عميمور للشروق:الشاذلي ظلمني نتيجة وشايات..والشيخ سلطاني عارض السلطة لأنه كان طامعا في وزارة الأوقاف
يعود وزير الإعلام الأسبق ومستشار الرئيس الراحل هواري بومدين ومستشار الشاذلي إلى مرحلة جد مهمة من تاريخ الجزائر الحديث بوصفه واحدا من الذين كانوا شهودا على المرحلة، خاصة فيما تعلق بعلاقة الرئيس الراحل هواري بومدين مع الإسلاميين وبعض القيادات الوطنية مثل يوسف بن خده والطاهر الزبيري، حيث يروي عميمور خلاصة 13 سنة من العمل مستشار إعلامي في الرئاسة، كما يعود عميمور في حواره مع الشروق إلى مرحلة الشاذلي وأحداث أكتوبر وعلاقته بحزب الإنقاذ ورأيه في النقاش الدائر حول فتح مجال السمعي البصري وقانون الإعلام.
-
بصفتك وزيرا سابقا للإعلام، هل أنت مع فتح قطاع السمعى البصري أمام الخواص وكيف تتصور قانون الإعلام المطروح للنقاش؟.
-
بغض النظر عن منصبي الوزاري السابق، أنا أرى أن فتح القطاع السمعي البصري أمام الخواص قادم لا محالة، شئنا أم كرهنا، لكن قضية الإعلام يجب أن تؤخذ ككل، وتطرح فيها كل المعطيات التي تحدد مهمة الإعلام في بلدنا، لنتمكن من تقديم إعلام متميز يتكامل فيه الرأي مع الخبر ولا يختلطان ولا يطغى أحدهما على الآخر، ويتحقق فيه للصحافي الحرية الحقيقية في ممارسة عمله وفي أداء دوره المتميز، وتتضح فيه المسؤوليات ولا تختفي وراء مراكز مالية أو إدارية أو حزبية، تسمع عنها ولا تراها، وكل هذا يتطلب عملا جادا بعيدا عن المزايدات والمناقصات وبريء من الخلفيات التي تتراقص في أذهن البعض من الباحثين عن تحقيق أهداف شخصية لا علاقة لها بمطامح الأمة.
-
وهنا أقول إن هذا كله هو المهمة الأساسية لوزارة الإعلام، وأنا لا أقول… الاتصال، لأنني أتحدث عن الأصل وليس عن الفرع.
-
أنا أعرف أن هناك من ينادي بإلغاء الوزارة تقليدا لدول سبقتنا في مجال الممارسة الديمقراطية، لكنني أقول إن وجود وزارة الإعلام ضروري جدا وخصوصا قبل ترسيخ الممارسة الديمقراطية على كل المستويات، وضرورة وجودها رهن بشرطين: الأول، أن يكون مسئول الإعلام جزءا رئيسيا في عملية اتخاذ القرار وليس مجرد منفذ له، وهذا يعني أن تكون وزارة الإعلام في طليعة وزارات السيادة بجانب الدفاع والخارجية والداخلية.
-
أما الشرط الثاني الذي قد يدهشك، فهو أن يدرك وزير الإعلام بأن مهمته الرئيسية بالنسبة للمدى البعيد يجب أن تستهدف إلغاء وزارة الإعلام نفسها.
-
وهذا يعني أساسا أن يكون قرار الإلغاء نابعا من داخل المؤسسة الإعلامية نفسها وليس إرادة سياسية عابرة أو قرارا يكاد يكون انتقاميا، ويتم ذلك بعد إعداد كل الشروط الموضوعية لكي تختفي الحاجة إلى وجود وزارة، وأهمها تقنين قواعد الممارسة الإعلامية بحيث لا تكون المهنة تحت رحمة كل من هب ودب، لمجرد أنه يملك سلطة ما، إدارية أو مالية، ولكي لا يكون مُمول الجهاز الإعلامي، دولة أو حزبا أو جماعة أو فردا، قادرا على التحكم في إرادة الإعلامي أو في أدائه، ناهيك عن التحكم في حياته الوظيفية نفسها، وإلى جانب ذلك تتحمل الوزارة مهمة ضمان المصادر الإخبارية، بإلزام كل الهيئات الإدارية والاقتصادية، العامة والخاصة، على فتح ملفاتها وكشف ممارساتها أمام رجل الإعلام الباحث عن الخبر، وضمان التأمين الكامل لكل من يمارس التغطية الإعلامية، خصوصا في المناطق التي تشكل خطرا على الحياة، وتتحمل الوزارة أيضا مهمة إقامة تمثيل نقابي لكل العاملين في المجال الإعلامي وتمكين الصحافي من حماية مصادره المشروعة، وكل ذلك بموجب سلطات تمنح للوزارة من القيادة السياسية وتؤهلها لذلك.
-
والمهم أن تكون إدارة الشأن الإعلامي عملية شفافة يكلف بها وزير الإعلام دون غيره، ويحاسب عليها بشكل مزدوج، فتكون هناك محاسبة الدولة، على المستوى التنفيذي والتشريعي، ومحاسبة مجموع الإعلاميين من خلال نقابتهم.
-
وعندما يتم تقنين كل ذلك، ينتخب بكل نزاهة وشفافية مجلس إعلام أعلى، يمثل الإعلاميين ويذود عنهم ويدافع عن حقوقهم ويعاقب المخطئين منهم في حق المجتمع أو حق
-
المواطنين.
