الرأي

على خُطَى الإمام ابن باديس (1)

من فضل الله –عز وجل- عليّ وتَوفيقه لي أن قضيت الأسبوع الماضي سائِحا في ناحية من وطني الغالي، الذي يقول الشاعر ابن الفكون القسنطيني عن قطعة منه:
يا سائلاً عن وصْفها إن كُنتَ ذا نصَفٍ
قُل: جنة الخلد، فيها الأهلُ والولدُ
لقد كنتُ طيلة الأسبوع مملوءا حبورا وسرورا، حيث اتصلتُ مع جزء من أبناء وطني، متعرِّفا على بلدي، مُسَرِّحا طَرْفِي في سحره الأخاذ، وجمالِه الآسر، داعيا إلى سبيل الله، وإلى وَحْدَة وطني أرضا وشعبا، منبِّهًا إلى ما يُتربَّص به، وما يُكَاد له من أعدائه الداخليين قبل الخارجيين.
لقد مَنَّ الله –عز وجل- عليَّ فأنزلني الإخوة الذين تشرفت بالاتصال بهم في سويداء قلوبهم، غامرين لي بِوُدٍّ خالصٍ لاَشية فيه مما أنساني نَصَبَ السفر، وما يعانيه الإنسان في مثل سِنِّي من ضعف، فلله الحمد والشكر، على آله وأفضالِهِ التي لا منتهى لصغارها فضلاً عن كبارها، وأجلُّهُنّ الانتساب إلى هذا الشعب المجاهد، والانتماء إلى هذا الشعب،كل ذلك بعد أن هداني وشعبي إلى الايمان به، عز وجل..
كانت البداية في يوم 14-8-2023، حيث حللتُ قسنطينة التي يقول عنها شيخنا أحمد حماني: “لا يفضُلُ قسنطينة إلاّ مكة والمدينة”، فشاركت أحدَ الإخوة فرحَهُ بزفاف ابنه، والتقيت مع بعض من باعدتْ بيننا الأقدار والديار..
وفي مساء ذلك اليوم، تشرفتُ بدعوة القائمين على مسجد “عمرو بن العاص” –رضي الله عنه- لإلقاء كلمة بين العِشاءَين، وقد اخترت الحديث عن أهمية “الوحدة الدينية” لشعبنا، التي يسعى شياطين الإنس من المتنصرين لِثَلْمِها، انطلاقا مما جاء عن وطننا في مؤتمر كْلورادُو، وما جاء في تقرير “لجنة التنصير” في كنيسة كلِيفلانْد وهو تحت عنوان: “37 نصيحة للمنصرين في الجزائر”، هذا التقرير الصليبي الذي نشرته مجلة “البيان” اللندنية في شهر أكتوبر من سنة 2000، بعدما عرَّبهُ “مركز التنوير الإسلامي” في القاهرة، وكُنا الأوْلى بترجمته ونشره على أَوسع نطاق في وطننا تنبيها للغافلين، وتحذيرا من عواقبه الخطرة على وحدتنا الدينية، التي بذلت فرنسا، الملعونة، ما بذلت من جهود بشرية وأموال لضرب هذه الوحدة التي تحطّمت عليها مؤامرات لافيجري، ودوفوكو، وماسينيون وغيرهم.
وفي يوم الثلاثاء، كُنتُ على موعد مع الإخوة في مدينة الخروب، حيث تشرّفت بإلقاء الدرس نفسه عن وحدتنا الدينية ووجوب الاعتصام بها لإفشال كل المخططات الخبيثة لإيجاد “أقلِّيَّة نصرانية” في وطننا تكون كـ”مسمار جحا” في القصة المعروفة.
وقد تأكَّدتُ في مدينة الخروب من متانة هذه “الوحدة الدينية”، بعدما أُنْبِئتُ أن المسجد الذي سألقي فيه كلمتي يحمل اسم الإمام “إبراهيم بيوض”، رحمه الله.
ظننت، عندما علمتُ اسم هذا المسجد، أن القائمين عليه من إخواننا الميزابيينن لأن الإمام بيوضاً من سكان القرارة، وأكثرهم يتمذهبون بالمذهب الإباضي، وهو إمامهم، ولكن الإخوة أكدوا لي أنهم ليسوا من منطقة ميزاب، وأنهم ليسوا إباضيين، ولكنهم يفخرون بإخوانهم الميزابيين، ومجـُلُّون الإمام إبراهيم بيوضاً الذي كان عضوا مؤسّسا لـ”خير جمعية أُخْرِجت للناس” وهي جمعية العلماء، وكان بينه وبين إخوانه من أعضاء الجمعية مودة، واحترام، وكان بالمرصاد لشياطين الإنس والجن في قضية “فصل الصحراء عن الشمال”، فتحية حارة لإخواني في “مسجد الإمام إبراهيم بيوض” في مدينة الخروب الذين ردّوا عمليا على قول القائل:
“أنا حَنْبَلِيٌّ ما حَيِيتُ فإن أَمُتْ.. فأُوصي أحبَّائي أن يتَحنْبَلوا بعدي”

مقالات ذات صلة