الجزائر
كانت وراء انتفاضة الرئيس تبون على فساد النقل البحري.. المحاكمة تكشف:

ضياع 1000 رحلة سنويًّا للسفن الجزائرية للتصدير والاستيراد

نوارة باشوش
  • 11343
  • 0
أرشيف

فجّر الرئيس المدير العام السابق للشركة الوطنية للنقل البحري ـ شمال فضيحة من العيار الثقيل، حينما كشف أن السفن التابعة لشركة “كنان” لنقل البضائع من وإلى الخارج، تتوقف جامدة في الموانئ الجزائرية بمعدل ضياع 900 إلى 1000 رحلة في السنة من دون إبحار أو نشاط، بسبب انعدام الكفاءة لدى الأطقم البحرية ونقص عدد الموظفين وكذا المشاكل التقنية والفنية للسفن، ناهيك عن السفن التي تم حجزها بالموانئ الأجنبية، على غرار سفينة “ستيديا”، وهو ما أدى إلى تدهور الوضع المالي للشركة وإيصالها إلى حافة الإفلاس، بعد أن خرقت البند المنصوص عليه في المادة 715 من القانون التجاري، بتدحرج رأس مالها تحت عتبة المليار دينار.
وقد واصل رئيس القطب الجزائي الاقتصادي والمالي، إلى ساعة متأخرة من ليلة الثلاثاء إلى الأربعاء، استجواب بقية المتهمين المتابعين في ملف الفساد الذي طال قطاع النقل البحري المتابع فيه المدير العام السابق للشركة الوطنية للنقل البحري للبضائع “شمال”، المدعو “ج. ل”، والمديرين العامين السابقين للشركة “ع.س.و” و”غ.س.ع”، المتواجدين رهن الحبس المؤقت، إلى جانب 32 متهما آخر تم وضعهم تحت إجراء الرقابة القضائية.