-
وأعتقد، استكمالا للإجابة على سؤالك، أن علينا دراسة أمرين: الأول، تجربة الصحافة الجزائرية الخاصة ومواجهة هذا الكم الكبير من الصحف الذي لا يحقق فائدة إعلامية ويعيش عالة على دخل إعلانات لا يقرأها أحد. والثاني، ممارسات التلفزة المصرية الخاصة خلال أزمة الكرة التي افتعلت عمدا لتوريث الحكم في مصر، وكادت تصل ببلدينا إلى وضعية لا تحمد عقباها، ولمجرد أن الإعلام الخاص لم يكن أكثر استقلالية من الإعلام الحكومي، وهو ما يعني أن الخصوصية لا تعني الاستقلالية بشكل آلي.
-
ومعنى هذا باختصار أن الحرية مسؤولية، وليست مجرد مقدرة مالية.
-
أما بالنسبة لقانون الإعلام، فكنت أعددت مشروعا يتضمن تلك المعطيات ويستهدف نفس الهدف، لكن الظروف لم تعطني فرصة تحقيقه، وأنا شخصيا أعتقد أن قانونا للإعلام لا يناقشه ويعتمده مجموع الإعلاميين هو خداع للنفس.
-
-
لو كان الدكتور عميمور اليوم وزيرا للإعلام ما هي أولوياته؟
-
أولوياتي أن أستقيل فورا، فقد تعودت أن أعمل بأسلوب معيّن لا أعتقد أن إمكانيته متوفرة اليوم، ولا أحب أن أظلم نفسي وأظلم الآخرين.
-
-
قيل غداة استبعادك من الوزارة في حكومة بوتفليقة أن الأمر كان بإيعاز من اللوبي الفرانكفوني في الحكومة لأنك كنت شديد التعصب للغة العربية؟
-
أنا لم أكن متعصبا للغة العربية بأي حال من الأحوال، لكن هناك من كانوا متعصبين ضد اللغة العربية قولا وعملا، وهو أمر لا يمكن أن أقبله أو أنسجم معه، ولعلك تتذكرين تصريح زعيم سياسي قال بأن تعيين عميمور على رأس الوزارة هو كارثة، ولن أذكرك بتعليقات زملاء لك واجهوني منذ اليوم الأول بالعداء، وإلى درجة أن مسئولا إعلاميا نهر صحافيا اقترح عليه نشر تعزية لي إثر وفاة والدتي، وكان ردّ المسئول: “فلان ما هوش انتاعنا”، وأنت تعرف أنه كان هناك من يتعامل معي بكره شديد للمرحلة البومدينية التي ارتبطت بها، ومن كان يردد صيحات حق أريد بها باطل كضرورة فتح الباب أمام الشبيبة والتخلص من ديناصورات السبعينيات، وأنا أزعم أنني أكثر شبابا من بعض من يتصورون أنهم شباب، لمجرد حساب سنوات
-
العمر.
-
باختصار شديد، كنت أحسّ في قصر القبة كمن عُقد قرانه صوريا على امرأة متعددة الأزواج.
-
والواقع هو أن الأمور كانت أكثر تعقيدا، وكانت مرتبطة، في تصوري، بتوازنات كثيرة دفعت ثمنها.
-
ورجاء، لا تسأليني ماذا أنجزت لأنني سأسألك: ماذا أنجز رفاق لي قضوا مدة لعلها أطول من المدة التي قضيتها على كرسي الوزارة، ولن تجد الإجابة لأن أي شخص يجمع بين إمكانات غوبلز وكيسنجر وهيكل وغيرهم من دهاة الإعلاميين لا يمكن أن يصنع شيئا له قيمة في جو لا يسمح بذلك، وأنت تعرفين التفاصيل.
-
وسأحاول الإجابة على كل التساؤلات في إطار كتاب سيكون عنوانه… فلان، وزيرا زاده الخيال.
-
وهنا وللأمانة، يجب أن أسجل امتناني للرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي تفضل، بعد أيام قليلة من إعفائي، بتعييني عضوا في مجلس الأمة، ثم أعاد تعييني لعهدة جديدة عند نهاية عهدتي الأولى، وكان معنى هذا لكل لبيب يفهم بالإشارة أن إعفائي من المسؤولية لم يكن لقصور في الكفاءة أو لتقصير في الأداء أو عن خيانة للأمانة أو تعدد في الولاء، والشكر هنا واجب رغم أنني أعرف أنه سيعطي بعض المتحذلقين فرصة المزايدة، لكنني أؤمن بأن من لم يشكر الناس لم يشكر الله.
-
-
قلت إنك كنت ضحية توازنات دفعت ثمنها، هل لنا أن نعرف نوعها؟
- ستجدين الكثير في كتبي المنشورة، والباقي أحتفظ به لكتبي القادمة.
-
نقلت وسيلة إعلامية أجنبية عن الرئيس بوتفليقة في بداية عهدته أن الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد اجتمع بميتران في 1988 لساعات ولا يستبعد أن يكون هو الذي أقنعه بضرورة الاتجاه نحو الانفتاح الديمقراطي وركب بعدها الكثيرون الموجة سواء الإسلاميين أو الشيوعيين بصفتك كنت مستشارا إعلاميا للرئيس الشاذلي هل سبق أن حدثك في هذه النقطة؟
-
لم أسمع بذلك، ولم أكن أتحمّل أي مسؤولية إعلامية أو غير إعلامية آنذاك تمكنني من معرفة التفاصيل، وما أعرفه على وجه التأكيد هو أن الرئيس الشاذلي طلب مني شخصيا في بداية الثمانينيات، وكنت عضوا في لجنة تعديل الدستور، أن أحاول إدخال مادة تجسد نظرته للديمقراطية وتحدد عدد العهدات الرئاسية، وأعترف أنني فشلت لأن رفاقا كثيرين وقفوا ضد الاقتراح، ومنهم من شكاني للرئيس على أساس أنني أخلق المشاكل، واتسم موقف الرئيس بالرجولة والمسؤولية حيث قال لهم: أنا من طلبت منه ذلك.
