الجزائر
"الشروق" تقضي يوما كاملا بميناء الجزائر

شرطة الحدود.. خفايا تفتيش المهرّبين وتجار “الشنطة”

نوارة باشوش
  • 4659
  • 0

تمام التاسعة والنصف صباحا.. الباخرة العملاقة برج باجي مختار ترسو بميناء الجزائر.. إجراءات أمنية مشددة.. فرق الأنياب جاهزة.. الكل مستعد لأداء مهامه.. لا مجال للتقاعس، فأي خطأ سيعرّض حياة الآلاف من الأشخاص للخطر أو سيسمح بتمرير المخدرات والمتفجرات أو يمكّن الشباب الحالم بالعبور إلى الضفة الأخرى.. هي إذن تعليمات قيادة شرطة الحدود لرجالها لتوفير الأمن والأمان والحفاظ على الأرواح والاقتصاد.. لينطبق عليهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم “عينان لا تمسهما النار.. عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس فِي سبيِل الله”.
ليس من السهل مراقبة حدود الجزائر مع 7 دول، على طول 7011 كلم وشريطها الساحلي الممتد على مسافة 1200 كلم، فشرطة الحدود التي أسنِدت لها مهمة أمن ومراقبة نقاط العبور، تبدو صعبة عبر 26 مركزا حدوديا من خلال شريط حدودي يُستغل في تهريب المخدرات والسلع، أما بخصوص الحدود الجوية والبحرية عبر 20 ميناءً و36 مطارا، فإنها تعتبر دوما مسلكا ينتهجه المهرّبون للتحويل غير الشرعي للأموال من الداخل إلى الخارج والعكس، إضافة إلى تهريب المخدرات، خصوصا الكوكايين القادمة من دول إفريقية، بعد أن تحولت الجزائر إلى معبر دولي لهذا النوع من النشاط المحظور.
عالمٌ مثير ومثير حقا اكتشفناه ونحن ندخل ميناء الجزائر، الذي اخترناه لإنجاز هذا العمل الميداني رفقة رجال شرطة الحدود.. والأروع فيه طاقمه الشاب المتميز بإتقان واحترافية عمله مما يجعل هذه الوحدة مفخرة لجهاز الشرطة، فهي تساهم في مراقبة وتأمين الحدود الجزائرية بحرا.. شعارهم “الشرطة واجب والتزام وتضحية واستمرارية”، ولسان حالهم يردّد “نقسم بالله العظيم، أننا سنحافظ على وحدة التراب الوطني في ظل احترم الدستور والقانون، ونؤدي واجبنا بصدق”.

ميناء الجزائر تحت المراقبة والسيطرة
بعد أن حصلنا على ترخيص من المديرية العامة للأمن الوطني لإنجاز عملنا هذا، توجهنا إلى ميناء الجزائر، حيث تم استقبالنا من طرف عميد الشرطة طايبي ممثلا عن مديرية شرطة الحدود التابعة للمديرية العامة للأمن الوطني، رفقة محافظ الشرطة أحمد أمين مصباح نائب منسق فرق المراقبة الحدودية التابعة لمصلحة شرطة الحدود البحرية ميناء الجزائر، وهناك تلقينا شروحا وتفاصيل حول عمل إطارات وأعوان شرطة الحدود البحرية لميناء الجزائر.
وخلال دردشتنا مع محافظ الشرطة أحمد أمين مصباح، قال إن المديرية العامة للأمن الوطني تسهر من خلال مصلحة شرطة الحدود البحرية بميناء الجزائر على ضمان العبور الآمن للمسافرين ومرْكباتهم من خلال اتخاذ إجراءات أمنية شُرطية صارمة من خلال تجنيد جميع الوسائل البشرية والمادية والتقنية للقيام بالمهام على أحسن وجه.
وأكد لنا ممثل مديرية شرطة الحدود، أن عملية التفتيش للمسافرين والمركبات تتم على 3 مراحل، التفتيش الأولي يكون على مستوى المداخل وهذا من خلال التأكد من صفة المسافر ووثائق هوية المسافر مع تفتيش المركبة باستعمال وسائل تقنية للكشف والمراقبة عن المتفجرات والمخدرات والمعادن، فضلا عن استعمال مرآة عاكسة لتفتيش المركبات من الأسفل.
وأوضح المسؤول الأمني أن محطة المسافرين بالميناء تخضع لمراقبة أمنية مشددة، كما أن كل باخرة ترسو في الميناء سواء جزائرية أو أجنبية لديها تشكيل أمني خاص بها، فضلا عن تنظيم الحركة من طرف أعوان الشرطة، فيما تقوم فصيلة الشرطة القضائية بمهامِّها المتمثلة في التدقيق في الهويات والكشف عن الأشخاص المبحوث عنهم والذين صدر في حقهم أوامر بالقبض الدولي، كما تتدخل فرق التدخل في حالة حدوث أي تجاوزات أو اعتداءات أو سرقات داخل الحيز المينائي.
أما المرحلة الثانية، يقول محافظ الشرطة مصباح، فهي “تتعلق بنشاط وعمل الفرقة “البيروتقنية”، المختصة في الكشف عن المتفجرات والمعادن والمخدرات و”الحراقة”، إذ يخضع المسافرون ومركباتهم لتفتيش دقيق للحد من مختلف الظواهر الإجرامية المعهودة، لتأتي بعدها مباشرة المرحلة الثالثة المتعلقة بالإجراءات “الشُّرطية”، والتي تتم على مستوى الشبابيك، حيث يتم التأكد من الوثائق المطلوبة للسفر على غرار جواز السفر والتأشيرة أو بطاقة الإقامة والتحري من صحتها أي عدم تزويرها، ليخضع المسافرون لتفتيش أخير قبل دخولهم إلى الباخرة، مع إحباط أي محاولة للأشخاص الممنوعين من السفر الذين يحاولون “الحرقة”، إذ تمكنا من توقيف عدة أشخاص في هذا الإطار وتم تقديمهم أمام الجهات القضائية المختصة إقليميا.

