الرأي

على‮ ‬نفسها‮ ‬جنت‮ ‬براقش‮!‬

قادة بن عمار
  • 4993
  • 16

في‮ ‬كتابه‮ ‬عن‮ ‬الثورة‮ ‬المصرية،‮ ‬يقول‮ ‬الناشط‮ ‬السياسي‮ ‬وائل‮ ‬غنيم‮: “‬قبل‮ ‬سقوط‮ ‬نظام‮ ‬مبارك،‮ ‬كنّا‮ ‬بحاجة‮ ‬إلى‮ ‬فوز‮ ‬آخر،‮ ‬وهذه‮ ‬المرة‮ ‬في‮ ‬الشارع،‮ ‬وليس‮ ‬فقط‮ ‬عبر‮ ‬الأنترنت‮”!‬

يعود الشارع في مصر مرة أخرى إلى الاحتجاج ضمن مشاهد لم ترق بعد في مظاهرها وتنظيمها إلى مستوى الثورة الحقيقية رغم بعض الشعارات المرفوعة هنا وهناك والداعية لإسقاط أول نظام منتخب من طرف المصريين في استحقاق شرعي وشفاف بعيدا عن التزوير والبلطجة وشراء الذمم والأصوات‮.. ‬لكن‮ ‬وماذا‮ ‬بعد؟

الواقع أن نصف الثورة التي انتصرت شكليا على رموز نظام مبارك ووضعتهم جميعا داخل السجن، هي نفسها الثورة الناقصة التي تم تسليم مفاتيحها وقوائم شهدائها على طبق من فضة إلى تنظيم الإخوان المسلمين، والذي صرح قياديون فيه قبل اندلاع الأحداث في مصر أنهم لا يملكون لا الرغبة ولا القدرة على إدارة الحكم. اليوم، وبعد الذي شاهدنا في مصر، منذ سنتين من سقوط مبارك وتولي الإخوان المسؤولية في العام الأخير، فإننا بدأنا حقا نصدّق عجز الجماعة وعدم قدرتها على التسيير، وإن كنا لم نصدق غياب الرغبة في امتلاك السلطة من الأصل!

ينطبق على الإخوان في مصر المثل العربي القديم “على نفسها جنت براقش”.. فلا ضعف المعارضة وتشتتها، ولا انقسام الشارع وتشرذمه، ولا حتى استمرار رموز النظام السابق وفلوله عبر أكثر من موقع، يشكّل خطرا على الجماعة، لكن الخطر الحقيقي يأتي من الداخل، ومن قيادات إسلامية‮ ‬وجدت‮ ‬نفسها‮ ‬فجأة‮ ‬في‮ ‬الحكم‮ ‬دون‮ “‬كتالوج‮” ‬لتسيير‮ ‬الشأن‮ ‬العام،‮ ‬وفي‮ ‬قبضتها‮ ‬نفوذ‮ ‬مرعب،‮ ‬وسلطة‮ ‬رهيبة،‮ ‬وكيان‮ ‬دولة‮ ‬مشتت،‮ ‬وشعب‮ ‬يبحث‮ ‬عن‮ ‬الخبز‮ ‬والأمان‮ ‬في‮ ‬آن‮ ‬واحد‮!‬

بعض القيادات في تنظيم الإخوان المسلمين تتعامل مع السلطة وكأنها تسيّر مسجدا أو لجنة دينية، حتى إن أحدهم لم يجد مانعا في الرد على استعجال الشعب ومطالبته تغيير الأوضاع، بالقول: تمهلوا علينا، فلا أحد يمكنه استلام محل تجاري ثم يبحث عن الأرباح فورا!

المصيبة‮ ‬أن‮ ‬الإخوان‮ ‬مثل‮ ‬غيرهم‮ ‬يتعاملون‮ ‬مع‮ ‬الأوطان‮ ‬على‮ ‬أنها‮ ‬محلات‮ ‬تجارية‮ ‬ومع‮ ‬الشعوب‮ ‬على‮ ‬أنهم‮ ‬مجرد‮ ‬زبائن‮!‬

من يشاهد رئيس الحكومة المصرية هشام قنديل سيتأكد فعلا أن هذا الشاب المهذّب لا يمكنه أن يتحمل مسؤولية بهذا الحجم، وأنّ أقصى ما يمكن أن يحلم به هو تولي مسؤولية وزارة، أو ربما إدارة مؤسسة عمومية!

حتى‮ ‬الرئيس‮ ‬مرسي،‮ ‬قالها‮ ‬بصريح‮ ‬العبارة‮: ‬لقد‮ ‬عينت‮ ‬هشام‮ ‬قنديل‮ ‬على‮ ‬رأس‮ ‬الحكومة‮ ‬لأنه‮ ‬رجل‮ “‬يسمع‮ ‬الكلام‮”.. ‬نفس‮ ‬منطق‮ ‬مبارك‮ ‬وكل‮ ‬الرؤساء‮ ‬المستبدين‮ ‬والدكتاتوريين‮ ‬على‮ ‬مر‮ ‬التاريخ‮!‬

في المقابل، تدرك المعارضة المفتقدة للشعبية، والحاضرة بقوة في وسائل الإعلام، أنها تمتلك من رجال الدولة، ما تستطيع بهم إحراج الجماعة، والسلفيين، والأمر لا يتعلق بواحد أو اثنين وإنما نخبة تدرك معنى السلطة وخباياها، في الوقت الذي لم ترتق فيه القيادات الإسلامية‮ ‬منذ‮ ‬توليها‮ ‬زمام‮ ‬الأمور،‮ ‬من‮ ‬منطق‮ ‬الولاء‮ ‬الأعمى‮ ‬لعنصر‮ ‬الكفاءة‮ ‬الحقيقية،‮ ‬كما‮ ‬لم‮ ‬تتطور‮ ‬الجماعة‮ ‬بعد‮ ‬لتصبح‮ “‬نخبة‮”!‬

مقالات ذات صلة