-
-
من وقف ضد محاولاتك لإدراج مواد تدعم الديمقراطية وتحدد العهدات الرئاسية في دستور 23 فيفري 1989 بطلب من الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد؟
-
نفس العناصر التي نجحت في إجراء تصفيات منتصف الثمانينيات، ولا أستطيع، عفّةً، أن أذكر الأسماء، خصوصا ومنهم من رحل إلى دار البقاء.
-
-
مازالت مرحلة حكم الرئيس الشاذلي بن جديد محاطة بالكثير من الغموض، خاصة فيما تعلق بمسئولية الرئيس الأسبق في أحداث أكتوبر وكذا ارتفاع الأسعار، أي أن الشاذلي في نظر الشارع الجزائري هو “صاحب العشرية السوداء”، هل كان الشاذلي بكل هذا السوء؟
-
أعتقد بكل أمانة أن الرئيس الشاذلي ظلم كثيرا، في حين أنه رجل بذل الكثير ليكون في مستوى المسؤولية، وأنا بالطبع أتحدث عن المرحلة التي عملت فيها إلى جانبه وهي العهدة الأولى، قبل أن يتم تصفيتي في منتصف الثمانينيات لتضيع من عمري خمس سنوات أنهاها الرئيس بأن أدرك أنني أيضا ظلمت، وعهد إليّ بسفارة الجزائر في باكستان، وقمت بواجبي إلى أن تمت تصفيتي للمرة الثانية في بداية التسعينيات، وادّعى البعض يومها أن إنهاء مهامي كان لأنني أرسلت تهنئة لحزب سياسي معارض كسب الانتخابات البرلمانية، ولم يكن ذلك صحيحا لأنني رجل دولة يعرف مسؤولياته، لكن الاتهام كانت مجرد مبرر للتخلص مني ومن كثيرين في مثل وضعيتي.
-
وأتصور أن أهم سبب أعطى للعشرية الثمانينية صفة “السوداء” التصفيات غير المبررة التي تمت خصوصا قبل منتصف العقد، وجرى فيها التخلص من جناح مهم في جبهة التحرير الوطني، الحزب الواحد آنذاك، والذي كان مفروضا أن يتجه تدريجيا نحو التعددية، وهو ما كنت تحدثت عنه مطولا في أكثر من مناسبة، مقدما أدلتي على وجود ذلك الاتجاه.
-
وارتبط ذلك بوضعية تناقض مع المرحلة السابقة التي وُصمت بكل التهم، وانسحب ذلك بالتالي على كل من شاركوا فيها أو ارتبطوا بها، وفيهم العشرات من خيرة الرجال، في حين أنها كانت المرحلة التي بنيت فيها أهم قواعد الجزائر المستقلة، وكان هذا هو البداية الحقيقية للانزلاق نحو المجهول، والذي حذرت منه عبر سلسلة المقالات التي عرفت باسم ”سلسلة الطلقاء”، كنت حذرت فيها من فتنة قادمة.
-
لكي أوضح ما أريد قوله، أعطيك مثالين: الأول الاتحاد السوفيتي الذي انهار تماما وضاعت حدوده وتحول في مرحلة معينة إلى بلد لا يشرف أحدا أن ينتسب له. والثاني، هو الصين التي أصبحت اليوم قوة دولية سياسية واقتصادية يُحسب لها ألف حساب.
-
لم يكن الحزب الواحد هو سر انهيار الاتحاد السوفيتي ولا كانت الشيوعية، وهما مازالا إلى يومنا هذا من خصائص الصين، لكن ما حدث هو أن موسكو بصقت على ماضيها وأهانت قادتها واستهانت بتاريخها. أما الصين فقد التزمت بتاريخها كله واحتفظت بالاحترام لكل رموزها وقادتها، من كونفوشيوس إلى صن يات سن إلى ماو تسي تونغ إلى تنغ سياو بنغ إلى الرئيس الأخير الذي لم أحفظ اسمه بعد.
-
وإلى يومنا هذا مازالت صورة ماو تتصدر ساحة تيان آن مين.
-
وعودة إلى الجزائر، يمكن القول بأن عملية الإقصاء السياسي استكملت وضعية سفه اقتصادي تعاملت بها السلطة في بداية الثمانينيات عندما ارتفعت أسعار النفط، تجسدت فيما سُمّي مشروع مكافحة الندرة (PAP) بحيث أصبحنا نستورد السمك المدخن (saumon fumé) وألعاب الفليبرز (التي تخلصت منها دول أوربا وباعتها لنا) وعندما انخفضت أسعار النفط بعد منتصف الثمانينيات رحنا نقترض قروضا باهظة الفوائد.
-
ولعلي أضيف هنا شيئا رئيسيا وهو أن أي أمة لا يمكن أن تتقدم إذا لم يكن لديها مشروع مجتمع يلتف الجميع حوله ويعملون تحت لوائه، وإذا لم توضع الضوابط لكي لا يتحول رأس المال الوطني إلى أداة قمع اجتماعي وسياسي، نبّه له يوما الرئيس بومدين عندما حذر من بروز طبقة تكون أبشع من الكولون.
