الرأي

صِدقُ القسّام

بهدوء وبكل تأكيد، تنْحت فصائل المقاومة الفلسطينية وجودها في وجدان الناس، بين مؤيد لمسارها الجهادي، ومكتشف لطائفة من المسلمين، ظننا في زحمة التقلبات السياسية، والخيانات والتطبيع، أنها قد انقرضت في فجر الإسلام، وما عاد لها وجود إلا في كتب التاريخ.

كل البطولات التي مرّت في عقود الصراع العربي الإسرائيلي، كانت وليدة اللحظة، أو استعراضية عابرة، فحتى الانتصار الوحيد الذي تحقق في حرب العبور سنة 1973، لم يكتمل، وبدلا من الإجهاز على الإسرائيليين، تجمّدت البطولات والانتصارات دون أن تكتمل في حينها، ولم تمر سوى خمس سنوات حتى تحوّل الانتصار إلى استسلام في كامب ديفيد بمسمى “السلام”.

تقدِّم كتائب القسام، وبقية فصائل المقاومة في فلسطين، صورة رائعة للعالم بأسره، عبر حرب نظيفة، برغم وساخة الكائن الصهيوني، ويصبر قادتها، ويقدّمون درسا بليغا لم نقرأ له مثيلا في تاريخ الغزوات والفتوحات، وحتى في الأساطير المعجونة بالكذب، ويقف إلى جانبهم شعب فلسطيني، ليس فيه من لم يفقد حبيبا أو صديقا أو بيتا، فيكتم “الآه” في قلبه، ويرفض أن يمنح الأعداء- وما أكثرهم- لذة التمتع بخسارة فلسطين. وتصرّ القسام إلا أن تنتصر لهذا العطاء الخرافي، الذي قدمته فلسطين منذ أكثر من سبعة أشهر، تعب فيها متابعو الحرب عبر التلفزيون ومواقع التواصل الاجتماعي، وتعب فيها التعب، وما تعب هؤلاء الأبطال.

في أحد “البلاطوهات” التي قدَّمها التلفزيون الصهيوني، كان أحدهم يتحدث على لسان “غالنت” مرة، وعلى لسان نتانياهو أخرى، حتى صاح في وجهه أحد المشاركين: “إنهم يكذبون”، وراح يعدّد كمّ الكذب الذي أطلقه ساسة وعسكر الكيان الكاذبون، بينما في المقابل لم نتلق من قادة حماس ولا من فصائل المقاومة، ولا من أبي عبيدة، غير الكلام الصادق، بعيدا عن مراوغات الساسة، أو ردّ الكذب بالكذب، كما هو ميثاق الحروب، ضمن معادلة الحرب خدعة يجوز فيها كل شيء.

ليس بالضرورة أن ينتصر أبناء المقاومة الفلسطينية في طوفان الأقصى، لكنهم بالتأكيد لن يخسروا، وليس بالضرورة، أن يخسر الصهاينة، لكنهم بالتأكيد لن ينتصروا، فما أبانه القسّاميون على مدى سبعة أشهر، دليلٌ على أنه عمل واجتهاد وصبر عقود من بناء الإنسان الفلسطيني المتميز، واستشراف على أن المستقبل له، وليس لغيره، من هؤلاء الذين يلوكون أفعال الفاشيين والنازيين، فيبعدون مسافات ضوئية عن الإنسانية، ويقتربون جدا من حياة الغاب حيث لا حياة إلا للمتوحش أو للجبان المستسلم.

لم يخيّب قطّ أبطال المقاومة في فلسطين قلوب المتعاطفين معهم في إندونيسيا وألبانيا والبرازيل وكولومبيا وبوليفيا وإيرلندا… فقد صدقوهم من أول يوم من الغزوة المباركة، وما طأطؤوا رؤوسهم، ولم يتمكن الصهاينة من تكرار صور الجنود المستسلمين المكبلي الأيدي والأرجل، التي ظلوا يتفاخرون بها في حرب ستة الأيام في سنة 1967، لأن التاريخ لن يعيد نفسه أبدا، والحروب والأيام دواليك، وواضح جدا أنها هذه المرة.. عليهم.

مقالات ذات صلة