الرأي

رياح الجنوب .. العاتية

عبد الرزاق قسوم
  • 2843
  • 0

رحم الله أديبنا، عبد الحميد بن هدوقة ابن برج بوعريريج، الذي أوحى إليّ بعنوان افتتاحية هذا العدد، من خلال قصته الطريفة “ريح الجنوب”.

فقد استلهمت من عنوان قصته، ما يصلح لأن أنزله على واقعنا الجزائري المضطرب اليوم خصوصا في جانبه الجنوبي، وعلى حدودنا الجنوبية.

وأستأذن روح فقيدنا ابن هدوقة في أن أحول عنوان قصته  _اليوممن المفرد إلى الجمع، وأن أضيف إليه صفة العاتية، رسما وفيا، لما يحدث في الجنوب الجزائري.

كما أنني سأنأى بعنواني عن الجانب العاطفي وما يوحي به من مشاعر ذاتية في قصة ريح الجنوب، فأوجه منطلقها ومقصدها، إلى مشاعر فكرية، اجتماعية، ثقافية، وربما سياسية، كي أتمكن من رسم حقيقة ما يحدث في الجنوب الجزائري من حراك، بسبب امتزاج الماء بالنفط، والغاز، وأضيف إليه أخيرا الخمر، لتكتمل الصورة المضطربة للواقع المعيش، البئيس والتعيس.

كنت أخطط، في الحقيقة، لأن أكتب عن الإسلام منزّلا على واقع مسلمي فرنسا، في ضوء التظاهرة الفكرية التي تعيشها فرنسا، كل سنة، بمناسبة المهرجان  الاقتصادي، والتجاري، والثقافي، الذي ينظمه اتحاد المنظمات الإسلامية بفرنسا، والذي يستقطب علماء ومفكرين من أبرز علماء الأمة الإسلامية، فيعيش مسلمو فرنسا فيه حراكا عظيما، يمتزج فيه الفكر بالذكر، والإنساني بالقرآني، مما يترجم مدى العلو والسمو، الذي بلغه العقل المسلم في أوروبا، تعميقا لمعنى المواطنة، وقدرة الإسلام على المساكنة مع مختلف المواطنين والمتساكنين.

أقول كنت أهم بتخصيص وقفة تأمل عميقة لهذا الحدث الإسلامي البالغ الأهمية، لما يمثله من انعكاس على كل مسلم، وخاصة على الجزائر، بفضل تلاحم روابطها مع جاليتها المسلمة الفاعلة في الساحة الأوروبية.

كما أن أحداثا أخرى، هامة وخطيرة طرأت على الساحة الوطنية، كهزيمتنا بعد اللعب في مقابلة الدوحة الرياضية، وهزيمتنا السياسية قبل اللعب في مقابلة الكان الرياضية.

ولا أنسى، القرار الخطير، ممثلا في القنبلة الاجتماعية، والأخلاقية، والدينية، التي ألقى بها وزير التجارة، في وجه الشعب الجزائري المسلم بتحريرهبيع الخمر، وجعله في أيدي الأطفال والشباب، والنساء، والكهول.

إنها كلها قضايا تضغط على المصلح الاجتماعي كي يتناولها، إسهاما منه في بث الوعي، وإصلاح خطى السعي.

غير أن فقه الأولويات، وفقه الواقع فرضا عليّ أن أولّي وجهي من الغرب الأوروبي إلى الجنوب العربي الإفريقي الجزائري، فأوجه قلمي نحو حراك الجنوب، لأغمسه في حرارة تراب أرضه، وقوة وغزارة نبضه.

ولقد استبشرنا، بالهدوء السائد في غرداية، وبعودة الوعي الموؤود، والعقل المفقود إلى بني وطني من الإباضية والماكلية، لفتح صفحة جديدة هي صفحة الأمل والعمل، وطي صفحة أخرى مقيتة، هي صفحة الدماء والبلاء.

وما كدنا نستسلم لهذا الأمل الخصيب، حتى فاجأتنا رياح الجنوب العاتية، التي تهب من ورقلة وعين صالح، وتمنراست، وتقرت، منذرة بزمجرة الجماهير المتعالية والمتمادية، فما لهم يزمجرون؟ وما لحكامنا لا ينطقون؟

لوح المواطنون في الجنوب، بالعدل في توزيع مناصب الشغل، فقال قائلون إنها مجرد زمجرة مراهق، وشغب أطفال.