-
بالطبع، الرئيس هو المسئول الأول، لكن هل يحق لنا أن نقول بأنه كان المسئول الوحيد؟
-
لكنني أستطيع القول إن الرئيس الشاذلي، الذي عملت معه، كان من أحسن الرؤساء العرب، ويكفي أنه الوحيد الذي وقف ضد غزو العراق، وأنا أقول هذا رغم أنني ظلمت في عهده وضاعت سنوات من عمري قضيتها في صحراء قاحلة، كان رفيقي الرئيسي فيها قلمي، وهذا في حد ذاته هو الذي يعطي المصداقية لكل كلمة خير أقولها في حق الرئيس الشاذلي، وأنا لا أحب أن أكون ”قليل خير”.
-
-
حسب ما فهمت من إجابتك أن الشاذلي ظلمك حتى وإن كان من غير قصد، كيف ذلك ومن هم الذين ظلمهم الشاذلي ومن ظلم الشاذلي؟
-
أنا ممن ظلمهم الرئيس الشاذلي كما قلت فعلا، وكمثال، نشرت كل من “جون أفريك” و”الوطن العربي” في وقت واحد، خبرا يقول بأن “الدكتور عميمور” يقوم بدور المدرس بالنسبة للرئيس الشاذلي بن جديد، وكان معروفا يومها أن علاقتي بالمجلتين سيئة جدا، ولا يمكن أن أكون أنا مصدر الخبر، الذي حملته للرئيس بنفسي لأقول له إن هناك من يحاول زرع الشكوك بيني وبينه. كانت تلك مرة عرفتها ولكن كانت هناك مرات لم أعرف بها وأوغرت صدر الرئيس عليّ، ولكنه اكتشف بعد سنوات أنه ظلمني، وهكذا قام بتعييني سفيرا في باكستان. أما من ظلموا الرئيس فهو أقدر منّي على الحديث.
-
-
قلت إن سبب استبعادك من منصبك هو إشاعة مفادها أنك بعثت بتهنئة للفيس لفوزه في الانتخابات، كيف كانت علاقتك بقيادات الفيس وهل تعتقد أن وقف المسار الانتخابي يومها كان قرارا صائبا؟
-
لم تكن عندي إطلاقا علاقات مع قيادة الفيس منذ افترقنا في لقاء طرابلس 1989 عندما قدمت السيدة منى واصف لرئيس الفيس فرفض مصافحتها، وقلت يومها إنه كان عليه ـ إذا كان يريد أن يكون رجل سياسة ـ أن يصافح السيدة، وهي مرجع عربي بالغ الأهمية، ويمكنه فيما بعد أن يتوضأ.
-
وإلغاء المسار الانتخابي بالطريقة التي تم بها لم يكن أمرا صائبا، لكن البديل كان سيكون وضعية فوضى لا يعلم أحد إلى أين يمكن أن تصل بنا.
-
-
على ذكر أحداث أكتوبر التي سمّاها البعض بثورة الخبز وقال البعض الآخر إنها كانت مفتعلة وبفعل فاعل كان فيها الشاذلي أداة، كيف ترى أنت حقيقة هذه الأحداث؟
-
لم تكن ثورة خبز كما أسمتها ألسنة السوء، وخصوصا من بعض الأشقاء، والمتوفر من المعلومات هو أن الأحداث لم تكن عفوية، وهو ما أكده على ما أذكر واحد من أبرز القيادات الجزائرية المؤهلة للحديث، وهو الجنرال نزار، وأنا أتفق معه في ذلك.
-
ولعلي أقول هنا إن سبب الأحداث الرئيس لم يكن السماح لحزب إسلامي بالنشاط على الساحة الوطنية ولكنه كان نتيجة لقانون الانتخاب الذي اعتمد نظام الأغلبية، وهو نظام يعطي الفائز الأول في الانتخابات وضعية برلمانية ساحقة، ومن هنا جاء غرور الفائزين الذين تصرفوا بكل حماقة.
-
وللتذكير، الفائز الأول حصل على نحو ثلاثة ملايين صوت فأخذ نحو 180 مقعدا، والحزب الثاني أخذ نصف عدد الأصوات لكنه لم يحصل إلا على 18 مقعدا.
-
ولو كنا طبقنا نظام النسبية لحصل كل حزب مشارك في الانتخابات على عدد من المقاعد ينسجم مع حجم الأصوات الذي حصل عليه، ولن يستطيع حزب ما أن ينفرد بأغلبية تعطيه فرصة التلاعب بتنظيم الدولة أو تهديد نظامها.
-
وأذكرك بأن هذا كان خلفية إنشاء مجلس الأمة في دستور 1996، الذي كنت ممن وقفوا ضده بينما هلل له من يهللون لكل قرار تتخذه السلطة.
-
ولقد كان الرئيس الشاذلي مخلصا في التعامل مع الجميع، ولكن القيادات التي مدّ لها يده وأعطاها فرصة ممارسة النشاط على الساحة السياسية في وضح النهار لم تكن أمينة على ثقة مئات الآلاف من المواطنين الشرفاء، فغدرت بالرئيس، وأطلقت عليه اسم: مسمار جحا، ووصلت بها الحماقة إلى حد رفع شعار: لا ميثاق لا دستور ـ قال الله وقال الرسول، وهو موقف انقلابي دفعت البلاد ثمنه غاليا.
-
ولاحظ أنني أتحدث عن القيادات، لأن القواعد بشكل عام لم تكن بذلك السوء، بل كانت في معظمها أكثر وعيا من بعض قياداتها، ولكن أصوات الخير قمعت وحجمت.
-
-
ذكرت أيضا أن أحداث أكتوبر لم تكن عفوية ولم تكن ثورة خبز، برأيك من كان يقف وراءها؟
-
وقف وراءها من استفاد من نتائجها، ومازالت هناك جوانب كثيرة غامضة.
