الرأي

رياض والروح الرياضية

هناك مجموعة من الناس لا تحلو لها الحياة إلا وهي تحمل “سَوطا” لتجلد نفسها، في ظاهرة مزيج بين سادية حبّ جلد الآخرين، ومازوشية طعن الذات، ونكاد نجزم بأننا لو حصلنا على جائزة نوبل في أي صنف من العلوم، لما نجا الفائز من سِياط هؤلاء.

رياض محرز هو لاعب كرة جزائري، تألق على المستوى العالمي، واقترب في مناسبات عديدة من الكرة الذهبية لأحسن لاعب في العالم، وهو بالمختصر المفيد لاعب كرة ليس خارج الانتقاد والمحاسبة، ولكنه في الوقت ذاته ليس على فوهة كل من أراد إطلاق النار، من “مسدس أوتوماتيكي” أو”محشوشة”.

تمتع محرز بكاريزما خاصة، فقصّة يُتمه ووصية والده، قبل موته، لأجل اللعب في الجزائر، وهدوئه وحيائه، جعلته محبوبا لدى الجماهير، حتى أن قميص الأندية التي لعب لها وقميصه مع “الخضر” بيع أكثر من أي لباس في الجزائر. وقد خصّه الداعية المصري عمرو خالد ببرنامج كامل، كقدوة للشباب في الإرادة والتحدي والوفاء للوطن الأم. ولكن في خريف عمره الكروي، تراجع مستواه، وقلّ عطاءه، بل وحماسه للعبة، وكان الأجدر البحث عن مخرج محترم للاعب، مهما نقُص مستواه أو فكّر بأنانية، فسيبقى مثالا جميلا لأبناء جاليتنا في أوروبا وخاصة في فرنسا.

أما أن نحضر لبلاتوهات تحليلية، أشبه بالمشرحات التي تقطع لحوم البشر، وتحاول أن ترميها خارج تاريخ لعبة كرة القدم، فذاك ما يجب أن يتوقف حالا، لأنه ليس حرية تعبير، أو ممارسة عمل إعلامي، وإنما التأسيس لـ”باطوار”، يَجهز على كل من يسقط أرضا، ولو كان السقوط من كبوة جواد.

لقد حدثت في السابق تجاوزات إعلامية، اعتبرناها ضمن تعلّم ممارسة التعددية والنقد، فقال أحدهم عن أبناء جاليتنا من نجوم الكرة، إنّهم “أبناء فرنسا”، واتّهمهم آخر بجعل الجزائر خيارهم الثاني بعد منتخب فرنسا، واختصّ الكثيرون في انتقاد اللاعبين الذين وُلدوا في فرنسا بمناسبة ومن دونها، بدون أن تتحرك الرقابة وتوقف هذا المساس بجزء هام من أبناء الوطن، سواء لعبوا الكرة أو امتهنوا الطب والهندسة وغيرهما…

أليس غريبا أن يُستقبل لاعب الكرة كريم بن زيمة مثل الأبطال في الجزائر، وهو الذي لعب العمر كله للمنتخب الفرنسي برغم رفض الفرنسيين له، ولم يحقق للجزائر ذرّة واحدة من المجد، وفي الوقت نفسه يحمل نفرٌ من الناس “السيوف” ويطاردون رياض محرز، الذي لعب العمر كله للمنتخب الجزائري، ومنحه الأمجاد، حتى وهو ينال التكريم في قارة أوروبا؟!

الروح الرياضية المطلوبة في عالم كرة القدم، يجب أن لا تعمّ ميادين الكرة، وغرف تغيير الملابس، والمدرجات فقط، وإنما عليها أن تنطلق من “بلاطوهات” التحليل التي تضم لاعبين قدماء في سن الاعتزال وصحافيين صالوا وجالوا في بقاع العالم، يفتحون شهية أفراد جاليتنا للإقبال على الجزائر، ولا يغلقون الأبواب بالأصفاد، ويرمون المفتاح في البحر المتوسط.

مقالات ذات صلة