الجزائر
بهية راشدي.. تجربة مكتملة لكفاح المرأة الجزائرية

سجادتي وخماري معي دائما ولا أعتبر نفسي مقصرة في الحجاب

جواهر الشروق
  • 12276
  • 43
ح.م

هي قامة من قامات الفن الجزائري الأصيل، سيدة راقية في فنًها وحديثها وهمساتها وإيماءاتها.. تجربتها في الحياة جعلتها مدرسة نستلهم منها العبر والدروس، ليس في مجال الفن والتمثيل وحسب وإنما في مختلف تجارب الحياة التي قد تمر بها المرأة.. هي السيدة بهية راشدي التي ارتقت ببساطتها وتواضعها إلى مصاف العظماء بعد أن ملكت قلوب محبيها.جواهر الشروق التقت الفنانة وكان لنا معها هذا الحوار الشيق والمطول.

– بهية راشدي فنانة قديرة حققت مسارا فنيا يشهد له الجميع.. كيف تقيمين مسيرتك الفنية وهل أنت راضية عنها؟

 أستطيع القول أنني راضية بنسبة 35 بالمائة؟

– فقط؟

نعم فقط؟ سأقول لك لماذا، لأن الفنان لا يعمل وحده، فهو لكي ينتج ويقدم تحفة فنية للجمهور يحتاج إلى طاقم، ولن يكون باستطاعة الفنان أن يكون في المستوى نسبيا والأشخاص من حوله دون المستوى فهذا يجعل الصورة مختلة.

ولهذا أقول دائما أن الموسيقي أو الشاعر أو الكاتب أو النحات أو الرسام يرفع عمله ويتجول به كما يشاء، إلا الممثل فإنه من المستحيل أن يعمل لوحده، المحيط والطاقم والمجتمع والطاقم التقني والمخرج والمنتج والنص الذي يوضع بين يدي الفنان، إذا كان ناقصا يبقى دائما من المستحيل أن أقدم عملا أكون راضية عنه 100 بالمائة.

أنا من الناس الذين أستطيع القول أنهم نجحوا في حياتهم الفنية كوني تحصلت على شهادات ومتخرجة من معهد عالي للموسيقى وتحصلت على جوائز دولية معتبرة ذات قيمة عالية وصفق لي الجمهور.. وشاركت في “كان” بعد السيدة كلثوم والسيدة نادية طالبي.

وليكن في علم الجمهور أن أول جزائرية مشت على البساط الأحمر في “كان” هي السيدة كلثوم رحمها الله، بعدها نادية طالبي وبعدها جئت أنا بهية راشدي ثالث جزائرية شاركت في”كان” ورابع جزائرية هي شافية بوذراع.

الحمد لله عندي جمهور وعندي أعمال قيمة يكفيني أنني تقمصت أدوارا تاريخية باللغة العربية الفصحى وهذا ما قل أن نجده لدى كثير من فنانينا.. أنا أحب كثيرا اللغة العربية.

– تجسدين في أعمالك الفنية المرأة الجزائرية في أدوارها وفي حالاتها المختلفة، أي الأدوار وجدتها قريبة من شخصية بهية راشدي؟

 الأدوار التي قمت بها جميعها كانت تخدم المرأة الجزائرية وكنت أمثل بعض النساء الجزائريات.. طبعا دور الشخصية التاريخية غير دور المرأة الماكثة بالبيت أو المضطهدة المظلومة.. الإنسانة التي لها دور فعال تقوم به في تربية الأطفال، لكن بالمقابل نجدها مظلومة ومحقورة من الأقربين لها مثل الأخ أو الأب أو الزوج.

فهذه الأدوار تختلف، هناك بعض النساء مضطهدات حقيقة لكنها صاحبة شخصية عظيمة وقدرات عالية، إلا أنها لم تمنح الفرصة اللازمة.. عاملناها على أنها أنثى همشناها لأنها امرأة.. قيل لها قومي بشغل البيت وتربية الأطفال وفقط، يعتقدون أن هاتين المهمتين سهلتين، أبدا هي بداية مرحلة تنشئة طفل صغير سيكون رجل الغد وبنت الغد وبالتالي فدورها مهم جدا ولا يستطيع أحد آخر القيام به، لذا يجب أن نوفر لهذه الإنسانة الظروف والإمكانيات والتكوين والتعليم اللازمين وأن لا نلغي شخصيتها.

