جواهر
حينما تجتمع الصدمة مع اللامبالاة

سرطان الثدي يطلّق جزائريات ويتسبب في إهمال أخريات!

نادية شريف
  • 3693
  • 26
ح.م

حينما تفقد المرأة رمزا من رموز أنوثتها وتميزها عن الجنس الآخر فإن أشياء كثيرة في واقعها قد تتغيّر، بدء من نظرتها لنفسها وصولا إلى تعامل شريك حياتها الذي قد يساند أو يتنكر..

وإن كانت بعض المريضات يتعايشن مع سرطان الثدي ويقبلن مع أزواجهن واقع الاستئصال بكل ما يحمله من ألم إلا أن أخريات يلاقين الإهمال والهجر، ويجدن أنفسهن تحت رحمة الداء الخبيث وصدمة اللامبالاة، اخترنا منهن عينات يبكي لسماع مأساتهن الحجر.

الإهمال أسوء من السرطان!

تعاني نساء كثيرات من الإهمال في الجزائر بسبب مباغتة الداء الخبيث لهن وبتر عضو مهم يمثل رمز أنوثتهن، ولعل من بينهن السيدة ليندة ذات الخمسين عاما التي وجدت نفسها مطلقة بعد زواج دام 18 عاما حسب ما جاءت به وكالة “فرانس برس”.

المريضة قالت بصوت حزين رغم مرور سنوات على الحادثة، أن الإهمال أسوأ بكثير من السرطان، وأن زوجها كان يصفها بـ “المقطعة” ويرى بأنها نصف امرأة، ولولا وقوف أبنائها الثلاثة ومساندتهم لها في محنتها لكان قضي عليها.

من جهتها ذكرت وكالة “فرانس برس” قصة السيدة زهرة التي خضعت لعملية استئصال الثدي في العام 2015، لتجد نفسها مطلقة بعد زواج دام 25 سنة، وبلا أي مدخول يعينها على تدبر مصاريفها.

زهرة التي تبلغ من العمر 53 سنة عبرت عن وضعها بجملة واحدة: “زوجي السابق كان مقيتا”.

المئات من الجزائريات ضحايا الإهمال واللامبالاة

ليندة وزهرة وغيرهن كثيرات يعانين من الإهمال واللامبالاة بعد خضوعهن لعملية استئصال الثدي.. هذا ما يقوله الواقع وهذا ما تؤكده السيدة قاسمي سامية رئيسة جمعية “نور الضحى” لمساعدة مرضى السرطان، التي أوضحت لوكالة “فرانس برس” أن أولئك النسوة يتعرضن للإهمال ويصبحن منبوذات في الوقت الذي يواجهن صدمة العملية والعلاج المتعب “فتصاب بعضهن بانهيار عصبي” بينما “ينتهي المطاف بأخريات في مراكز الإيواء لأنهن لا يجدن ملجأ بعد تنكر أزواجهن لهن وتركهن في منتصف الطريق يواجهن المصير المظلم!!!

الحديث عن سرطان الثدي في الجزائر لا تزال تحيط به الظلمات لأن كل ما يتعلق بخصوصية المرأة عندنا يعد من المحرمات، وقد ذكرت وكالة “فرانس برس” أن المريضات اللواتي قبلن الحديث عن وضعهن لم يبحن بأسمائهن الحقيقية ورفضن بشدة كشف وجوههن أمام الكاميرا، وعن سبب ذلك أوضحت السيدة قاسمي أنهن “يخجلن من الحديث عن مرضهن” حتى لأقرب الناس إليهن، منهن من رفضت أن تحكي ما أصابها لأختها، وأخرى ارتدت الحجاب قبل أن تبدأ العلاج الكيميائي، حتى لا تنتبه عائلة زوجها لتساقط شعرها، بينما فضلت ثالثة أن تموت بثدييها على قبول استئصالهما!

