوفيات بمقدار 111.000 ونتيجة لذلك، انخفض معدل الزيادة الطبيعية في عام 2022 وحده وهي الأدنى منذ عام 1946، إذ زاد عدد المواليد بمقدار 32.000 فقط عن عدد الوفيات”.

بالنسبة لأولئك الذين يعتبرون خطأ أن اتفاق 1968 مجمد في الزمن وبالتالي يشكل فجوة في العلاقات الجزائرية الفرنسية، من الضروري تذكيرهم بأن البلدين أدخلا 3 تعديلات على الاتفاق ومن خلال تبادل الرسائل لجعلها أقرب إلى ديناميكيات الهجرة في فرنسا، وأن هذه التعديلات أخذت دائمًا في الاعتبار تطور تدفق الهجرة بين فرنسا والجزائر.

بغضِّ النظر الاختلافات الدورية، فإن العلاقة الجزائرية الفرنسية لها بُعدٌ إنساني لا يمكن تجاهله بل يمكن استثماره من قبل الحكومتين لصالح الشعبين. وللتذكير، يظهر هذا البُعد في “إعلان الجزائر من أجل شراكة متجددة”، الموقَّع خلال الزيارة التي قام بها إيمانويل ماكرون إلى الجزائر، في أوت 2022 والتي تضمنت على الخصوص الإعلان عن إنشاء لجنة مشتركة من المؤرخين الجزائريين والفرنسيين للنظر في مسألة الذاكرة “بلا محرمات”.

أكد الرئيس الجزائري ارتباط الجزائر باتفاق 1968 خلال مقابلة أجريت في ديسمبر 2022 مع صحيفة “لو فيغارو” ولم يكن هذا التمسك من المحرّمات على الإطلاق ضد تحديث بنود الاتفاق، بشرط أن يأتي من إرادة الطرفين، كما كان الحال مع التعديلات الثلاثة، علاوة على ذلك، توجد لجنة مشتركة لهذا الغرض.

أخيرًا، يلاحَظ أن الرئيس الفرنسي وحكومته يبدو أنهما منشغلان بمشروع القانون الجديد بشأن الهجرة بشكل عامّ، ولاسيما شروط الحصول على الجنسية الفرنسية، وتعزيز المراقبة الحدودية وخاصة مكافحة الهجرة غير الشرعية التي تجتاح كل أوروبا وحتى بلادنا. لم يتم مناقشة مصير اتفاق عام 1968 علنًا ولا يبدو أنه يمثل أولوية سياسية حالية. السؤال يبقى هل يتصرف رئيس الدولة الفرنسي بدافع الواقعية فيما يتعلق بثقل العلاقات الجزائرية الفرنسية في سياسة فرنسا العربية والمتوسطية وشمال إفريقيا، أم أنه لا يريد وضع آفاق زيارة رئيس الدولة الجزائري المرتقبة في سياق التحدي الذي ستكون فيه المصالح الفرنسية بالجزائر غير مستقرة لفترة طويلة؟ سيخبرنا الوقت عن هذا.

ومهما كان سبب صمت المسؤولين حول هذا الموضوع، فإن الوضع السياسي الهشّ لمستقبل فرنسا في بعض البلدان الإفريقية يجب أن يشجِّع السلطات الفرنسية على الامتناع عن فتح جبهة توتر جديدة مع الجزائر على أساس اتفاق 1968. في هذا السياق، يجب أن تستعد الجزائر بالفعل لأي احتمال. إن تشابك المصالح الجيوستراتيجية الثنائية والمصالح الاقتصادية، مدعومة بعامل إنساني وتاريخي وثقافي مهمّ، يجب أن تحافظ على العلاقة الجزائرية الفرنسية من التقلبات السياسية الظرفية.

إلا أن تحريض التيار السياسي اليميني ضد هذا الاتفاق يخلّ بالحد الأدنى من الهدوء الذي لا يزال موجودًا في علاقة بلادنا بفرنسا. إن زيارة الرئيس الجزائري إلى فرنسا التي طال انتظارها وقد تشكل فرصة جديدة نحو تفاهم متبادل أكثر شمولاً وهدوءًا لأولويات التعاون الجزائري الفرنسي الذي يظل اتفاق 27 ديسمبر 1968 حجرَه الأساس.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!