الجزائر
تشوهات بالجملة تصيب رجالا ونساء مهووسين بعملياتها

صالونات حلاقة تتحول إلى مراكز تجميل خارج القانون

نادية سليماني
  • 1371
  • 0
أرشيف

أصبح الكثير من الجزائريّين، ومن الجنسين بمختلف الأعمار يبحثون عن الجمال والمظهر المطلوب، متأثرين في ذلك بمشاهير “السوشيال ميديا”، والفنانين، فباتت العمليات التجميليّة همهم الأكبر وملاذهم الذي يضيعون فيه جل أوقاتهم في اللهث وراءه، إلا أن الأمر، وصل بالعشرات منهم في الوقوع ضحية التشوّهات وتغير ملامحهم إلى أسوأ بكثير عما كانت عليه.. عمليات التجميل، فعلا، تحولت عند البعض إلى إدمان يستمرون فيه حتى وهم في أبشع صورة مشوهة!
وانتشرت مراكز التجميل بشكل ملفت للانتباه خلال السنوات الأخيرة، إلى درجة تحوّلت صالونات حلاقة عادية إلى مراكز تجميل، تقوم بمختلف التعديلات وحتى العمليات التجميلية، وغالبية أصحاب هذه المراكز غير متخصّصين، بل أشخاص خضعوا لتكوينات لا تتعدّى مدتها الـ 6 أشهر على أقصى تقدير، وتعلّموا استعمال أجهزة مُستوردة من الخارج.
وساهمت كثرة الباحثين عن الجمال من نساء ورجال، وانتشار صور مشاهير وفنانين بجمال فاتن وأخاذ، في انتشار مثل هذه المراكز، رغم أن غالبية هذه الصّور عبارة عن “فوتوشوب”.
وكشف في هذا الصدد، الطبيب المختص في الجراحة التجميلية، فاتح حمّاني في حديث لـ”الشروق”، أن ما يستعمله حاليا المختصون في التجميل من “بوتوكس” و”فيلر” كانت تستعمل سابقا في علاجات طبية بحتة، منها لعلاج تشنج العين أو الجفون حول العينين عند الأطفال وأمراض الشقيقة، لتتحوّل حاليا نحو عمليات تجميلية بحتة.
والإشكال في الموضوع، بحسب المختص، أن المواد الطبية المستعملة في التجميل باتت تستعمل لدى بعض أصحاب مراكز التجميل “بكميات كبيرة وكيفيات خاطئة، وهو ما يتسبب في أضرار ومضاعفات خطيرة على مُستعملها، ومنها ظهور الحساسية ومختلف أنواع الالتهابات”.
وبخصوص ما يُشاع مؤخرا من وجود علاقة بين استعمال “البوتوكس” وظهور السرطان خاصة سرطان الدم والجلد، في ظل تداول أرقام غير مؤكدة تؤكد تسجيل 12 ألف حالة إصابة بسرطان الدم والجلد في الجزائر بسبب حقن البوتوكس التي تستعملها العيادات الخاصة للتجميل، قال المختص: “إن ظهور السرطان بسبب عمليات التجميل، أمر غير مؤكد طبيا، وهذا الرقم لم تؤكده جهات رسمية.. مع ذلك، نحذر دائما من استعمال هذه المواد في عيادات أو مراكز غير متخصصة في مجال الطب التجميلي”.
وأكد على ضرورة حصول صاحب المركز على تدريب طبي ملائم “فليس كل من هبّ ودبّ بإمكانه حقن شخص بالبوتوكس والفيلر”.