للأسف اليوم نحن مخطئين في حق هذه المخلوق ..المرأة أجمل مخلوق في الدنيا الأنثى التي يتباهي بها الرجل يتباهى بها الابن والزوج والأب فلماذا نغتصب هذه المرأة في كل لحظة هذا يعتبر اغتصاب.. قهر.. قتل..

فهذه الأدوار المختلفة لمَ أقوم بها تأكدي أنني أحسها لأننا نعيش في هذا المجتمع للأسف نحن أفراد منه وعايشين فيه من المستحيل أن تحسي بالسعادة ومن حولك لا يتنعم ولا يتلذذ بها.

فدوري في امرأتان يختلف عن دوري في صابرة، ففي امرأتان كنت أما مظلومة قهرت وظلمت وسكتت ضربت وحقرت وطلقت، أما في صابرة..الرجل ظلم المرأة واضطهدها لأنها عاقر ولا تستطيع الإنجاب فانتفضت ودافعت عن نفسها.

وكل امرأة، ومن باب التجربة، لا تكتمل أنوثتها إلى أن تصبح حاملا أو أما ومن باب الخبرة والتجربة أيضا المرأة التي لم تنجب تحب – من قوة الظلم الممارس عليها- أن تلبس لباس الرجل لكي تدافع عن نفسها، فهذه الأدوار جعلتني أتعلم أشياء ممكن كنت أجهلها أو ممكن كنت أعرفها لكن كانت مكتومة في صدري.

وبالتالي لما تقمصت هذه الأدوار وهي كثيرة جدا “التاريخية والثورية والاجتماعية” كلها أدوار خدمتني كأنثى كجزائرية لكنها تختلف والأقرب إلي هي دوري في” امرأتان” و”صابرة”

– كنت متأكدة من إجابتك، لكن لماذا هذين الدورين دون سواهما؟

  صابرة لأنها أولا كانت فيها لهجة بدوية وليس صحراوية، ولا يمكنك عدم التفاعل مع الدور ليس لأنني معنية عن قرب فقط بل لان العمل يعالج مشكل العقم عند المرأة وهو مشكل تعاني منه مئآت إن لم نقل الآلاف من نسائنا اللواتي يتألمن يوميا، إضافة إلى أن النص يلعب دورا كبيرا في نجاح العمل وتقبله.

صابرة.. نلت عنه جائزة أحسن ممثلة عربية في مهرجان كوثر الدولي للإذاعات والتلفزيونات العربية للإنتاج السمعي البصري سنة 2005 .

ولا يمكن الحصول على جائزة من هذا الطراز، إلا إذا كان كل أعضاء اللجنة تأثروا للنص وللإخراج يعني للعمل بأكمله خاصة دوري لأن الجائزة تتعلق بأحسن دور نسائي أو أحسن “ممثلة عربية”.

يكفي أن هذا الدور جعلني أكسب جمهورا عريضا لأن اللهجة التي تكلمت بها “اللهجة البدوية” لم أقزمها كما تفعل بعض الفنانات.

أما “امرأتان” فهو الفيلم الذي رغم قدمه لا يزال إلى الآن يشاهده الكثير من الناس ببساطة هو فيلم دخل الأرشيف ويعرفه كل الأجيال حتى جيل اليوم.  

– ما رأيك في وضع المرأة الفنانة؟

الوضع يختلف من جيل لجيل، في سنوات 1948 إلى 1962 كانت المرأة الفنانة تعد على رؤوس أصابع اليد فقد كن قليلات ولكن عندهن قيمة كن متميزات بأخلاقهن وجدارتهن وقدراتهن ولما تصعد على الركح السيدة نورية او السيدة وهيبة او السيدة كلثوم يصفق لهن الجمهور وكن يفتخرن باللباس التقليدي لمختلف المناطق كانت تبلغ رسالة وكن رمزا للجزائر، كانت الفنانة آنذاك تستعمل كل السبل والحيل لكي تقول أننا جزائريون ولدينا ثقافة ولباس وعادات وتقاليد.