-
-
بومدين كان يهاب الطاهر الزبيري كثيرا بصفتك كنت مستشاره، هل لك أن تحدثنا عن بعض تفاصيل الانقلاب الذي حاول أن يقوده ضده الطاهر الزبيري؟
-
أعتقد أن كلمة “يهاب” ليست هي الكلمة المناسبة، والرئيس بومدين، كما عرفته، لم يكن يهاب إلا الله وحده، ولعل خطأه الرئيسي هو أنه لم يكن يهاب الموت، ولم يكن يتوقع أن تختطفه المنية وهو في السادسة والأربعين من العمر.
-
وأنا أشهد أن الرئيس بومدين لم يتلفّظ أمامي طوال ثماني سنوات عملت فيها بجواره بأي تعبير يمكن أن يسيء للعقيد الطاهر الزبيري أو لنضاله أو لخلقه وسلوكه.
-
ولعلمك، أنا مازلت إلى يومنا هذا أؤدي التحية العسكرية للعقيد كلما التقيته، لأنني لا أنسى أنه كان رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي عندما كنت أنا مجرد طبيب في البحرية.
-
وأتذكر هنا يوما في الستينيات كنت أتناول القهوة مع العقيد في مقصف مطار العاصمة، وجاءني مواطن ليهمس في أذني متسائلا، ما إذا كان الذي أجلس معه هو العقيد الطاهر الزبيري، ورجاني أن أقدمه له، وهو ما فعلته وتركتهما معا وعندما عدت كان المواطن يودع العقيد وهو يقول له: لو كان سائقك في مثل تواضعك، وكان الأمر نفسه مع المسئولين الآخرين، لكنا في طليعة العالم كله.
-
ولقد سمعت أن سي الطاهر رفض بكل وطنية ورجولة الاستجابة لمحاولات قامت بها بعض قيادات ثلاثة بلدان شقيقة لاستخدام العقيد ضد نظام الرئيس بومدين، وردّ الرئيس بومدين بشكل عملي على ذلك الموقف النبيل يوم رفض اقتراحا لرئيس دولة شقيقة أراد مبادلة الزبيري بأحد القيادات السياسية التي عارضته وفرت إلى الجزائر.
-
وقيل لي أيضا، وهو ما لا أملك تأكيدا له من مصدر موثوق، إن الطاهر الزبيري رفض محاولة طلب فيها منه تسهيل عملية اختطاف الرئيس الأسبق أحمد بن بله بعد 19 جوان ونقله إلى بلد شقيق.
-
أما تفاصيل الانقلاب الذي أشرت له فلا أعرفها على وجه التدقيق، لأنني لم أكن يومها أشغل منصبا يمكنني من معرفة خبايا الأمور وتطوراتها.
-
-
قلت إن بعض الدول الشقيقة كانت تريد استعمال الطاهر زبيري كورقة ضغط على الجزائر، هل تقصد سوريا وليبيا حافظ الأسد والقذافي؟
-
ما أقصده جزء من التاريخ ليس من حقي أن أدخل اليوم علنا في تفاصيله.
-
-
يقول عنك خصومك إنك لم تكن بذاك القرب من الرئيس بومدين، عبد المجيد علاهم وأمير أقرب منك إلى بومدين؟
-
بداية، أتحدى أن يكون هناك من سمع مني أو قرأ لي ادّعاء بأنني كنت أقرب إلى الرئيس الراحل من آخرين، تشرفت بالعمل معهم إلى جواره وفي رعايته.
-
ولقد كتبت في أكثر من مناسبة أنني عملت بجانب الرئيس ثماني سنوات، وتخليت في بداية السبعينيات عن مهنة أعشقها لأنه طلب مني ذلك، ومارست نشاطي غالبا خلف الكواليس، ولدرجة أن كثيرين لم يكونوا يعرفون شكلي وصورتي، وحتى كتاباتي كنت أنشرها بتوقيع رمزي هو ميم دين.
-
ولقد فاجأني تعييني كمستشار للرئيس بقدر ما أغضب كثيرين من بينهم من كان يطمع في المنصب، ومنهم من كان يدّعي بأنني أحلم بأن أقوم بدور هيكل، وقلت أكثر من مرة أن هيكل هو هيكل وعميمور هو عميمور، وبغض النظر عن أن الوفاء للمسئول الذي منحني ثقته ليس أمرا أخجل منه أو أندم عليه، وأنا أعرف أن ذلك الوفاء هو من أسباب الإشارة دائما للأستاذ هيكل.
-
وأنت تعرف، وقد كنتُ أنا من بين من شاركوا معكم في انطلاقة الشروق، أنني لم أتلق دينارا واحدا مقابل ما نشرته عندكم، ولم أتلق دينارا واحدا مقابل كل مداخلاتي في التلفزة الوطنية وفي ندواتي ومحاضراتي عبر التراب الوطني خلال سنوات وسنوات، شأني في هذا شأن الكثيرين، ومن بينهم طاهر وطار وعبد الله ركيبي ويحيى بوعزيز رحمهم الله، وكذلك زهور ونيسي وكثيرون آخرون، وأنت تعرف أيضا المقابل الكبير الذي يتلقاه الأستاذ هيكل مقابل كتاباته وبرامجه، ومعظمه بالدولار والأورو والإسترليني، وهو حقه لا جدال في ذلك، وإن كان يثبت أنني ورفقائي في الجزائر كنا مغفلين.