“كنان” كانت في وضع كارثي وعلى حافة الإفلاس
القاضي يستجوب الرئيس المدير العام السابق للشركة الوطنية للنقل البحري ـ شمال ـ المتهم “غ.س. العربي”، الذي اعترف أن الشركة عند توليه منصب المدير العام كانت في وضع كارثي من كل النواحي وأنه هو من أعد “المخطط الخاص” لإنقاذ الشركة من الإفلاس والغلق النهائي.
القاضي: انت متابع بتهم التبديد العمدي للمال العام والاستعمال على نحو غير شرعي لأموال وممتلكات عمومية، إساءة استغلال الوظيفة على نحو يخرق القوانين والتنظيمات من أجل الامتناع عن أداء عمل من أعمال الوظيفة.. تفضل؟
المتهم: أنكر هذه التهم.. اسمح لي سيدي الرئيس أن أعرّج على مشواري المهني قليلا، أنا التحقت بمنصب الرئيس المدير العام لشركة النقل البحري للبضائع ـ شمال في 16 سبتمبر 2018، بعد أن تم تعييني من طرف وزارة النقل، وقبل ذلك كنت إطارا في شركة النقل البحري للمحروقات منذ عام 1986 إلى غاية خروجي إلى التقاعد في 2022.
وأضاف المتهم “أحيطكم علما سيدي الرئيس أنني كنت منتدبا في شركة النقل البحري للبضائع ـ شمال بقرار من وزارة النقل، ولقد وجدت الشركة في وضع حرج وكارثي لا يمكن وصفه لكم… فلا رئيس مدير عام فيها ولا مدير عام ولا رئيس مجلس إدارة.. وهلم جرا… وفي جوان 2017 قمنا بدراسة ميزانية السنة التي كانت قبلها وهنا اكتشفنا الكارثة الكبرى، حيث رأسمال الشركة كان أقل من مليار دينار، أي كانت تحت البند المنصوص عليه في المادة 715 من القانون التجاري، الذي ينص في هذه الحالة على إلزام الشركة بالإعلان عن الإفلاس أو الغلق النهائي.
القاضي: واصل .
المتهم: في شهر نوفمبر 2017، اجتهدنا وأعددنا ما يعرف بـ”مخطط الإنقاذ”، مصادق عليه من طرف مجلس إدارة الشركة ومجمع” GATMA” وكذا وزارة النقل، إذ سجلنا عدة نقائص رئيسية وثانوية، ويتعلق الأمر بـ7 أو 8 نقائص كبرى على غرار نقص اليد العاملة، طاقم بحري بدون كفاءة، عدم وجود سوق محددة للشركة، إذ أن الدولة قامت بشراء السفن من دون توفر المشاريع بمعنى “عوم بحرك” كما يقال بالعامية.
القاضي: من قام بشراء السفن؟
المتهم: سيدي القاضي، عندما التحقت بالشركة وجدت هذه السفن قد تم شراؤها، وليس لي أي علاقة بالعملية..
المتهم يواصل إحصاء النقائص المسجلة قائلا: “معظم عقود الاستيراد كانت مسؤولية نقل البضائع فيها تقع على عاتق المتعامل الأجنبي وهذا الأخير له الحرية المطلقة لاختيار الناقلين وهذا لا يخدم الشركة أبدا… سيدي الرئيس في شهر سبتمبر 2018 وصلت الشركة إلى أقصى درجات الحضيض، عدم دفع الأجور لمدة شهرين أو ثلاثة، وضع مالي متدهور… السفن متوقفة “ما عندك وين تتحرك”، ومع هذا فإن “مخطط الإنقاذ” الذي باشرته تزامنا مع تعييني كرئيس مدير عام مكّننا من تجاوز ولو قليلا الأزمة، والحمد لله الظروف كانت معنا، خاصة أننا كنا في فترة نهاية السنة، إذ تتضاعف عملية الاستيراد.
وتابع المتهم “الأمور تحسنت نوعا ما وعدنا إلى النشاط رويدا رويدا، وهذا ما سمح لنا بانطلاقة جديدة لإنقاذ الشركة من المصير المحتوم وهو الإفلاس أو الغلق، إذ قمنا بدفع الأجور وفي ظرف 6 أشهر نجحنا في تحصيل الأموال، فقط أعلمكم سيدي الرئيس، أننا كنا في كل مرة نلجأ إلى وزارة النقل، لكن لا حياة لمن تنادي، على غرار طلبنا بتقديم مقترح من أجل تكوين الضباط والبحارة، لكن بقي ذلك مجرد حبر على ورق”.
أما فيما يخص الجانب التجاري يقول المتهم “طلبنا من شركات أخرى مساعدتنا من خلال تزويدنا بطاقم بحري وشركتنا هي من ستدفع أجورهم، لكن بعد موافقة من وزارة النقل فشلت العملية، بل الأكثر من ذلك كلما قمنا بتكوين الأفراد يهربون من الشركة، من دون أن تتدخل وزارة النقل لإيقاف المهزلة، بل بقيت تتفرج على ذلك”.
وأوضح المتهم أنه في إطار تحسين وضعية الشركة قاموا باستئجار سفن لاستعمالها من طرف الأجانب لنقل البضائع الخاصة التي لا يمكن لسفننا شحنها، كما لجأنا إلى توظيف المتقاعدين أصحاب الكفاءات العالية والتجربة الطويلة في الميدان أمام انعدام الكفاءات في الشركة.
القاضي: واصل.
المتهم: سيدي الرئيس، عموما نجحنا أو بالأحرى تمكنا من حل بعض المشاكل، لكن الكبرى منها لا تزال قائمة على غرار انعدام الكفاءة لدى الأطقم البحرية ونقص عدد الموظفين، مما أدى إلى توقيف السفن لمدة تتراوح بين 900 و1000 رحلة في السنة .
القاضي: سؤال يتكرر في كل مرة كيف لسفن عمرها 5 سنوات، إلا أنها تبدو في الظاهر كأنها تجاوزت الـ50 سنة، أيعقل هذا؟
المتهم: سيدي الرئيس لابد أن تعرف أن الدولة اشترت سفنا جديدة ولا يمكننا ادخالها للصيانة والمراقبة التقنية في أقل من سنتين، فهذا من غير المعقول.
وفي هذا الأثناء يقاطعه القاضي قائلا: “لكن جميع التحفظات المذكورة في الخبرة أو تصريحات المتهمين على غرار مشاكل الصيانة والاختلالات التقنية أو الإمداد كلها تسببت في حجز سفننا في الموانئ الأجنبية.
المتهم: سيدي الرئيس مشاكل الصيانة والتقنية من مسؤولية قبطان الباخرة، فهو من يقرر الإبحار من عدمه في هذا السياق.. سيدي الرئيس أنا بين سنتي 2018 و2020، تمكنت من تقليص ديون الشركة بـ 50 مليار سنتيم، وكنت في طريق تقليص الرقم أكثر لولا الإصابة بـ”كورونا” ألزمتني الفراش لمدة شهرين كاملين، حيث قامت الشركة بتجميد راتبي الشهري، بالرغم من أنني بحاجة ماسة إليه في الوقت الذي كنت فيه بين الحياة والموت، ومع هذا سيرت أمور الشركة عن طريق “الإيمايل” بمساعدة من ابنتي.
القاضي: هل تريد إضافة شيء؟
المتهم: سيدي الرئيس، أختصر كلامي بعبارة واحدة “لقد ذبحوا الشركة البحرية”.
وكيل الجمهورية يتدخل ويسأل المتهم: من يراقب السفن؟
المتهم: المدير التقني.
الوكيل: كرئيس مدير عام، هل وقفت يوما على الطاقم البحري للسفن، قبل عملية الإقلاع، هل سألت عن احتياجات هؤلاء؟ أو تفقدت إن توجد هناك مشاكل في الصيانة أو الجانب التقني؟
المتهم: سيدي الوكيل، هذا ليس من صلاحياتي، بل من صلاحيات قائد السفينة.
الوكيل: من يتخذ قرار إبحار السفن؟
المتهم: أكيد قبطان السفينة، فله تعود الكلمة الأخيرة في الإبحار من عدمها.