من جهة أخرى كن يعملن بدون مقابل تقريبا وكن يبعن ممتلكاتهن من أجل إنجاز عمل ما، من بينهم السيدة نورية التي أحبها كثيرا.

أما جيلي فمنهم من لم يدرس أبدا أي غير متكون علميا وفيهم المتخرجون من معاهد متخصصة والفرق بينهما ليس كبيرا فأغلبهم كان عصاميا.. كنت أتمنى أن جيل اليوم يجمع بين العصامية والتكوين.

لما نريد أن نتعلم.. أبسط شيء أن نسمع لغيرنا لكن مشكلتنا في هذا العصر أن أغلب الفنانات فيهن عيوب كثيرة لا تعد ولا تحصى ولا يتعلق الأمر بكلهن طبعا. فلا يكفي أن تكون الفنانة جميلة أو بارعة في التمثيل.. المهم في كل هذا التربية فالفنان ثقافة وحضارة وأدب واحتشام وخبرة وهو يحمل رسالة هي رسالة الضمير المهني ونعني به أيضا القدوة الرئيسة والسفير للبلد والشعب.

أما فناناتنا اليوم فبمجرد أن تقوم بدور رئيسي تحسب نفسها نجمة وتنسى أن  المشوار مازال طويلا ربما بعدها ستسقط في الهاوية.

في زماننا كنا نخصص وقت فراغنا للقراءة قراءة أي شيء صحيفة مجلة كتاب المهم الاطلاع والتثقف.

أغلبية الفنانات اليوم للأسف لما تصبح مشهورة أول ماتقع فيه هو الغرور والغرور يؤدي إلى  الجحيم وأن تصبح فريسة لكل من هب ودب ونحن للأسف بناتنا كل ثعلب في رأسه تاج من ذهب تتبعنه.. هذا غلط غلط..

– هذا يحيلنا إلى الحديث عن بطاقة الفنان وأهليتها من الذي ينبغي أن يحوزها حسب رأيك؟  

تطرقنا إلى الموضوع في المجلس الوطني للفنان مع الوزيرة منذ أيام وتناقشنا عن الفنانين الذين يحق لهم حيازة البطاقة.

وأنا أعارض  بشدة منح البطاقة المهنية لأي فنان يستقدم سيرة ذاتية بها 5 أو 6 أفلام، حيث يجب منح البطاقة لمن تتوفر فيه الصفات اللازمة مع الاحتفاظ بحق سحبها متى استدعى الأمر ذلك، إذ يمكن أن نتغاضى عن بعض الأخطاء الطفيفة التي قد تسيء بها الفنان إلى نفسه لكن لما يسيء هذا الأخير إلى وطنه أو يقوم بسلوك غير أخلاقي هنا يجب أن تسحب منه البطاقة.

وتمنح البطاقة أيضا لمن يمتلك تكوينا وشهادات، أما في حال عدم توفر ذلك فلابد من إثبات الجدارة على الميدان، يجب أن يكون لهذا الفنان جمهور وأعمال تشهد بذلك، ولا يهم نيل الجوائز من عدمه، فمئات الفنانين لم تتح الفرصة لهم لتفجير طاقاتهم ولم يستطيعوا الحصول على الجوائز.

باختصار فنانات اليوم أغلبهن يعتمدن على التسويق لجسدهن وانحلالهن من أجل البروز.

– أي الفنانات القريبات إلى قلبك؟

من الفنانات المعاصرات أحب كثيرا سميرة صحراوي ومليكة بلباي وريم تكوشت وإيمان نوال وتينهينان.

أما من جيلي فهناك الكثيرات: جميلة عراس، نوال زعتر، عايدة قشود، فتيحة بربار وغيرهن  

أحب أيضا فريدة صابونجي شخصية هي بذاتها قصة أو محطة فنية وأشهد لها بأنها تتمتع بحنان ودمعة جد سخية أتمنى لهن طول العمر يارب، دون أن أنسى أيضا فاطمة حليلو ودليلة حليلو التي أخذتها منا السياسة فعلا لقد ضيع الفن فنانة جميلة جدا على المسرح، أيضا غزالة المسرح صونية، أما عايدة فهي اليمامة لها براءة لم تمحها سنين العمر.