-
ولقد اضطررت إلى الخروج إلى الضوء عندما بدأت محاولات التعتيم على الرئيس بومدين والإساءة له، وأخذت على نفسي عهدا ألا أسمح، في حدود إمكاناتي، بأن يدفن الرئيس بومدين مرتين، وكنت أرى في ذلك واجبا لا تجاه الرئيس الراحل فحسب ولكن تجاه شعبنا، وقلت بأن أمة تهين أفضل أبنائها سيهينها أسوأ الأبناء، وتلويث تاريخ الرجال تلويث للوطن كله، والاستهانة بما أنجزه شعبنا والتقليل من شأنه يزرع الشعور عند المواطن بالعجز وقلة الحيلة وبالتالي يلغي كل إمكانات البناء المستقبلي، وأعتقد أنني وكثير من الرفاق قمنا بواجبنا تجاه الوطن والرئيس الراحل، ويشرفني أن كثيرين ألتقيهم ولا أعرفهم شخصيا يقولون لي بشكل عفوي ٌنني أذكرهم بالرئيس بومدين.
-
وآمل أن يكون هناك من بين الرفاق من بذل ما بذلته في هذا المجال من جهد، طائعا مختارا لا أبغى عليه جزاء ولا شكورا، ولعلي أدعي أن لي دورا متواضعا يضاف إلى أدوار المدني حواس وعبد الرحمن شريط ومدني عامر وحمراوي حبيب شوقي وآخرين في تخليد اسم الرئيس بومدين.
-
من جهة أخرى، يجب أن نفهم أن معرفة مدى قرب إنسان معيّن من أي زعيم لا تعتمد على ما يمكن أن يدعيه الإنسان ولكنها أمر يؤكده أو ينفيه حجم المعلومات التي نجدها عنده ونوعية الآراء التي ينقلها عن الزعيم ودرجة معرفته بالمعالم الفكرية والصفات الحميمية للرجل الذي منحه ثقته، وبالتالي، فلست أنا من يحدد درجة القرب أو البعد أو حجمه.
-
ويبقى، وللتاريخ أن أقرب المسئولين السياسيين قاطبة للرئيس بومدين كان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وقد كنت رويت الكثير عن ذلك، وأقرب مسئولي الرئاسة للراحل كان عبد المجيد أعلاهم، وأقرب الأصدقاء من خارج الرئاسة كان رشيد زقار، وكنا جميعا، أنا وحمداني وأمير وحوحات والحاج يعلا وجزائري وآخرون، نمارس نشاطنا في رئاسة الجمهورية، كل في مجال اختصاصه، وبدون ادعاء أو تجاوز للاختصاصات.
-
ولقد اتهم البعض كتاباتي بأنها ذاتية، وهو ما اعترف به ولا أخجل منه، فقد تصرفت دائما كشاهد هو جزء من الحدث، وبالتالي فلم يكن من الممكن أن أروي ما عشته بدون أن أقول بأنني سمعت كذا ورأيت كذا وقيل لي كذا، واستعمال صيغة الشخص الثالث بحجة الموضوعية والبعد عن الذاتية هو إنقاص من مصداقية الحديث وهو بالتالي طرح من قيمة الرواية وليس إضافة لها، بجانب أنه يجسد عقدة لا تفسير علمي لها.
-
وعلى كل، فالباب مفتوح لمن استطاع أن يفعل أحسن مما فعلت.
-
-
ذكرت في بعض كتاباتك أن هناك من كان يسعى إلى استبعادك من منصب المستشار، هل بإمكانك أن تذكر لنا تلك الأطراف؟
-
هناك كثيرون يمكن أن يجيبوا على هذا السؤال، ويكفيني أن أقول بأن من بين من تتساءلين عنهم من أشار على الرئيس الشاذلي بتغيير وضعية المستشار برئاسة الجمهورية، لتكون وضعية: مكلف بمهمة، وذلك لتحجيم دور المستشار، بعد أن أدرك أنه يقوم بدور له أهميته معتمدا على الثقة الكاملة للرئيس، ومنهم من وقف ضد تعييني كسفير عندما أُنهيت مهمتي في رئاسة الجمهورية بأسلوب انتقامي رخيص، ومنهم من سرب لصحف أجنبية إدعاءات تروي عني ما لم أقله في حق الرئيس، وساهم في تحريضه على شخصي المتواضع.
-
-
بومدين كانت له خلافات مع الإسلامين خاصة الشيخ سلطاني كما كان على خلاف مع بن يوسف بن خدة. ما هي خلفيات تلك الخلافات؟
-
كنت، إثر استرجاع الاستقلال، منكبا على عملي الطبي لا أعرف غيره، وفي حدود ما سمعته، وناقل الكفر ليس بكافر، كانت المشاكل بين السلطة والشيخ نتيجة لرغبة الشيخ تولي وزارة الأوقاف في بداية عهد الرئيس بن بله، الذي فضل أن يكلف بها أحمد توفيق المدني. أما بالنسبة للإسلاميين أو من أعطى لنفسه حق الحديث باسمهم، فأتصور أن ذلك أخذ حجما عدائيا إثر خطاب الرئيس بومدين في لاهور، الذي استهجن فيه أن ندعو المسلمين إلى دخول الجنة ببطون خاوية، ويضاف إلى ذلك ما حدث خلال مناقشة الميثاق الوطني.
-
وأتصور أن البعض لم يحسن التعامل مع الرئيس، الذي كانت هناك ألسنة سوء تحاول الإيقاع بينه وبين التيار الإسلامي، ووصل الأمر إلى أن هناك من سرّب للسعوديين ادعاءات بأن بومدين شيوعي، وهو ما اكتشف الملك فيصل خطأه في أول زيارة له إلى الجزائر بداية السبعينيات.