“كنان” مدانة بالملايير.. والشركات الأجنبية تحاصرها
ومن جهته، أنكر المدير التقني لشركة النقل البحري للبضائع ـ شمال ـ المتهم غير الموقوف “ح.ك” التهم الموجهة إليه من طرف هيئة المحكمة، وفصّل خلال رده على أسئلة القاضي في ظروف التحاقه بالشركة وحجز سفينتي “ستيديا وتيمقاد”.
وقال “سيدي الرئيس، أنا عقيد سابق في القوات البحرية، تدرجت في عدة مناصب قبل أن يتم تعييني كمدير تقني للقوات البحرية التابعة لوزارة الدفاع الوطني.. فعلا تم استدعائي من طرف المدير العام لشركة كنان من أجل تولي منصب مدير تقني للشركة”.
وأضاف المتهم “قبل أن أتولى هذا المنصب خضعت لتربص مدة شهر كامل، حيث مررت على جميع المديريات، ليتم تعييني كمدير تقني، أين باشرت مهامي بتاريخ 1 جوان، وفي نفس اليوم وفي حدود الساعة الثامنة و5 دقائق تلقيت اتصالا من شركة “شال” بدبي التي طالبت بدفع الديون المترتبة عن شراء الزيوت والمقدرة بـ10 ملايير سنتيم، وأنا بدوري أخبرت المدير العام الذي أخبرني أن الشركة تتخبط في أزمة مالية ولديها ديون مع كل المورّدين والشركات.
المتهم يواصل تصريحاته “في 6 جوان تم حجز سفينة “ستيديا” ببلجيكا والتي أبحرت من ميناء وهران من دون إصلاح المخالفات المحررة من طرف خفر السواحل، اثناء التفتيش السنوي للسفن والمقدرة بـ57 مخالفة، حيث اشترطت هيئة خفر السواحل رفع على الأقل 24 مخالفة، إلا أن السفينة أبحرت بعد تدخل مديرة النقل البحري بوزارة النقل عن طريق ترخيص استثنائي بدون إصلاح المخالفات.
وتابع “عقدنا اجتماعا مع وزير القطاع، أين أعطى أوامر باتخاذ الإجراءات الاستعجالية اللازمة لرفع الحجز على السفينة، وهناك طرحت مشكل الوضع الكارثي والأزمة المالية للشركة، وفي اللحظة أمر مدير كنان ـ جنوب من أجل توفير ما يلزم من الأموال لحل أزمة الشركة، وفعلا في 18 أوت تم رفع الحجز عن سفينة “ستيديا” وفي 22 أوت قدمت استقالتي.
أما فيما يتعلق بسفينة تيمقاد، يقول المدير التقني المتهم “ح. ك”عندما توليت منصبي كانت السفينة في الصين وفي 4 جويلية عادت لتبقى خارج الميناء ريثما يتم تغيير طاقم الإبحار من ربان والقبطان والمديرية التقنية، استفسرت عن وضعية السفينة، حيث قدم المشرف تقريرا مفصلا بأن كل شيء على ما يرام وأن هذه الأخيرة في حالة جيدة ويمكن الإبحار.
وأردف المتهم “القبطان توجه للسفينة واستلم المهام من القبطان الآخر، وبعد المعاينة قرر الإبحار نحو أمريكا ومنها نحو كندا، وفي الميناء تم حجز السفينة والسبب هو أن الطاقم غير مؤهل لإجراء الحسابات الخاصة باستقرار الباخرة، حيث تم شحنها وتفريغها 5 مرات وبقيت السفينة محجوزة 20 يوما، حتى تم شحنها بطريقة متوازنة، ثم بعدها انطلقت نحو بلجيكا وبمجرد دخولها إلى الميناء وخلال رجوع قبطان السفينة إلى الوراء تسبب في حادث نتج عنه خسائر، مما استدعى حجزها مجددا”.