الإسلام بريء من هذه التصرفات

تقول يمينة رحو الباحثة في مركز الانثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية في ولاية وهران، إن شعور مريضات السرطان بالخجل “نابع من الألم بفقدان جزء من الجسديرمز إلى الأنوثة”.

هذا ويرفض كمال شكات عضو جمعية العلماء المسلمين الجزائريين أي ربط بين الإسلام وهذه التصرفات، حيث يقول أن “هذه ليست مشكلة دينية بل مشكلة تربية”، مضيفا أن “الإسلام يحث الزوجين على التعاون فيما بينهما، والرجل الشريف يشرف زوجته والحقير يحتقرها”.

منتهى الحقارة والتجرد من الإنسانية!

مرت حياة، وهي طالبة في الثلاثين من عمرها بمرحلة عصيبة حينما قرر خطيبها تركها ما إن أخبرته بحقيقة مرضها وضرورة استئصال ثديها.. لقد اختبرت معنى التحقير حينما تجاهل ألمها وحرقتها وقال لها بمنتهى البرودة أنه يريد امرأة كاملة وليس ثلاثة أرباع امرأة!

أما سعيدة فقصتها قصة مع المرض والتنكر في آن واحد، إذ لم ينتظر زوجها خروجها من المستشفى لتطليقها، بل قام بكل الإجراءات وهي طريحة الفراش وطلب حضانة الطفل، كما عمد إلى إفراغ حسابها البنكي دون شعور بالخجل أو الذنب حسبما روت لوكالة “فرانس برس”!

تقول هذه السيدة وهي طبيبة تبلغ من العمر 55 عاما أنها اضطرت إلى النزول في فندق بعد طردها من مسكنها لأنه لم يكن بوسعها مواجهة كل شيء، الطلاق والمرض، وقد تمكنت في وقت لاحق من استعادة حضانة طفلها وأكدت لوكالة فرانس برس بعد 15 سنة من الحادثة أن تصرف زوجها آنذاك دمرها، لأنها لم تتوقع منه أن يرميها كالزبالة، وهو الذي تزوجته عن حب وتعرفت عليه في الجامعة وكان من بين المدافعين عن حقوق المرأة!

من جهة أخرى فضلت السيدة صفية ذات 32 عاما، وهي مدرسة أن تستبق الأمور وتفسخ الخطبة بعد استئصال ثدييها لأنها أحست أن خطيبها سيفعل ذلك إن عاجلا فآجلا، خاصة وأن أهله أبدوا نفورهم واستعدادهم للتخلي عنها وهي لم تكن تملك القوة والإرادة لمواجهتهم.

أعدادهن في تزايد وأنوثتهن رهن الظروف

بحسب الخبراء، تضاعف عدد المصابات بسرطان الثدي في الجزائر خمس مرات خلال العشرين سنة الماضية، رغم الكشف المبكر وحملات التوعية بسبب تغيير نمط الحياة، عدم ممارسة الرياضة، زيادة الوزن، التدخين، إضافة إلى العادات الغذائية الجديدة، يقول البروفسور فريد شربال المتخصص في علم الوراثة إن “الجزائر تسجل كل سنة تسعة إلى عشرة آلاف إصابة بسرطان الثدي تؤدي 3500 منها إلى الوفاة”. وتواجه النساء اللواتي خضعن لعملية استئصال الثدي صعوبة في الحصول على ترميم، ذلك أن المؤسسات الحكومية التي توفر هذه الخدمة مجانا، قليلة ومكتظة، أما في القطاع الخاص فالتكاليف باهظة.

أعداد المريضات في تزايد وعمليات البتر متواصلة، أما ما يخص ترميم الثدي واستعادة الأنوثة فهي رهن الظروف، لتبقى ليندة وزهرة وسعيدة وصفية وغيرهن يواجهن المصير المحتوم ويعانين الشعور بالنقص والإهمال ولا أحد يملك مفتاح عزائهن لأن أقرب الناس إليهن تنكروا وأهملوا وهجروا والله المستعان.

مقالات ذات صلة