الجزائر
استهتار وفوضى في المنتزهات والحدائق والأسواق

عطلة الشتاء تعرض 10 ملايين تلميذ لعدوى كورونا!

وهيبة سليماني
  • 2067
  • 0

اكتسحت الكثير من العائلات الجزائرية، خلال عطلة الشتاء التي تم تقديمها وتمديدها إلى ثلاثة أسابيع، المنتزهات والحدائق والمساحات الكبرى للتسوق، مرفقة بأبنائها الذين خرجوا في عطلة مبكرة! استهتار وتراخ دون أدنى مبالاة بعدوى كورونا، وفوضى عارمة تتميز بها هذه الأماكن، لا تباعد ولا كمامات في أغلب الأحيان، والأهم استغلال أيام العطلة للخروج بصحبة الأولاد.

وعلى قدر التجاهل الصارخ لبعض الجزائريين، لإجراءات الوقاية من جائحة كورونا، وتجاوزها في الشارع وفي أماكن التسلية والترفيه، والأسواق، يتخوف هؤلاء من تمديد آخر لعطلة الشتاء بسبب موجة رابعة للفيروس، دون وعي منهم أنهم باستهتارهم هذا يكونون أول المتسببين في انتشار الوباء على نطاق واسع.

ورصدت “الشروق اليومي” في جولة استطلاعية قادتها بعد أسبوع من بداية عطلة الشتاء، إلى بعض الحدائق والمنتزهات، ومساحات التسوق الكبرى، والمراكز التجارية أجواء العطلة الشتوية في هذه الأماكن، حيث كانت البداية من حديقة التجارب الحامة بالعاصمة، التي فتحت أبوابها للزوار منذ شهر فيفري الماضي، أين كانت بعض العائلات تصطحب رضعا وأطفالا، وسط عشرات الزوار.

ويبدو أنّ الاكتظاظ في مدخل حديقة الحامة، كان مؤشرا قويا على الإقبال الكبير للعائلات بهدف الترويح عن النفس والتسلية وتخفيف ضغط جائحة كورونا على أولادهم، حيث رغم أن سعر تذاكر الدخول لا تقل عن 70دج للشخص، إلا أن ذلك لم يمنع بعض الأسر من تفويت فرصة مدة أسابيع دون دراسة تشغل أبنائهم عن الخروج للتنزه.

تلاميذ يهربون من اكتظاظ ساحات المدارس إلى فوضى أماكن الترفيه

ورغم أنّ هذه العائلات كانت متفرقة إلى حد ما داخل الحديقة، إلا أن اللعب لم يمنع الأطفال من الاحتكاك والاختلاط بشكل لا يمكن التحكم فيه، فعلاوة عن الكبار الذين لم يرتد أغلبهم الكمامة، وحتى الذين يحملونها معلقة في رقابهم، عبّرت سيّدة جاءت رفقة والدتها البالغة من العمر 79 سنة، عن استيائها إزاء اللامبالاة بعدوى كورونا من طرف اغلب الزائرين للحديقة.

بن اشنهو: خرجات عطلة الشتاء سترفع عدد الإصابات بكورونا

وقال حارس بالحديقة إن الأعوان قبل دخول الزوار ينصحون بارتداء الكمامة، لكن يبدو أنّ اكتساح المكان أياما بعد العطلة الشتوية، بالأطفال الذين كانوا رفقهم أوليائهم، جعل نوعا من الفوضى تسود حول بركة الأسماك في الحديقة، وفي المسالك المؤدية للحديقة الفرنسية، وأمام مدخل حديقة الحيوانات.

وأكّد الحارس أنّ دورهم يتمثل في إلزام هؤلاء الزوار قبل الدخول بارتداء الكمامة، ولكن لا يمكن حسبه، فرضها على الأطفال، كما لا يمكن كبح جماح حرية هذه الفئة في اللعب بأريحية ومنعهم من الاختلاط مع أقرانهم، مشيرا إلى أن هذه مهمة عائلاتهم.

الصابلات.. هنا يلتقي تلاميذ من مختلف الجهات!

ورغم الإقبال الملحوظ على حديقة الحامة، إلا أنّ حجم الاكتظاظ يبقى أقل في جميع الأحوال مقارنة بمنتزه الصابلات بحسين داي، حيث كان هذا المكان الخاص بالتسلية والترفيه، وجهتنا الثانية.. أمواج بشرية هائلة جعلت من إجراءات فيروس كورونا المستجد حبرا على ورق.

