الجزائر
مقالات كثيرة عن كتاب "الوصول" لبنجامان ستورا

صحف فرنسية تُسوّق لمظلوميّة زائفة تُصور الجزائر طرفًا معتديا

محمد مسلم
  • 28652
  • 0

يجري تسويق ما يمكن وصفه بـ”المظلومية” التي تعرض لها يهود الجزائر منذ انهيار الاستعمار في الجزائر، وفرار أعوانه وأذرعه باتجاه “الميتروبول”، ويمكن الوقوف على هذه الفلسفة، التي لا يستبعد أن لها ما بعدها، من خلال كتاب المؤرخ الفرنسي ذي الأصول اليهودية، بنجامان ستورا، الذي عنونه بـ “L’Arrivée”الوصول بالعربية.

الكتاب مضى على صدوره أشهر ولكنه لا يزال يصنع الحدث في الصحف الكبرى والمواقع الإلكترونية الفرنسية، وحتى العربية، لكن ما أثير في كل المقالات التي روجت للكتاب، وآخرها صحيفة “ليبراسيون” الجمعة 15 ديسمبر 2023، وقبلها “لوموند” في عددها الصادر الخميس 14 ديسمبر 2023، هو التركيز على عبارة (Jeune juif déraciné) “شاب يهودي اقتلع من جذوره”، أما الشاب فهو المؤرخ، بنجامان ستورا، وأما مسقط رأسه الذي حرم منه فهو الجزائر، وبالضبط قسنطينة حيث ولد وترعرع، قبل المغادرة.

ويعتبر ستورا من المؤرخين الفرنسيين المعتدلين، وعادة ما انطبع عمله بالحيادية والموضوعية في التخصص الذي برع فيه، وهو تاريخ الجزائر خلال الاستعمار الفرنسي، كما أنه يتردد باستمرار على الجزائر، غير أن تعاطي الصحافة الفرنسية على كتابه الأخير بشكل منتظم، يدفع إلى التساؤل إن كان هذا التعاطي بريئا أم يخفي اعتبارات أخرى يتطلب فحصها والوقوف عندها.

الكتاب الذي مضت أشهر على صدوره، فيه من القصة، ولكنه مبني على أحداث موثقة بالتواريخ. وبين سطوره يلمس قارئه ألم عائلة وهي تهم بمغادرة الأرض التي عاشت عليها لعقود، غير أن مؤلف هذا الكتاب، بل من كتب مروجا لصدوره، لم يشرح أسباب هذه المغادرة التي لها خلفيات عميقة.. فهناك الكثير من الأوروبيين واليهود بقوا في الجزائر وعاشوا بين سكانها بعد الاستقلال وحافظوا على ممتلكاتهم دون مشاكل تذكر.

ومن بين الأسئلة التي أوردتها صحيفة “ليبراسيون” وهي توثق لصدور الكتاب، ما يلي: “هل سيحافظ اليهود على المواطنة المتساوية؟ ماذا سيكون مكان الجالية اليهودية في هذه الدولة الإسلامية المستقلة؟ يبدو الرجلان محرجين، ويستجيبان بشكل جانبي بينما يصبح الزوجان متوترين أكثر فأكثر. ومع نفاد الحجج، ينتهي بهم الأمر إلى الاعتراف بأن جبهة التحرير الوطني لم تقرر بعد مستقبل يهود الجزائر”.

في الواقع، لم تكن هذه الأسئلة سوى انشغالات طرحها إيلي ستورا، وهو والد بنجامان ستورا، على اثنين من نشطاء جبهة التحرير الوطني، في أحد مقاهي مدينة قسنطينة في شهر أفريل من سنة 1962، أي بعد التوقيع على اتفاقيات إيفيان وقبل نحو شهرين من ترسيم استقلال الجزائر.

وكان لهذا النقاش بين والد بنجامان ستورا ورجال جبهة التحرير، نتيجة مفادها أن العائلة اليهودية قررت مغادرة الجزائر باتجاه فرنسا: “لقد تقرر، سنغادر. لن نكون آمنين. لقد حدث الكثير هنا. لا يمكننا العيش في حالة عدم اليقين هذه”. إن هذا الكلام كان بين والد ووالدة بنجامان ستورا.

ويخفي كلام والدي بنجامان ستورا، أنهما قررا المغادرة طوعيا ولم يطلب منهما أحد ترك الجزائر، غير أن القضية تبدو أكثر عمقا، فالمسألة ترتبط بمواقف غابت عن الكثير من أبناء الجالية اليهودية التي كانت تعيش في الجزائر، فقد قرروا الوقوف إلى جانب المستعمر الغاشم، على حساب أبناء البلاد، وهذا يعني رسوبهم في الاختبار.

لكن ماذا يعني تكرار عبارة (Jeune juif déraciné) “شاب يهودي اقتلع من جذوره”، في مختلف المواقع والصحف الفرنسية على مدار أكثر من شهرين؟ إنها محاولة لتكريس “مظلومية”، الطرف المعتدي فيها وهم الجزائريون، وهذا تسويق لمعطيات زائفة، ينكرها التاريخ وتدحضها الوقائع على الأرض.

مقالات ذات صلة