لعبة القط والفأر
وتزامنا مع تلقينا شروحٍ حول عمل فرق شرطة الحدود البحرية، رست الباخرة العملاقة برج باجي مختار في ميناء الجزائر قادمةً من مرسيليا، وخلالها سجلنا حركة غير عادية لرجال الشرطة والجمارك الذين شكلوا خلية نحل لتأمين عملية الوصول بامتياز.. فلا تسمع عبر أجهزة الراديو اللاسلكي “طولكي ولكينغ”، إلا عبارات “هل الكل على استعداد، خذوا مواقعكم، الباخرة حطت رحالها بالميناء..”.
وبمجرد أن فتحت الباخرة بابها الرئيسي، شرع رجال الشرطة في توجيه المسافرين الراجلين نحو بهو الميناء لإتمام إجراءات المراقبة عبر أجهزة السكانير بالنسبة لمصالح الجمارك، واقتصر عمل أعوان شرطة الحدود على مراقبة جواز السفر والتأكد من وجود تأشيرة مصالح شرطة الحدود، وهي المبادرة التي استحسنها المسافرون الذين عبروا لـ”الشروق” عن ارتياحهم للمعاملة والاستقبال الجيد من طرف أعوان الشرطة ومصالح الجمارك على حد سواء، وسمحت لهم بمغادرة الميناء بعد استكمال جميع الإجراءات.
وفي هذا السياق يعتقد ضابطٌ رئيسي للشرطة نهائي تفتيش السيارات في حديثه لـ”الشروق” وهو يقوم بعملية المراقبة أن ضبط النفس والعمل من دون كلل والتركيز أثناء مراقبة المسافرين، غير كاف إذا لم يكن عناصر شرطة الحدود في حالة تأهب دائم، أضف إلى ذلك التكوين والتجربة في الميدان، وهي عوامل ساعدت على جعل ميناء الجزائر من بين الموانئ الأكثر أمنا في العالم.
وشاطره الرأي زميله سمير ناجي ضابط رئيسي للشرطة المكلف بنهائي المركبات لذهاب المسافرين الذي أكد لنا أن التفتيش الدقيق للمسافرين يدخل ضمن الإجراءات الشُّرطية المعمول بها على مستوى جميع النقاط الحدودية سواء البرية أو الجوية أو البحرية، مؤكدا أنّ العمل في الميناء ”يتطلب الكثير من الصبر، فنحن نواجه توتر المسافرين والكثير من الجهد لنتعامل مع الآلاف منهم يوميا، ومنهم أجانب، إنها مهنة تفرض علينا الكثير من الدبلوماسية لاستقبالهم أحسن استقبال”.
وفي عين المكان حضرنا جزءا من العمل الذي تقوم به فرق الجمارك بدورها.. عمل متعب وشاق فعلا، إلى درجة أننا اعتقدنا للحظات أننا ننتمي إلى فرق شرطة الحدود والجمارك، ولسنا في مهمة صحفية من شدة التركيز على محتويات حقائب وأمتعة المسافرين التي كنا نتابع لحظات تمريرها على جهاز سكانير، وهي مهمة متعبة وشاقة، ورحلة واحدة على شاكلة الرحلة القادمة من مرسيليا تحتاج إلى أكثر من 7 ساعات كاملة من الوقت حتى تنهي عملية تفتيش الأمتعة، أضف إلى ذلك فإن العمل في الميناء يتطلب الكثير من الصبر، حتى تواجه توتر المسافرين والكثير من الجهد لتتعامل مع الآلاف منهم يوميا، ومنهم أجانب، إنها مهنة تفرض على رجال الشرطة والجمارك الكثير من الدبلوماسية لاستقبالهم أحسن استقبال، لأن صورة الجزائر في المحك.
وموازاة مع ذلك، حضرنا عملية الذهاب للمسافرين المتوجهين من الجزائر إلى مرسيليا، وهنا يتضاعف عمل فرق شرطة الحدود، إذ وقفنا على عمل فرقة “الأنياب” المتضمنة لكلاب مدرَّبة على الكشف عن المتفجرات والمخدرات والمعادن و”الحراقة”، إذ كشف الحديث مع محافظ الشرطة رابح زهير، رئيس الخلية التقنية للتعامل مع المتفجِّرات بشرطة الحدود البحرية بميناء الجزائر، الكثير من التفاصيل المثيرة، حول دورهم في مراقبة وتأمين سلامة التراب الوطني من أجل تفادي جميع التهديدات التي تمسّ أمن الدولة والاقتصاد الوطني… قائلا “خلال عملنا هذا تمكنا من حجز كميات معتبرة من السجائر والمواد الغذائية وكذا أسلحة طازير إلى جانب توقيف “حراقة”.
وكما يقال “رُبّ صدفة خير من ألف ميعاد” فقد صادف وجودنا في عين المكان، حجز مرْكبة حاول صاحبُها تهريب 1500 علبة سجائر من علامة “مالبورو” نحو مرسليا لـ”البزنسة” بها، في السوق المعروف بـ”marché aux puces”، إذ تم تخبئتها بإحكام في المحرك وعجلة النجدة للمركبة.
واعترف محافظ الشرطة رابح زهير، بصعوبة المهمة لكنها، كما قال، ليست مستحيلة ”رغم الضغط الذي نلاقيه، فالعمل مستمر 24 ساعة على 24 ساعة، ويطال الإرهاق عناصرنا، خاصة في فصل الصيف، إذ يتوافد عددٌ كبير من المغتربين نحو الوطن، لكن النتائج المرضية في الميدان تثمن الجهد الذي نقوم به”.