واستقطبت “الصابلات”، رحلات سياحية منظمة من طرف جمعيات، ووكالات سياحية، جلبت إليها عائلات من مختلف الولايات والمناطق، مصحوبة بأبنائها الذين يتواجدون في عطلة مدرسية، قصد الاستمتاع والتنزه، ناهيك عن بعض الأسر التي قدمت خارج هذه الرحلات المنظمة بمفردها لتحقق رغبة فلذات الأكباد في السياحة والتسلية، وهو ما جمع أطفالا في مساحات اللعب بـ”الصابلات”، تعدى عددهم التلاميذ الذين يجتمعون في ساحات المدارس.

ومعلوم أنّ منتزه “الصابلات” يستقبل يوميا خلال العطل المدرسية، أعدادا هائلة من بلديات العاصمة والولايات الأخرى، باعتباره وجهة سياحية بحرية تتوفر على مختلف الخدمات وفضاءات ترفيه مجهزة بالألعاب، إلى جانب اتساع مساحات خضراء وأخرى لممارسة الرياضة، وكراسي وطاولات خشبية، حيث ساعد صفاء الجو وتوقف هطول الأمطار، خلال الأسبوع الماضي، في قضاء عائلات أوقات ممتعة في هذا المنتزه على ساعات الليل، وسط التوافد الكبير للزائرين، وهم نسبة كبيرة منهم تلاميذ.

وحسب جولتنا الاستطلاعية إلى “الصابلات”، فإن الكثير من العائلات اجتمعت على الموائد الخشبية للأكل وشرب الشاي والقهوة، بينما كان الأطفال وأغلبهم من التلاميذ الذين استفادوا من العطلة المدرسية يتزاحمون حول الألعاب، ويتدافعون على شراء حلويات وأكلات خفيفة وأشياء أخرى تخصهم، في أجواء مرحة ومميزة، واختلاطهم ليس أقل مما كانوا عليه في ساحات المؤسسات التربوية قبل العطلة.

المراكز التجارية الأكثر استقطابا للعائلات خلال العطلة

ونظرا لبرودة الطقس، وجدت بعض العائلات خلال العطلة المدرسية في المراكز التجارية خيارا أفضل من الحدائق والمنتزهات المطلة على البحر، وذلك للاستمتاع رفقة أبنائها في أجواء دافئة، تتوفر فيها أماكن ترفيه، وألعاب تسلية، ومحلات ومطاعم، مثلما هو الحال في المركز التجاري”أرديس”، و”كارفور”، والمركز التجاري “حمزة” بباش جراح، و”المول” ببراقي، والمركز التجاري لباب الزوار.

وتجوب مثل هذه الأماكن، خلال عطلة الشتاء، في الغالب النساء وأكثرهن الماكثات في البيت، حيث الخروج للتبضع فرصة للاستمتاع رفقة الأطفال، وتحقيق الراحة من خلال التسوق كأحسن طريقة للتسلية والترفيه وتفريغ ضغوطات الدراسة، دون خسائر مالية كبيرة أو التنقل إلى وجهات أخرى، تكلّف الوقت والمال، وتحتاج لتخطيط مسبق.

وقالت سيدة تحدثت إليها “الشروق اليومي” في المركز التجاري بباب الزوار، إن غلاء تكاليف الحياة اليومية، والتخوف من فيروس كورونا وبرودة الطقس، أخلطت أوراق بعض الجزائريين خلال عطلة الشتاء، حيث لم يعرف بعضهم أين يقضي أبنائهم هذه العطلة، موضحة أن هروبها رفقة أولادها الثلاثة إلى هذا المركز، برغم حالة الاكتظاظ، سببه برودة الجو وعدم امتلاكها لسيارة تتنقل بها إلى الحدائق أو مساحات الترفيه الأخرى.

وعبّرت فتاة تدرس في الثانوية، كانت رفقة شقيقتها الكبرى، عن استيائها من حالة التدافع داخل المركز وعدم التزام بعض زبائنه بالكمامة، واحتجت على صعود أكثر من ثلاثة أشخاص داخل المصعد، قائلة إن النّساء لا يملكن خيارا إلا المراكز التجارية، خاصة أن أغلب أزواجهن يقضون يومهم في العمل، وأن الأبناء عليهم أن يتمتعوا من عطلة الشتاء رفقة أمهاتهم.