– تكفلت بتربية ابنتين، حدثينا عن قصتك مع الكفالة؟

تكفلت ببنتين هما بنات أخواتي الشقيقات ولكل منهما قصة.. بنتي الأولى اسمها سعاد وهي أم لستة أطفال وجدة منذ فترة، والثانية اسمها صليحة وهي أم أيضا.

سعاد قصدت كفالتها وطلبت من أختي ذلك فقبلت، أما صليحة فلم أنوي كفالتها إلا أنني تعلقت بها بعد ذلك ولم أستطع فراقها، وكانت من أجمل ما أهدتني أختي.  

المرأة التي لا تنجب مشكلة حقيقية والتكفل أيضا صعب للغاية لأن المجتمع لا يساعد، فالأم الطبيعية منحت الحياة لهذا الطفل، لكن الأم التي تتكفل تقدم حياتها لهذا الطفل والتضحية بالحياة أمر صعب جدا.

الأم المتكفلة تعيش صراعا رهيبا في كل يوم يمر تخشى أن يطالب الآباء الحقيقيون بابنهما فالخوف من المجهول يلازمها دائما.

ابنتي سعاد التي كفلتها جميلة جدا شقيقتي وافقت على أن أربيها ولما بلغت 5 سنوات كانت والدتها تخرجها من حين لأخر وتخبرها أنها أمها، وأنا كنت ارفض وأقول لها أنني أمها أيضا واعترف أنني ربما أكون قد أخطأت لكنن كنت صغيرة جدا ورغبتي جامحة في أن أكون أما، لذا أنصح كل من يرغب في التكفل بأن نقول للطفل الحقيقة مبكرا جدا أو متأخرا جدا، لكن مجتمعنا لا يتيح لنا الفرصة لقول الحقيقة متأخرا ويسبقنا لذلك الجار أو الأهل أو المعلم.

أعود لموضوع سعاد عاشت البنت في صراع كنت مثل اللبؤة أقول لأختي إياك أن تقولي لها أنا أمك.

في كل سنة كانت سعاد تطلب معرفة الحقيقة وأرفض إلى أن تزوجت قالت لي أريد معرفة الحقيقة من فمك “من هي أمي الحقيقية” فقلت لها الحقيقة لكنها صدمت كثيرا فقد كان الوقت متأخرا جدا وعانت من اختلال نفسي شديد، لولا ستر الله.

وفي قصة كفالتي لصليحة استوعبت الدرس ووظفت الخبرة والايجابيات معها، وليومنا هذا صليحة قانعة وسعيدة.

أمور التكفل مثلما تخدم الطفل قد تدمره لذا على المتكفل والمجتمع أن يعي ذلك ولا يتدخل أحد في الأمر.

– لماذا تبنيت الإناث دون الذكور أم أن الأمر وليد الصدفة؟

 في عائلاتنا الذكور قلائل من المستحيل ان أطلب ذلك كما أنني أحب الأنثى أحس نفسي أقرب إليها لو مازال في العمر بقية لتبنيت طفلة.

– بعض وسائل الإعلام روجت أخبارا عن اعتزالك وتحجبك هل هذا حقيقة أم افتراء؟ 

لالا.. أبدا.. الصحفيون لم يخطئوا  معي قلت أنني أنوي الاعتزال لأن في فترة ما أهانوا الفنانين من بينهم محمد راشدي زوجي رحمه الله وصادف ان اتصل بي صحافي فقلت له “إنك تتصل بي وأنا شبه منهارة” وقلت له أيضا”أفكر جديا في الاعتزال وارتداء الحجاب والمكوث بالبيت”.

في لحظة غضب يمكن ان نقول أي شيء لكن هذا ليس أي شيئا لأن النية موجودة وتبقى تلازمني وإن شاء الله لن أموت إلا وأنا متحجبة.

ومع هذا فأنا مؤمنة وأخشى الله كثيرا وأراعي ربي في كل ما أقوم به ولا أأخر صلاتي حتى أنني أركن سيارتي واصلي على حافة الطريق عندما يحين وقت الصلاة وأكون خارج البيت فأنا أحمل معي دوما لباس الصلاة وحجرة التيمم.

