-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
بعد خسارته نفوذ بلاده في مستعمراتها السابقة

سياسة ماكرون تجاه المسلمين تدفع فرنسا إلى عزلة غير مسبوقة

محمد مسلم
  • 1986
  • 0
سياسة ماكرون تجاه المسلمين تدفع فرنسا إلى عزلة غير مسبوقة

أغلقت السلطات الفرنسية أبواب النقاش في وجه الرافضين لقرار وزير التربية، غابريال عطال، القاضي بمنع ارتداء “العباءة”، وهي لباس عربي تقليدي، من قبل التلاميذ والطلبة في المؤسسات التربوية الفرنسية، بتأييد مجلس الدولة، وهو أعلى سلطة قضائية في فرنسا، قرار الحكومة المثير للجدل.

واعتبر مجلس الدولة “أن حظر ارتداء العباءة، لا يشكل اعتداء خطيرا وغير قانوني بشكل واضح على حرية أساسية”، وذلك في رد على طلب قدمته إحدى الجمعيات لإصدار أمر قضائي ضدّ الحظر الذي فرضته السلطات الفرنسية على العباءة.

ويعيش الشارع الفرنسي ولاسيما الجاليات المسلمة، على وقع جدل كبير ساهمت في إثرائه الطبقة السياسية بين مؤيد ومعارض، فيما انتفض الرافضون للقرار، مبررين موقفهم باعتباره يشكل انتهاكا لحقوق الطفل، على اعتبار أنه “يستهدف بشكل أساسي الأطفال المسلمين المفترضين، مما يخلق خطر التنميط العرقي في المدرسة”.

والعباءة هي لباس تقليدي فضفاض ينطوي على صبغة اجتماعية مناطقية وليس لباسا دينيا كما يزعم اليمينيون المتطرفون في فرنسا، حتى يسقطوا عليه القوانين المجحفة بعنوان حماية القيم العلمانية في هذا البلد، الذي يتغنى سياسيوه بقيم الأخوة والمساواة والحرية.

وتعتبر الجالية المسلمة في فرنسا ثاني أكبر جالية بعد المجموعة المسيحية الكاثوليكية، أن حكومة اليزابيت بورن بهذا القرار المجحف تكون قد استعدت أزيد من عشرة ملايين مسلم فرنسي، وخلقت مشاكل دبلوماسية مع الدول المنحدر منها هذه الجاليات، وعلى رأسها الجزائر التي تعتبر صاحبة أكبر جالية مسلمة مقيمة في هذا البلد الأوروبي.

وعلى عكس ما ذهب إليه مجلس الدولة الفرنسي، يرى كثير من الأكاديميين الفرنسيين، ومنهم الأستاذ  المحاضر في كلية العلوم  السياسية بجامعة ليون، حواس سنيقر، أن “العباءة ليست زياً دينياً ولا علامة دينية، بل هي شكل من أشكال الموضة”، كما جاء في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية، فرانس براس.

غير أن اليمين بشقيه المتطرف والتقليدي، انبريا للدفاع عن موقف الحكومة المطعون فيه من الناحية القانونية، مدفوعين بخلفياتهم الأيديولوجية المعادية للجالية المهاجرة ولاسيما المسلمة منها، وعلى رأس هؤلاء صديق النظام المغربي وزعيم حزب “الجمهوريون”، الوريث الشرعي لحزب الرئيس الأسبق، نيكولا ساركوزي، الاتحاد من أجل حركة شعبية “آر بي آر”، الذي لم يتبق له من قيم الديغولية غير الإسم.

وبنبرة من الارتياح لقرار غابريال عطال، قال إريك سيوتي، رئيس حزب “الجمهوريون” لقد “طالبنا مرارا وتكرارا بمنع العباءات في مدارسنا. أرحب بقرار وزير التربية الوطنية الذي يثبت أننا على حق”، حاله حال حزب “التجمع الوطني” اليميني المتطرف، وريث الجبهة الوطنية الذي أسسه جون ماري لوبان، الذي رحب بدوره بالقرار. كما عبر إيريك زمور، وهو زعيم حزب يميني شديد التطرف تحت مسمى “الاسترداد” عن ارتياحه للقرار الذي وصفه بالخطوة الإيجابية، في مواجهة ما وصفه “الاستفزاز الإسلامي”.

غير أن مواقف السياسيين اليمينيين المتطرفين المدافعة عن قرار الحكومة، لا يعني أن هناك إجماعا على منع العباءة في المؤسسات التربوية الفرنسية، بدوره، اعتبر حزب “فرنسا الأبية” أن القرار “معاد للإسلام”. وقال زعيم الحزب جان لوك ميلانشون إنه “من المحزن أن نرى في بداية العام الدراسي استقطابا سياسيا من خلال حرب دينية سخيفة مصطنعة تماما على الزي النسائي”، كما دان قياديون في هذا الحزب ومعهم برلمانيون، القرار واعتبروه مبالغة غير مبررة في استهداف المسلمين في فرنسا، فيما اتهم حزب “الخضر” المعروف بمواقفه الإنسانية وزير التعليم بـ”إثارة جدل عميق لصرف الانتباه عن سياسة الرئيس إيمانويل ماكرون في تفكيك المدارس العامة”.

الجدل المحتدم في فرنسا بسبب مواقفها العنصرية تجاه المهاجرين والمسلمين على وجه التحديد، من شأنه أن يضيف متاعب جديدة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي شهدت فرنسا في عهده انحسارا كبيرا في نفوذها على مستوى مستعمراتها السابقة، وما تعيشه منطقة الساحل منذ سنوات قليلة خلت إلا دليل على أن باريس تعاني من أزمة كبيرة في تدبير شؤونها ولاسيما ما تعلق بتداخل مصالحها مع شركائها.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!