-
أما بالنسبة للرئيس بن خدة، فتصوري أن الأمر يرجع إلى مرحلة مؤتمر طرابلس والشنآن مع الحكومة المؤقتة التي عزلت رئاسة الأركان وتسببت في إجهاض المؤتمر، لكنني أتصور أن غضب بومدين تصاعد على بن خدة عند إصداره مع ثلاثة من قدامى السياسيين في 1976 بيانا يطالب بالديمقراطية، ولكنه أقحم فيه موقفا متعاطفا مع الادعاءات المغربية في قضية الصحراء الغربية، في مرحلة كان الخلاف فيها على أشده بين الرئيس بومدين والملك الحسن الثاني، رحم الله الجميع.
-
-
بومدين أيضا مدّ يده لليسار والشيوعيين وقام بتصفية الوطنيين، ما هو سر هذا التحول؟
-
الرئيس بومدين كان يعمل لبناء دولة لا تزول رغم الأحداث وزوال الرجال، وهو مدّ يده لكل من أراد التعاون معه ومن قبل وضعية الانضباط التي تتطلبها عملية البناء في ظروف بالغة الصعوبة، ولابد من الاعتراف بأنه كان هناك من كانوا أكثر ذكاء من الآخرين، ورفعوا شعار “التأييد الناقد” (soutien critique) وضمنوا بالتالي المشاركة في السلطة بدون تحمل مسؤولية أخطائها.
-
أما ما تسميه “تصفية الوطنيين” فأتصور أن على من يدّعي ذلك أن يستعرض الأسماء ويبرز مدى كفاءتها أو نوعية قدراتها التي حرمت البلاد منها، وأعتقد أن كل من عملوا مع بومدين في المراكز القيادية كانوا من الوطنيين، اللهم إلا إذا كانت لديك أسماء معينة لم تكن كذلك.
-
لكن لابد أيضا أن ندرك بأن السلطة، خصوصا في مرحلة الانطلاق التنموي، هي رقم صحيح لا يقبل القسمة ولا يسمح بالشراكة، وهو يشبه وضعية الطائرة عند الإقلاع، حيث يفرض على الراكب أن يجلس على كرسيه ويربط الحزام ويعدل ظهر المقعد ويثني المائدة ولا يحتفظ إلى جانبه بأكواب زجاجية، وأتصور أن مشاكل كثيرة نتجت من أن بعض الرفاق القدامى لم يدركوا متطلبات السلطة، ولعلّي أقول هنا أيضا، بأن هناك من استغل الوضع ونجح في تسميم الأجواء بين المسئول الأول وعدد من رفاق السلاح، ولعل من أوضح مظاهر ذلك الشنآن الذي حدث بين الرئيس الشاذلي والمجاهد محمد الصالح يحياوي.
-
-
من كانت لهم مصلحة في تسميم الأجواء بين بومدين وبعض رفقاء السلاح؟
-
عليك أن تنتظري كتابي القادم، لكن هناك آخرين لعلهم أقدر مني على الإجابة.
-
باعتبارك كنت وزيرا للإعلام ومدير الإعلام بالرئاسة، كيف كانت تدار علاقة السلطة بالصحافة وهل كنتم تمارسون الرقابة على ما يكتب وبأية طريقة؟
-
للتوضيح، أنا كنت مستشارا بالرئاسة لشؤون الإعلام، ومهمتي الرئيسية كانت تقديم الصورة الملائمة والمتميزة لنشاطات الرئيس إلى الأجهزة الإعلامية، بما يخدم الصورة الجماهيرية المتألقة للمسئول الأول للبلاد، وفي الوقت نفسه كنت مسئولا عن مديرية الإعلام بالرئاسة التي كانت تعد للرئيس ملفات إعلامية يومية وتشكل قناة الاتصال بينه وبين مجموع الإعلاميين، وكان النجاح الذي حققناه بفضل نشاط مجموعة متميزة كان من بينها أحمد أويحيى وعمر حطاب وبن عاشور ويحيى ساكي ومحمد الصالح حمريط ومحمد طاع الله وآخرون، ولم أمارس يوما الرقابة على ما كتب ويكتب، بل كنت أضع أمام الصحافيين كل المعلومات التي تمكنهم من أداء دورهم الإعلامي، مع ملاحظة أنني كنت مكلّفا بإعداد النصوص الرسمية لتدخلات الرئيس ولخطبه، وبالتالي متابعة الالتزام الدقيق بالنصوص الرسمية.
-
وكنت على اتصال دائم بالصحافيين وأضعهم في الصورة بالنسبة لكل المعطيات المتعلقة بالنشاط الرئاسي، وأعتقد أن هناك كثيرين مازالوا يذكرون بكثير من الحنين أياما كان من أهم مميزاتها التعاون المبني على الاحترام والمحبة والتقدير.
-
ولعلي ارتكبت أخطاء في بدايات عملي، ولكنها كانت ناتجة عن عدم الخبرة، غير أنني لم أكن يوما ما سببا في طرد صحافي من عمله أو تسليط أي عقوبة عليه.
-
-
هل لك أن تعطينا بعض التفاصيل عن الأخطاء التي ارتكبتها في مديرية الإعلام بالرئاسة؟
-
أهم الأخطاء أنني أعطيت ثقتي كاملة لمن لم يكونوا في مستوى الثقة.
-
لكن هناك ما يمكن ألا يعتبر أخطاء قضية جوان 1972 ــ الفلاحين نشرت قضايا لم يكن تجب أن تنشر من ناحية المستوى، وغضب مني الرئيس لكنني اعترفت له بخطئي وبقلة تجربتي.
