الرأي

عليكم بـ”الفاتيكان” عنده لا تضيع القدس!!

ح.م

القدس في أدبياتنا حلم ضائع، تغنى بها الشعراء، وصدحت بها الحناجر على أوزان مقامات شرقية، وهتافات شعبية ابتلعت الفضاءات صداها، التقت مع خطاب سياسي خشبي، يطفئ جذوة الغضب في حفل استهلاك إعلامي، يتلقاه الرأي العام صاغرا، قبل أن يعود مستذكرا هموما تحاصر حياته اليومية.

معركة القدس المؤجلة استثمار رخيص في بورصة أحزاب سياسية، وأنظمة ترتدي عمامة التقوى، أجادت التهديد والوعيد في منابر الأئمة، ومادة إعلامية جاهزة تملأ الفراغات في مساحات البث الطويل.

اثنان وسبعون عاما والمعركة محتدمة في منتديات السياسة ومكاتب الإعلام المرئي والمقروء والمسموع، والمتطوعون لإشعال فتيلها أخذوا مواقعهم أمام التلفاز أو المذياع، يحتمون بخنادق آمنة في المواقع الخلفية، وتختفي وجوههم خلف صفحات الجرائد المقروءة في مقهى على ناصية طريق.

صراع تاريخي أحاله المتنفذون إلى نصوص في أدب السخرية السياسية، أما المنظرون فقد زجوا به في مراكز الدراسات والبحوث، مادة أكاديمية وفق معيار منهجي تستحق القراءة، بينما حصرت المراجع الدينية القدس في محراب تاريخ قدسي يؤجج العواطف في غياب الأدوات التي تحكم الواقع.

“صفقة القرن” لم تسرق القدس اليوم، في ورقة نقلت وسائل الإعلام مضامينها، القدس مدينة فقدتها الأديان الإبراهيمية، حين دنستها الأقدام الصهيونية الهمجية في 5 جوان 1967، وعمدت إلى إحراق المسجد الأقصى فيها عام 1969، فكان الرد كما الردود التي نتداولها اليوم، لم تعد لنا الحق المفقود.

قرارات الأمم المتحدة 242 و338 مرجع شرعي يضمن جزءا من الحق الشرعي، لم يعد قابلا للتطبيق، وأبواب أوسلو التي فتحت أمام هذا الحق المجزأ، أغلقت من جديد، حتى جاءت “صفقة القرن” وختمت أبواب القدس الشريف بختم الصهيونية – الإنجيلية التي يعتنقها الرئيس دونالد ترامب ويطبق تعاليمها الزائفة بعقل متطرف.

إنجيلية تنتعش في البيت الأبيض الآن، يهتدي ترامب، بهدي تعاليمها ومعتقداتها، المسطرة في تعاليم توراتية، ترى أن “الكتاب المقدس يعد بالقدس للشعب اليهودي في كل العصور”، مستشهدة بآية من سفر التكوين جاء فيها: “اخترت أورشليم ليكون اسمي فيها واخترت داود ليكون على شعب إسرائيل”.

معتقدات إنجيلية، لا تتلاقى مع مبادئ دولة الفاتيكان ومعتقداتها، ولا يؤمن بها “البابا فرنسيس مالك السلطة الإدارية والتعليمية على الكنيسة الجامعة، المعصوم في شرح العقيدة انطلاقا من كرسي القديس بطرس”.

رفضت دولة الفاتيكان قرار الرئيس دونالد ترامب باعتبار القدس عاصمة لـ”إسرائيل”، وترى بلسان البابا فرنسيس أن “القدس لا تزال المدينة المقدسة، ومدينة لجميع الناس، مدينة فريدة من نوعها ومقدسة بالنسبة للمسيحيين واليهود والمسلمين في جميع أنحاء العالم”.

مقاربات يطلقها “الفاتيكان” تفتح لنا باب التحرك عالميا، كخيار متاح لإسقاط “صفقة القرن” ببناء رأي عام عالمي يستثمر طروحات البابا فرنسيس المؤمن بأن القدس “حاضنة للديانات الثلاثة” والمحذر من “تهويد” القدس الذي يؤدي إلى “قرع طبول الحرب، وجعل التطرف سيد الموقف”.

خطط التحرك باتجاه العالم عبر دولة الفاتيكان التي تتبعها كنائس الشرق والغرب في القارات الخمس لإسقاط “صفقة الفرن” أكثر جدوى من بيانات ومقررات سياسية لم تسترجع حقا سلب منذ سبعة عقود.

مقالات ذات صلة