وترى سيدة أخرى، أنّ الأطفال بحاجة إلى الراحة والمرح لإعطائهم نفسا جديدا بإبعادهم عن ضغوطات الدراسة، حيث تجد النساء، حسبها، أنفسهن أمام مهمة اصطحاب أبنائها، ولكن قد لا تستطعن الذهاب في رحلة سياحية أو الخروج إلى الحدائق والغابات والمناطق الجبلية، فلا يكون أمامهن سوى المراكز التجارية ومساحات التسوق الكبرى.

وفي عطلة الشتاء خيارات أماكن الترفيه والتسلية قليلة، وبرودة الطقس قد تمنع البعض من الخروج للتنزه، وفي هذا السياق قالت سيدة ماكثة في البيت كانت رفقة ابنيها، إن الخروج للتسوق بالنسبة لامرأة مثلها، يكون فرصة خلال العطلة المدرسية، وإن المراكز التجارية وجهة مفضلة، حسبها، لدى الكثير من العائلات خاصة في ظل موجة برد غير مسبوقة.

بن أشنهو: ترقّبوا بعد 15 يوما نتائج الاستهتار بالوقاية!

وفي سياق الموضوع، وصف المختص في الصّحة العمومية الطبيب فتحي بن أشنهو، التصرفات اللاواعية لبعض الجزائريين في التعامل مع إجراءات الوقاية من فيروس كورونا، بالفوضى والاستهتار، وقال إن هنالك إهمال واضح للتربية الصحية للمواطنين من طرف الجهات المعنية، رغم أن كل توقعات الخبراء عبر العالم تتحدث عن موجة رابعة، وأن الكثير من المختصين في الجزائر يؤكدون أنّ ارتفاع حالات الإصابة بـ”كوفيد19″ يستمر خلال فصل الشتاء.

وانتقد بن أشنهو التصرف غير عقلاني للمواطنين الجزائريين في عطلة الشتاء، حيث كان من المفروض، حسبه، التزام العائلات رفقة أبنائهم بإجراءات الوقاية من الوباء، وتفادي الاختلاط، إلا أنهم تجاهلوا ذلك، أن هناك فيروسا قاتلا على الأبواب اسمه “أوميكرون”، وأنّ الموجة الرابعة لكورونا تهددنا بحالة غلق محتملة، قد تؤدي أيضا إلى تمديد عطلة أبنائهم وتعطيل العملية التعليمية في المدارس.

وأكّد الطبيب فتحي بن أشنهو، أن حالة الفوضى التي سادت الأسواق، والمنتزهات والحدائق خلال عطلة الشتاء، والخروج للاحتفال بعد تأهل الفريق الوطني لكرة القدم لنهائي كاس العرب، ستظهر نتائجها الكارثية بعد 15 يوما حيث من المتوقع في مثل هذه الحالة تضاعف حالات الإصابات بكورونا.

وتخوف بن اشنهو من كارثة صحية معلقا “إن الحركية التجارية وعودة التسلية والترفيه قد ينعش الاقتصاد الوطني، لكن ذلك خطر على الصحة العمومية”، وبالتالي لا يمكن حسبه، أن نربط السياسة بالصحة.

الصّحة الجوارية شعار إداري فقط

واستغرب فتحي بن أشنهو تجاهل قواعد الوقاية من عدوى كورونا وعدم الالتزام بها، رغم كل التحذيرات المتكررة من طرف وسائل الإعلام بمختلف أنواعها وأشكالها، ويرى المختص أن التربية الصحية باتت حتمية في قطاعه التعليم لترسيخها في أذهان الأجيال الصاعدة.

وقال إن للجزائر نظاما صحيا لا يركز على التربية وغرس قيم الحفاظ على الصحة العمومية، ومراعاة قواعد الوقاية من عدوى الأمراض والأوبئة، واصفا الصحة الجوارية بـ”الشعار الإداري” الذي يفتقر لتكوين الأطباء والتكوين القاعدي والوعي الصحي.

ويرى المتحدث أن الفوضى التي تعم الأماكن العمومية، والمنتزهات، والأسواق، والحدائق، هو “لعب بالنار في ميدان الصحة، والهدف فقط هو الربح التجاري، والاقتصادي”.

مقالات ذات صلة