-
بالطبع هناك أخطاء حسبت عليّ ولم تكن أخطاء (في زلزال الأصنام بثت إذاعة أوربا الخبر قبل أن نذيعه نحن، لأنني لم أكن قادرا على إذاعة الخبر بكل تفاصيله قبل معرفة مركز الزلزال واتخاذ كل الاحتياطات لتلافي حدوث فوضى، وهو أمر لا يهم الصحافي الأجنبي الذي بث خبرا عرفه كل من يعيشون على هذه الأرض بشرا وحيوانا، ولا فضل له في معرفته، وهو ليس رجل دولة يهمه ما يصيب المواطنين في وضعية الذعر.
-
-
ما تقييمك للصحافة الجزائرية في الوقت الراهن؟
-
الصحافة والإعلام بوجه عام ظل لعود، ولا أعتقد أن كثرة عدد الصحف يمكن أن يعتبر نهضة صحفية، وأنت تعرف أن عددا كبيرا من الصفحات في كثير من الصحف هو إعلانات تعطى غالبا للترضية لأن عدد القراء محدود، وهكذا تتذكر المثل الشعبي عن “كمشة نحل”.
-
وأستطيع أن أقول بأن عندنا نخبة متميزة من الصحافيين باللغتين، العربية والفرنسية، ولكنني لا أستطيع أن أقول ذلك عن الصحافة كمؤسسة أو كجسد (corps) ويكفي أن أذكرك بأن تكريم صحافي الشروق قادة بن عمار في دبي لم يتعرض له الكثيرون من كتابنا، حتى بالقدح، ناهيك عن المدح، ولعلك تعرف أن كثيرا من الصحافيين لا يقرأون ما يكتبه صحافيون آخرون، بحيث نجد أن منهم من يقوم بما يقوم به ذلك المغني الذي لا يسمع إلا أغانيه.
-
باختصار، هناك عمل كبير يجب أن يتم، أهم ضماناته وزارة قوية تملك قرارها ونقابة قوية للإعلاميين تتكامل معها وتضمن حقوق كل الإعلاميين وجهد يقوم به كل إعلامي في الإطلاع وفي متابعة الأحداث وعدم الاعتماد على ما يمكن أن يوزع من تقارير أو ما تبثه الإنترنت.
-
وفضيحة كبرى ألا يحظى بجائزة الصحافة في دبي إلا صحافي واحد.
-
وهذا هو الشرط الرئيسي الذي يمكن الصحافة من أن تقوم بمهمة السلطة الرابعة، لا أن تكون كمجرد أداة تنفيذية تتحرك بالمهماز، أيّا كان من يحركه من خارج الإطار الإعلامي.
-
- كيف تقرأ الصراع بين المعربين والمفرنسين منذ الاستقلال إلى اليوم؟
-
هو شرخ رهيب لا يبشر بخير، وقنبلة إنشطارية موقوتة تنفجر مكوناتها يوما بعد يوم، وأنا ممن يرون أنه لا مستقبل لأمة لا تتمسك بلغة واحدة موحدة، والدليل أمامنا في بلجيكا وفي أفغانستان وفي باكستان وفي السودان، وبالتالي فإن طريق الرقي هو وحدة وطنية تجسدها لغة وطنية واحدة يتمسك بها الجميع، ولا تخشى من وجود لهجات أو لغات محلية لا تنافسها أو تحاول الحلول محلها بل تتكامل معها إثراء للوضعية الثقافية وتنشيطا لها.
-
-
- ما رأيك في الإصلاحات الجاري تناولها في مشاورات بن صالح ولماذا لم يكن لك دور فيها؟
-
أرجو خيراً للوطن وللأمة، وليس لي في المشاورات أي دور، ربما لأن هناك من رأى أنني لا أمتلك المؤهلات التي تتوفر في كثير من المشاركين، وبالتالي فأنا أكتفي بمتابعة الأمور عن بعد، ولعلي أقول لنفسي أحيانا… إللي ما شاورك… هنـّاك.
-
-
- صراحة ومن خلال تتبعك لجلسات الحوار الوطني كيف ترى اتجاه الإصلاحات في الجزائر وبرأيك هل تبدو نية السلطة جدية في إحداث التغيير، وما رأيك في استبعاد قيادات الفيس من جولات الحوار؟
-
أعترف بأنني لم أتابع جلسات الحوار بالجدية التي تسمح لي بالحكم عليها، وأتصور أن القيادة راغبة فعلا في إحداث إصلاحات، ولكن هناك من يخشى منها.
-
من جهة أخرى، الفيس أصبح جزءا من الماضي والحديث عنه اجترار لا طائل من ورائه، والأجدر أن ندرك بأن هناك من عناصر الفيس السابقة عدد كبير من المواطنين المخلصين لا يمكن تجاهلهم، وبالتالي فيجب أن تفتح الساحة السياسية لكل مواطن صالح يريد المساهمة في بناء الوطن.
-
-
هل الدكتور عميمور نادم على شيء ما في مساره ولو حدث إن عاد بك الزمن للوراء هل كنت ستغير بعض المواقف أو بعض القناعات أو بعض المواقع؟
-
عملت مع رئيس الجمهورية دائما في الكواليس، ولم أحاول استثمار موقعي للحصول على مكاسب مادية أو أدبية، وأعترف أنني أحيانا أحس بالندم لأنني أضعت مكاسب كثيرة مقارنة بآخرين في العالم كله كانوا في مثل موقعي، وأنت ترين أين أسكن وكيف منذ أكثر من أربعين سنة. وما يسرّي عني هو ما ألقاه من كثيرين من محبة وتقدير.