وصاحت الجماهير في عين صالح، وتمنراست، أن احمونا من الغاز الصخري، الذي يلوث ماءنا وهواءنا، ويهدد غذاءنا وأطفالنا ونساءنا، وقد يصبح وباء يعمق داءنا، ويعجل وباءنا. وما بين الغاز الصخري الخطير، وظلم الشغل العسير، وتدهور النفط الوفير، اضطرب المسير، وادلهم أفق المصير.

ليس المهم _إذنأن يحدث هذا الحراك في جنوبنا، فقد كان متوقعا، لذوي الحصافة والعقل، أن ينفجر الوضع، نتيجة تراكم المتفجرات الاجتماعية، والاقتصادية، والأخلاقية، في المنطقة، والتي يصفها أبناء المنطقة بالحقرة، والتهميش، والإقصاء.

غير أن الأهم من كل ذلك، هو صمت العالمين بخبايا الأمور، عما يحدث في هذه القطعةالغاليةمن التراب الجزائري، التي تمطر ذهبا، ونفطا، وغازا، وثقافة، لكنها غدت بمثابة العيس التي يقتلها الظمأ، والماء فوق ظهورها محمول.

إن هذا الصمت، أو اللامبالاة أمام ما يحدث في الجنوب الجزائري، علامة استفهام وتعجب، مفاده، كيف ينبغي أن نواجه هذا الغضب الشعبي، بالتكفل اللائق بقضايا الوطن والمواطن؟

وما هي أنجع السبل لاستئصال أسباب التشنج، والتوتر، والغضب لدى أبناء الجنوب، كي نقضي على التخلف، وسوء النمو، في منطقة أرضها ذهب، وقبائلها عُصب، والحكم فيها لمن غلب؟

وما اكتفى القائمون بالأمر بهذا، بل زادوا الطين بلة، فأضافوا إلى طاحونة التوتر قانون تحرير الخمر، وجعله في أيدي المواطنين الأبرياء، الأتقياء، مما يذكرنا ببيت أبي نواس:

ربابة، ربــــــــة البيت    

تمزجالخمــــــــربالزيت

لها سبع دجاجات   

وديك حسن الصوت

فيا قومنا!

إن الحق ظاهر، ولا يمارى فيه إلا مغامر أو مكابر.

فمشاكل الجنوب الجزائري، تبدأ بإصلاح القوانين الجائرة في حق أبناء هذه المنطقة، وأبرزها.

1أن يعاد العمل، بتخفيض أسعار البنزين، في منطقة الجنوب المنتج للنفط، كعامل تشجيع لأبناء المنطقة مع تشديد الرقابة على المتاجرة به، أو تهريبه خارج الحدود.

2عدم إعطاء المهن العملية البسيطة كالسائق، والبواب، والطباخ، وكل ما لا يتطلب شهادة تخصص يندر وجودها في المنطقة إلى الوافدين من خارج المنطقة.

3إعطاء الأولوية في التوظيف، للمناصب المتخصصة، لأبناء الجنوب، حتى يتم الاكتفاء الذاتي.

4التصدي _بعلملقضية الغاز الصخري، وإعطاء رأي العلم بجميع أنواعه، علم الطب، وعلم البيئة، وعلم المياه الجوفية، وغير ذلك، مما يقدم الضمانات لحماية البيئة والمواطن، من أي أثر سيء للغاز الصخري، على الصحة البدنية، والصحة البيئية.

وقبل هذا، وبعد هذا، يجب تعميق منهجية التكوين لدى المواطنين الجزائريين عموما، وأبناء الجنوب بصفة خاصة، حتى تنمو فيهم، روح المواطنة، والوعي بالذات، وعمق الانتماء الحضاري، وفقه التسامح، وحتى تختفي مظاهر التعصب المذهبي، أو الطائفي، أو القبلي.

 

فبذلك يمكن القضاء على هذا الحراك الجماهيري في الجنوب، ولكي لا تحرثوا في البحر كما يقول خالد محمد خالد رحمه الله.

مقالات ذات صلة