عمليات تجميلية معقدة دون شهادة ولا كفاءة!
وكشف محدثنا عدم حيازة غالبية مراكز التجميل تراخيص لمزاولة نشاطهم، فهم يتحايلون معتمدين على تسميات ونشاطات أخرى لمراكزهم، مستغلين ثغرات قانونية، والخطر الأكبر عدم امتلاكهم تدريبا طبيا كافيا، فأقصى مدة تكوين باتت لا تتعدّى شهرا أو شهرين، ومعظمهم يعتمدون في مراكزهم على آلات تجميل حديثة وباهظة يستوردونها من الخارج، حيث يكفي، بحسبهم، تعلم طريقة تشغيلها دون معرفة عواقب استعمالها الخاطئ، ومنها أجهزة إزالة الشعر بالليزر، التخسيس، وإزالة الشّحوم.
وهذه الأجهزة قد لا نجدها حتى لدى أطباء أكفاء، وعندما يرتكبون أخطاء مع المرضى يتنصّلون ويُرسلون المريض لعيادة طبية أو مستشفى، على حدّ قوله.
وقال إن النساء والرجال في مجتمعنا تعلقوا بالعمليات التجميلية إلى درجة “الهوس” بسبب تأثيرات مختلفة، وعلى رأسها تقليد المشاهير والبحث عن الجمال الكلي الخالي من العيوب، وهذا ما استغله، بحسب فاتح حماني، أصحاب مراكز تجميل غير مرخصة في الجزائر وأخرى متواجدة في الخارج، حيث تأتي تونس وتركيا في مقدمة البلدان الأجنبية.
واستغل هؤلاء الذين يروجون إلى العمليات التجميلية ويرسخونها كثقافة عصرية، منصّات التواصل الاجتماعي، بهدف التعريف والإشهار لنشاطهم عن طريق مشاهير “الرقمية” المستفيدين من خدمات مجانية من هذه المراكز.
ويستغرب المُختص، من الأشخاص المقبلين على إجراء عمليات تجميلية في صالونات حلاقة أو مراكز غير معروفة، والذين “يجهلون ما تحتويه الحقن التي غُرزت في أجسادهم”.
وقال: “نحن كأطباء مختصين نستعمل ماركات معروفة عالميا للأشخاص الباحثين عن تعديلات تجميلية يكون ثمنها الأصلي مرتفعا، ولهذا السبب يفضل كثيرون إجراء هذه العمليات في مراكز غير مُرخّصة، بحثا عن انخفاض الأسعار، ولو جهلا بمصدرها”.
واللاّفت، أن كثيرا من النساء شوّهن وجوههن وأجسادهن بعمليات تجميلية يصحّ أن تسمى “عمليات تشويه” لا تجميلا، كنفخ مبالغ للشفاه والخدود، رفع كبير للحواجب، تبييض مبالغ فيه للأسنان، حشو للجسد بمادة السيليكون والدهون، إلى أن تتحول هذه المواضع في الجسم إلى كتل مترهلة من الشحوم والدهون.
وفسر محدثنا، هذه الظاهرة، بهوس عمليات التجميل، التي تحوّلت إلى إدمان، قائلا: “كثيرون لا يمكنهم التوقف عن إجراء التعديلات التجميلية لأنها تتحوّل إلى إدمان حقيقي، حتى ولو تشوّه الشخص فهو يطالب بالمزيد”.