لا مجال للتقاعس والخطأ
الحديث الذي جمعنا مع عدد من أعوان شرطة الحدود البحرية لميناء الجزائر، جعلنا نكتشف حقيقة تلك الأعين الساهرة على أمن البلاد، فلا يغمض لهم جفن طيلة فترة المداومة والتي قد تطول خلال أوقات الذروة لأكثر من 12 ساعة بدون انقطاع على حد تعبير أحد أعوان الشرطة العاملين في الشبابيك والمكلف بالإجراءات الشرطية “هي وتيرة عمل تعودنا عليها نحن وأهلنا، حتى فترة العطل لا يمكن أن نستفيد منها مثل بقية العمال في فصل الصيف، لأنه الفصل الذي يكثر فيه العمل على مستوى الميناء ونستقبل الملايين من المغتربين والأجانب الذين يقصدون أرض الوطن في تلك الفترة”.
تصريحات جمعناها من شباب اختاروا مهنة “الكاسكيطة” عن حب وقناعة لتكريس مبدأ توفير الأمن والأمان، ورغم علامات التعب والإرهاق البادية على وجوههم، إلا أنهم يستقبلون زوار الجزائر بابتسامة عريضة ويتقرّبون منهم لحل انشغالاتهم، فهذا لم يتمكن من الحضور في الوقت المناسب قبل إقلاع الباخرة، وآخر يجد صعوبة بين الإجراءات الإدارية وتوجيه أبنائه، وهذه والدة تسافر مع أبنائها وتجهل كيفية التعامل مع مصالح الأمن، وذاك مريض لا يتحمل الوقوف لمدة طويلة في طابور المركبات… كلها ظواهر تتم معالجتها في وقت قياسي للسماح بديمومة العمل العادي بميناء الجزائر الذي تجده يعج بالمسافرين، وعليه يتم تخصيص مسؤول بكل شباك مهمته تحديد الأولويات، فلا يمكن ترك سيدة حامل أو امرأة بطفل حديث الولادة أو كهل ينتظر في الطابور، وهنا ستكون الأولوية لهذه “الفئات الخاصة”، وهي تعليمات أعطاها مدير شرطة الحدود مراقب الشرطة علي بداوي.
التعامل مع جوازات وتذاكر السفر يتطلب خبرة على حد قول أحد أعوان شرطة الحدود العاملين بالشبابيك الذي قال لنا “بمجرد لمس جواز السفر أو شم رائحة الورق يمكن تحديد سلامته من التزوير، وهنا غالبا ما يتم استدعاء المشتبه بهم إلى قاعات خاصة للاستجواب، وليتم الكشف عن الدليل الثاني لتورط المتهم في عملية التزوير من خلال تحديد حالته النفسية عند الاستجواب”، هي تقنياتٌ بسيطة على حد تعبير محدثنا، لكنها تأتي بنتائجها دوما من دون اللجوء إلى الأجهزة الحديثة في مجال كشف تزوير جوازات السفر.

مقالات ذات صلة