الرأي

صدَقَا وهما كَذوبان!

حسين لقرع
  • 1133
  • 0

منذ الأيام الأولى لحرب غزة، أجمع المحلّلون المنصفون في شتى بقاع العالم، وحتى في الكيان الصهيوني ذاته، على أنّ رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو كان غير واقعي تماما حينما حدّد القضاء على حماس هدفا رئيسيا للحرب، فهو هدفٌ خيالي لا يمكن تحقيقُه بالنظر إلى قوّة حماس وتجذّرها وسط الفلسطينيين في غزة، لكنّ ربّما حدّده عمدا لإطالة أمد الحرب وتمديد عمره السياسي وتفادي محاكمته بتهم فسادٍ سابقة والزجِّ به في السجون كما جرى لرئيس الوزراء الأسبق إيهود أولمرت حينما خسر حرب تموز 2006 مع حزب الله.

وبعد ثمانية أشهر ونصف شهر من المعارك الضارية في غزة، والصمود الأسطوري للمقاومة والتفاف الحاضنة الشعبية حولها، انتقلت القناعة باستحالة القضاء على حماس عسكريًّا، من الخبراء والمحللين، إلى قادة عسكريين وسياسيين سامين في الكيان نفسه؛ ففي ظرف ثلاثة أيام فقط، أدلى المتحدّث باسم الجيش الصهيوني دانييل هغاري والوزير السابق في حكومة الحرب غادي إيزنكوت بتصريحين مدوّيين أكّدا فيهما استحالة القضاء على حماس، لأنها فكرة يعتنقها الشعبُ الفلسطيني، والفكرة لا يُقضى عليها بالوسائل العسكرية.

هغاري الذي طالما ساير رئيس وزرائه في وهم “سحق حماس”، ثاب إلى رشده أخيرا وقال للقناة الـ13 العبرية: “الحديثُ عن تدمير حماس هو ذرٌّ للرماد في أعين الناس، أولئك الذين يعتقدون أنّه بإمكاننا جعل حماس تختفي مخطئون، حماس فكرة، ولا يمكنك تدميرُ فكرة، يجب على المستوى السياسي أن يجد بديلا لها وإلَّا ستبقى”، وفي الإطار ذاته قال إيزنكوت: “حماس فكرة ستقاتلها إسرائيل أعواما طويلة مقبلة”.

هذه القناعة التي توصّل إليها هغاري وإيزنكوت ناجمة عن سير المعارك في غزة طيلة 260 يوم؛ فرغم آلاف الأطنان من القنابل والقذائف الصاروخية والمدفعية التي ألقاها جيش الاحتلال على غزة طيلة هذه المدّة، إلا أنّ كلّ ما “أنجزه” هو تدمير ثلاثة أرباع مساكنها وجلّ مرافقها الصحية والتعليمية والإدارية والخدمية، وارتكاب مجازر حرب وجرائم ضدّ الإنسانية بحقّ الأطفال والنساء والمدنيين، في حين عجز ميدانيّا عن مواجهة صناديد المقاومة وفِخاخها وكمائنها الناجحة التي تستنزفه وتُلحق به يوميا خسائر مادية وبشرية معتبرة.

بعد ثمانية أشهر ونصف شهر، برهنت حماس على أنّها لا تزال متحكّمة في الميدان، وأنّها استخلصت الدروس الكافية من المعارك السابقة، بدليل أنّ أسُودها يقاتلون الآن في رفح بكفاءة أعلى بكثير مما شاهدنا في الأشهر الأولى للحرب، ومعنوياتهم عالية، وحجمُ التجنيد في صفوفهم يتزايد، وبالمقابل تتزايد حالات الانتحار في صفوف جنود العدوّ آخرهم جندي انتحر منذ أسبوع فقط فور عودته من غزة، كما يتصاعد التذمّر داخل الجيش بسبب تسرّب اليأس من إمكانية تحقيق “النصر المطلق” الذي أوهمهم به نتنياهو، وما تصريحُ هغاري إلا تعبير عن هذا القنوط ورسالة واضحة لرئيس وزرائه حتى يتخلّى بدوره عن أوهامه قبل أن تحلّ بالجيش كارثة كبرى.

لا ريب أنّ هغاري وإيزنكوت يعرفان العدد الحقيقي لقتلى جيش الاحتلال وجرحاه، وهو العدد الذي تتكتّم عليه حكومة نتنياهو حفاظا على الروح المعنوية لـ”شعبها”.. يكفي فقط أن نذكّر بالرقم الذي نشره الجيش عن عدد المعاقين من جنوده منذ 7 أكتوبر 2023 إلى الآن، وهم 8663 معاق، لنعرف أنّ الجرحى بعشرات الآلاف والقتلى بالآلاف.. ما يؤكد أنّ الكيان الصهيوني قد خسر الحرب رغم مكابرة نتنياهو واليمين الصهيوني المتطرّف، واستمراره فيها أشهرا أخرى لا يعني سوى مضاعفة خسائره واستنزافه.

مهما طال أمدُ الحرب فستنتهي بهزيمة الاحتلال وسقوط حكومة نتنياهو وجرِّه إلى السجون واندثاره سياسيًّا، أمّا حماس فستبقى رغم كلّ المجازر والتضحيات والآلام، فهي التي قهرت شارون في أوت 2005 بالكلاشينكوف وعبوات ناسفة بدائية وأجبرته على الانسحاب الكامل ذليلا مهزوما بعد خمس سنوات كاملة من المعارك، ولن يستعصي عليها نتنياهو بعد أن أصبحت تملك الياسين 105 ومدافع الهاون ومسيّراتٍ ومنظومة صاروخية تصل إلى تل أبيب وشبكة أنفاق حصينة يبلغ طولها 570 كيلومتر وعشرات آلاف المقاتلين المدرَّبين جيّدا على أساليب حرب العصابات… وهي أيضا فكرة اعتنقها الشعبُ الفلسطيني، وستنتقل من جيل إلى جيل إلى غاية تحرير فلسطين كلّها من النهر إلى البحر، وقادةُ العدوِّ أنفسُهم بدأوا يعترفون بهذه الحقيقة.

مقالات ذات صلة