تعرّض السفن للعطل أدخل الشركة في ضائقة مالية
ومن جهته، فإن مدير الاستغلال بشركة النقل البحري للبضائع ـ شمال، مدير الاستغلال المتهم غير الموقوف “ب. م” حاول إسقاط تهمة الإهمال الواضح المؤدي إلى ضياع أموال عمومية، خلال استجوابه من طرف هيئة محكمة القطب.
وقال المتهم “سيدي الرئيس، أنا مارست مهامي وفقا للميزانية التقديرية للشركة التي تسطر الأهداف المرجوة، والشركة طلبت مني إيجار سفينتي تيمقاد وتين زيران، وأنا قمت بإعداد عقد الإيجار وفقا للشروط مع شركة “D-SHIP” الألمانية، حيث أن العملية تكللت بنجاح، والحمد لله تمكنا من تحصيل أموال للشركة تقدر بـ 4 مليون دولار”.
وأضاف المتهم “بالإضافة إلى ذلك سيدي الرئيس فنحن فزنا في التحكيم الدولي فيما يخص التعويضات المتعلقة بحجز سفينة تيمقاد ببلجيكا، حيث تمكنا من استرجاع 6 مليون دولار منذ أقل من 4 أيام الأخيرة.

القاضي يتدخل ويسأل المتهم: من يقوم بإعداد عقود الإيجار؟
المتهم: نحن كمصلحة الاستغلال، حيث نعده وفقا لاتفاقيات ومنظمات دولية “BIMCO”، وهنا أحيطكم علما سيدي الرئيس، أنه منذ توقيف سفينتي “تيمقاد وتين زيران” بسبب مشاكل تقنية دخلت الشركة في ضائقة مالية خاصة أمام حجز سفينة ستيديا إلى يومنا هذا.
ومن جهته، أنكر مدير تجهيز أفراد السفن بالشركة الوطنية للنقل البحري ـ شمال التهم الموجهة إليه، وقال إن مهمته تنحصر في استلام قائمة الأفراد وإرسالها إلى مصلحة الموارد البشرية للشركة.
وبخصوص واقعة عدم دفع الأجور للعمال، أوضح المتهم أن تقرير خبرة المفتشية العامة للمالية لم يتطرق إلى هذا الأمر، أما نقص اليد العاملة فإن هذا المشكل تعاني منه الشركة منذ عام 2018 إلى غاية يومنا هذا، وهو الأمر الذي دفع بالشركة إلى توظيف العمال الأجانب، والقانون الجزائري يسمح بذلك.

مقالات ذات صلة