الرأي

صيف غير عادي

عمار يزلي
  • 564
  • 0

صيف هذه السنة لن يكون باردا سياسيا، رغم البرودة التي عرفناها خلال السنوات الأخيرة، بسبب الاصطفاف الحزبي لقوى الموالاة، وصمت مرحلي لقوى المعارضة في انتظار اتضاح الأمور وتوضّح رؤية العمل السياسي المستقبلي.

اليوم، ومع إعلان رئيس الجمهورية استدعاء الهيئة الناخبة لاستحقاق 7 سبتمبر، ومع تجربة انتخابات ما بعد 19 ديسمبر 2019، التي أنهت العلاقة مع كل أشكال الممارسات غير الانتخابية والسياسية بشكل عام، وعلى رأسها المال الفاسد وشراء الذمم والتلاعب بأصوات المقترعين وتضخيم أو تحجيم الأرقام الانتخابية، كتلة مسجلة، ومشاركة، وأصوات معبر عنها والأصوات بـ”نعم” والأصوات بـ”لا”. الآن، بعد تجربة برلمان من دون تزوير ولا تلفيق، رغم قلة نسبة المشاركة وقتها بسبب تخوف المعارضة من الممارسات القديمة، الآن وقد اتضح لها أن “الصيف قد ضيعت اللبن”، لم يعد أمامها سوى الخوض في هذه التجربة الثانية في ظل انتخابات العهد الجديد، مما يعني أن دخول المعارضة الإسلامية والعلمانية معترك الانتخابات الرئاسية، سيكون بمثابة تحريك للمياه الراكدة في مواسيرها، ويكون من شأن ذلك أن تقيس شعبيتها تمهيدا للاستحقاقات المقبلة، إن لم يكن عاجلا فآجلا، فكل المؤشرات تشير إلى أن الطريق مفتوح أمام التجربة حتى ولو كان التنافس على سدة الرئاسة هذه المرة، مجرد بروفة لرئاسيات 2029، التي ستفتح الشهية للجميع. غير أنه، ومن دون تحضير لها من اليوم، سيكون عليها أن تجني ثمار التريث والعزوف وتكون قد فشلت في تكريس ديمقراطية الصندوق الشفاف، التي ينبغي أن لا يعني “دخوله، ربحه”، فالممارسة الديمقراطية تقتضي روحا سياسية ديمقراطية تنافسية ضمن قواعد الشفافية والنزاهة، وهو الحال اليوم، إلا من أبي وتنكّر.

صيف هذه السنة سيكون ساخنا سياسيا: حارا بمفهوم الحركة والتفاعل، لأنه لن تكون هناك عطلة بالمفهوم المعروف، إذ ستكون هناك حملة انتخابية في قلب العطلة الصيفية ويكون الدخول الاجتماعي، الذي عادة ما كان يكون حارا ومرتبكا ومربكا للعمل السياسي والإداري، في ظل الأوضاع السابقة العاملة على تقويض حركية المجتمع المتغير، وافتعال النقائص والمشاكل والأزمات بدءا من الصيف، كما لاحظنا موجة الحرائق المفتعلة، التي كانت تحدث كل صيف تحضيرا لكل دخول اجتماعي سياسي: لن تكون هناك عطلة مفتوحة هذه السنة، خاصة لدى النخب السياسية الحزبية والحكومية والإدارية، لأنها ستكون في قلب التحضير للاستحقاق الرئاسي. مع ذلك، نتوقع أن تجري الانتخابات الرئاسية في جو أحسن بكثير من أجواء ديسمبر 2019، بسبب الوضع الأكثر استقرارا والتفاؤل السائد ضمن الطبقات الاجتماعية والنخب السياسية، فيما خلا بعض القوى التي لا ترى الحقيقة إلا من خلال العين اليسرى الحولاء.

المترشحون قد لا يكونون كثر أو بأحجام اسمية وازنة، لكن هذا لا يمنع من الدخول في تحالفات للمعارضة وللموالاة معا، والأمر قد بدا كذلك قبيل استدعاء الهيئة الانتخابية، والرئيس سيحسم أمر ترشحه وقد تحسم الأحزاب المتردّدة المنتظرة أمرها فور ذلك أو قبله: عقلية المشاركة من أجل الفوز فقط، يجب أن تنتهي، لأنها تدخل ضمن عقلية الأنانية والأحادية: أنا أو لا أحد، والتي عانينا منها كثيرا ولا زلنا. كما أن عقلية “المهم المشاركة”، يجب أن تلغى من جماجم السياسيين، لأنها مرتبطة أيضا بعقلية التابع للمتبوع، عقلية سلبية غير ديناميكية ولا فعالة، تركن إلى المساندة وفقط لأطماع شخصية فردية، يتحول فيها المترشحون إلى مجرد أرانب سباق. لا هذه العقلية الانتخابية ولا تلك مجدية ونافعة، والنافع هو التفاعل والفعل ودخول الانتخابات بفعالية وفاعلية، وفوز الألف ميل يبدأ بفوز المائة متر.

مقالات ذات صلة