هناك أمر آخر لو قلته لك لبكيت لكن أن أقوله.

– ماهو قوليه من فضلك؟ 

 أضع في سيارتي إزارا أبيضا أحتفظ به وأقول لو مت يسترني الناس به.

أرأيت أنا إنسانة مؤمنة وأعرف أن الأجل قد يصيبنا في أي لحظة..

أتمنى أن أموت وسط مجموعة من الرجال لا أريد أن تكون المرأة إلى جانبي

لأن الرجل رزين في إيمانه في حكمته والله أمنيتي أتمنى أن تتحقق.

– وبدموع تتهاطل تواصل حديثها..

لا أحب الكشفة سواء كنت صغيرة أو كبيرة  تلازمني دوما فكرة الاعتزال

 في الوقت المناسب.. تقدم بنا السن ولم نعتزل لأنه لا يوجد من يتكفل بنا..لا يوجد تقاعد أو معاش للفنان توفر لك حاجياتك اليومية.. ثم مادامني قادرة نقدم منذ بداية حياتي أحرص على الظهور وستر جسدي والوقار وأدواري أخدم بها المرأة كوني جزائرية ومسلمة.. أنا متحجبة أحس أنني لم أنتقص من حقي في حجابي فهناك من المتحجبات من أهانوا الحجاب.

– معذرة ولكن حجتك قد لا يهضمها الكثير من القراء، فهل يعقل أن فنانة بحجمك لم تدخر ما يعيلها في كبرها؟

الفنان لا يدخر المال، فالإنسان الذي يعمل مرة في السنة كيف له أن يدخر؟ ثم إن الحجاب لا يمنع أن أواصل عملي كفنانة.

– كيف لا يمنع؟

معناها الأمور التي أرفضها وأنا بالحجاب لن أقبلها وأنا بدونه مثلا يسند إلي دور المرأة الأرستقراطية التي تدخن السيجارة أبدا لن أؤديه.. أنا عندي تاريخ.. رصيد والله لو يقدم لي الملايير لن أقبل.

أحد المخرجين طلب مني أن أطفا النور وأنام في الفراش بعد أن أقدم الدواء لزوجي طريح الفراش في الفيلم.. فقلت له “كي يتلاقى السماء مع الأرض لن يحدث هذا”..إذن متحجبة أو غير متحجبة المسألة فيها هي مسألة مبدأ، وفني ليس للمساومة لو يعطيني مال قارون، ليس لأني بهية راشدي ووصلت بل لأني جزائرية لي رصيد ولي جمهوري الذي أمثله.

– هل تنوين زيارة البقاع المقدسة؟

من يستطيع الاستغناء عن زيارة مقام ابراهيم الخليل أمنيتي أن أعتمر.

أهديت لي عمرة من قبل بلدية سيدي محمد في عيد المرأة بمناسبة 8 مارس الفارط ، تمنيت الذهاب في رمضان ولم يكتب لي ذلك ربما أذهب في المولد النبوي الشريف.

– عشت تجربة صعبة خلال مرض زوجك رحمه الله..أخفيت عنه الحقيقة وتألمت في صمت، كيف استطعت تحمل كل هذا؟ولماذا؟

لعبت عدة أدوار في وقت واحد.. هنا كنت أمثل حقيقة.

البداية كانت مع البروفيسور كيساح في مستشفى مايو بالأمراض الصدرية -التي أحييها وأعتبرها من أروع أطبائنا- كنت أصحبه يوميا إلى المستشفى باب الواد وأجرى التحاليل بعدها عرفوا أن عنده سرطان موجود في مكان خطير وبعد الفحوصات أشارت لي الطبيبة بأن تتحدث معي لوحدنا طلبت من زوجي تركنا لدقائق وعندما خرج قالت لي…

هنا تنفجر بالبكاء

الجملة الأولى قالت لي “زوجك مريض جدا” والثانية “زوجك مصاب بسرطان” الثالثة “لا نستطيع إخضاعه للجراحة لأن الورم موجود في الغشاء الذي يغطي الرئتين معا وهي شفافة جدا” رابعا وهي الضربة القاضية والصاعقة “بقي له 3 أشهر ويموت”.. يعني الأجل يعلم به الله لكن كلامها هذه المرة كان في محله.. قالتها لي في 23 مارس وفي 23 جوان توفي رحمة الله عليه، 3 أشهر بالتمام.