إصرار على التشبه بفنانة شهيرة رغم المخاطر
وتشوّه الوجه بعمليات التجميل لا يمكن إصلاحه، وهو ما يؤثر في الحالة النفسية والجسدية لصاحبه، على حدّ تأكيد المختص في الجراحة التجميلية، فاتح حمّاني، الأمر الملاحظ عند الكثير من الفنانات العربيات، اللواتي تشوهت وجوههن بسبب التجميل، ورغم امتلاكهن الأموال، لكنهن لم يتمكن من إصلاح ما خرّبته العمليات.
وأعطى الطبيب، مثالا عن سيدة جاءت لعيادته المتواجدة بقاريدي بالجزائر العاصمة، وطلبت إجراء عملية تجميلية تجعل منها شبيهة بفنانة عربية شهيرة، ولأنه أكد لها استحالة الأمر أصرّت على الموضوع، وباتت تجري العملية تلو الأخرى، معرضة نفسها للخطر.
ومثال لسيدة أخرى، أجرى لها ذات المختص، عملية شد وجه، تجعل الخاضع لها يبدو أصغر سنا، عما كان عليه، بعد إزالة التجاعيد والتخلص من تراكمات الدهون والترهلات، عن طريق رفع جميع عضلات الوجه إلى أعلى.
وبعد إجرائها هذه العملية، لم تكن راضية عن النتيجة، رغبة في أنها تريد أن تظهر بسن أقل بكثير، وطالبت الطبيب بمزيد من العمليات رغم المخاطر، والتأكيد أن ما تطلبه مستحيل.
وقد أجرت لاحقا ثلاث عمليات على وجهها، بحسب ما أفاد به مصدرنا، وهي تحت تأثير هوسها بمؤثرة مشهورة على مواقع التواصل الاجتماعي، ورغم تشوّه وجهها من عمليات التجميل، فإنها لم تتوقف عن زيارة الطبيب بحثا عن المزيد من التعديلات.

عملية لغمازتين في الخدود تكاد تُفقدها عينيها!
وخرجت مؤثرة معروفة الأسبوع الماضي، عن صمتها، تشتكي من مركز تجميل يتواجد شرق الوطن، قصدته لإجراء عملية تجميلية لإبراز غمازتين للخدين، مؤكدة ذلك عبر حسابها الخاص، حيث بعد أيام من العملية تعرّضت لالتهاب حادّ في الخدين، جعلها تخضع لعملية جراحية للتخلص من عفن “قيح” في خدّيها.
ولتجنّب هذه المخاطر، نصح المتحدث النساء والرجال الراكضين وراء تعديلات أو عمليات تجميلية، على اختيار طبيب مُناسب وذي كفاءة، يكون مختصا في الجراحة التجميلية، ويُلزم الشخص بإجراء تحاليل وفحوصات قبل أي تدخل طبّي.
وكما على الطبيب المختص، أن يعلم المريض مُسبقا عن أي مُضاعفات قد تترتّب على العمليّة، قائلا: “على الطبيب أن يبقى مُرافقا للمريض قبل وبعد العملية، ولا يتنصل من مسؤوليته على غرار بعض الأطباء بمراكز التجميل غير القانونية”.

عصابات تصطاد ضحايا التجميل عبر “فايسبوك”
وكشف أطباء مختصون لـ”الشروق” عن وجود شبكات منظمة وإجرامية عبر منصات التواصل الاجتماعي، مهمتها اصطياد الراغبين والمولعين بعمليات التجميل، حيث يستعمل هؤلاء “البزنسية” أساليب غير شرعية، وتجدهم في الوقت نفسه يطعنون في كفاءات أطباء التجميل بالجزائر، لإيهام ضحاياهم أنهم الأفضل في المجال، بحسب رأي فاتح حمّاني.
وتطرّق في السياق، إلى ظاهرة الإقبال المبالغ فيه على عيادات التجميل خارج الوطن، تدعي أن أسعارها تنافسية، ولكنها بعد ذلك تفاجئ الزبون بمصاريف إضافية، وهذا عندما يكون قد سافر إلى البلد الذي تتواجد فيه هذه العيادات.
تأتي تونس وتركيا وبعدها إيران ومصر في مقدمة البلدان المستقطبة للجزائريين الباحثين عن عمليات تجميل، حيث قال حماني: “إن رغم اختلاف ثقافات هذه البلدان عن بلدنا، فمع ذلك لاحظنا ذلك الإقبال من الجزائريات على العيادات المختصة في العمليات التجميلية لهذه البلدان، لكن معظمهن يتعرضن لتشوهات تعالج بعدها في الجزائر”.
وأكد أن التجميل ليس بزنسة، وأن هذا التخصص لديه عمادة أطباء في الجزائر وأخلاق مهنية، و”على كل شخص تعرض للتشويه أن يتقدم بشكوى”.

مقالات ذات صلة