بقيت كالصنم ولم أستطع البكاء رددت فقط “مستحيل هذا مستحيل” قلتها ألف مرة في تلك اللحظة وطلبت مني الطبيبة إبقاء زوجي في المستشفى لتلقية بعض المقويات وغيرها ومكثت معه في المستشفى.

وفورا طلبت منها أمرا واحدا أن لا تبلغه بحقيقة المرض، فقبلت وقالت لي لك كامل الحق في عدم إخباره بالأمر.

خشيت عليه أمورا كثيرا يقدر يصاب بسكتة قلبية تقتله وتقضي عليه لا نستطيع التنبؤ بردة فعله فالموت صعب جدا وسماه الله مصيبة.

عاش 20 سنة تهميش لم أرد أن أضيف له عبئا فبقيت أحافظ على هذا الجانب ولم نخبره وقلنا له أن مصاب بالتهابات صدرية.. تصوري راح ل “بيار وماري كوري” أين كنا نزور المرضى ولم ينتبه لشيء وبالمناسبة أحيي البروفيسور بوزيد والدكتور كيبوة.

وبقي على يقين أنه لا يعاني من شيء ولما يتحدث معه الأطباء ينظر إلي إن كان ما يقولونه صحيحا أم لا.

توفي على الرابعة إلا خمس دقائق.. يوميا في تلك الساعة أرفع الفاتحة على روحه أين ما كنت.

أشكر الشرطة التي كانت بين عين البيان إلى مصطفى باشا توفر لي كل التسهيلات وسهلت لي عملي.. كنت مغبونة بمرض زوجي لكن فخورة بأبناء بلدي الذين وقفوا إلى جانبي.

معذرة لأننا أبكيناك لم نكن نقصد تجديد همومك وآلامك.

بالعكس حبيبتي أنا أبكي يوميا.. الناس الذين لا يعطونك فرصة لتبكي هم أعداؤك.

يوميا أقرؤ القرآن..

– تتميزين بشخصية قوية وتجمعين بين الصرامة والرفق ما السر في هذا؟

الفضل يعود أولا إلى الله لأن الانسان الذي تتوفر فيه هذه الصفات الحميدة والخصال أظن أحبه الله.. أحمد الله أنني تكفلت بأيتام هم أخواتي وأن الله حباني بأم رائعة فتحت عيني على بسمة لاتفارق محياها مهما كانت الظروف وكانت تعالج كل المشاكل ببسمة وجعلتني أرسم في ذهني أن الحياة بكل مافيها من مشاكل وعقبات ومحطات يجب أن نعالجها بحكمة والتاج الذي يكون على رأس الحكمة هي البسمة.

عرفت أن في بسمتها الشجاعة وأن لا أرفع صوتي أبدا عندما أغضب فالصوت المنخفض وقار  

كونت شخصيتي أيضا من أساتذتي الأجلاء  وخالي الذي كان حافظا القرآن وكان شديدا لكنه حنون الوالد كان شديد الصمت كلامه لا يعيده مرتين وحديثه قرارات لا رجعة فيها.

رسالتك للمرأة؟

أشهد أن المرأة الجزائرية رسمت تاريخها بنار ونور وسيبقى إذا مشينا على الدرب السليم، لذا أنصح فتاة اليوم التي أثبتت وجودها بكفاءتها وبثقافتها وبصرامتها أن تحاول أخذ الدفء من يد المرأة التي مدت لها بالأمس.

حاولي التلذذ والتنعم وحافظي على هذا الدفء لأنك قد تصابين ببرودة الزمن والقدر ولا تجدين غيرها..

أنا أفتخر بالمرأة الجزائرية وربي يوفقكم لأن المشوار مازال بعيد والجزائر محتاجة إليكن.. الجيل القادم سيعاقبكن إذا خنتن الأمانة، إياكن وأبناؤكن فلذات أكبادكن.

مقالات ذات صلة