-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

رهانات ما قبل 2030

عمار يزلي
  • 300
  • 0
رهانات ما قبل 2030

عندما تتغير المعايير بلا مقاييس وننتقل من القوانين إلى القواعد في كل القضايا الإستراتيجية وفي العلم والمعرفة والعلوم السياسية، نكون قد بدأنا في “التصعيد نحو الانحدار” والانزلاق نحو الهاوية.

هذا ما نلمسه منذ ثلاثة عقود على الأقل، وأكثر ما نشعر به الآن مع تنامي الرغبة في الهيمنة المطلقة للقطب الواحد الذي أعلن انتصاره في 1991 على لسان الرئيس بوش الأكبر إثر انهيار جدار برلين: انتصار معلن، ما كان يكون له أن يكون بين قوتين نوويين، وهذا بحسب الكثير من المتابعين والخبراء الإستراتيجيين السياسيين والعسكريين في الولايات المتحدة نفسها، لأن إعلان انتصار طرف نووي على طرف نووي آخر، يعدّ إهانة وينذر بتفجير شحنات الغضب بعد جيل واحد أو حتى أقل. وهذا ما حدث، عندما استعاد الروس عافيتهم بعد انهيار تام للمنظومة الشيوعية الاقتصادية والسياسية والعسكرية، وكاد البلد أن يتفتّت كليا عبر استقلال أقاليم وجمهوريات ستلتحق بالغرب وبالحلف الأطلسي.

اليوم، لم يعد الوضع ولا ميزان القوة كما كان عليه في 1991، أي قبل جيل كامل، مع ذلك، تعمل القوة المهيمنة المنتصرة في الحرب الباردة على الإبقاء على الوضع القائم، بل والتوسّع أكثر، لكن بفرامل لا تدري، وإن كانت تعلم، أنها لم تعد قادرة على التحكّم فيها بمفردها وبشروطها وقواعدها، خاصة مع العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، التي مثّلت التحدّي الأكبر للأطلسي في العودة إلى تشكيل قوة “الحرب الباردة الساخنة”، من خلال كتلة الغرب الأوروبي، الذي وجد نفسه هو الآخر تحت معطف الليبرالية الجديدة المهيمنة على العالم ككل، وبالأخص الكتلة الأمريكية التي صارت تمثل، أو فيما يبدو لها، القوة الوحيدة المتبقية التي تسيير العالم على هواها وفق ما تفتضيه مصلحة النخب السياسية والاقتصادية العسكرية. لهذا، كان على القوانين الدولية ومؤسساتها الأممية، التي تسيّر وفق شروط وإملاءات الولايات المتحدة والغرب الأوروبي في المرتبة الثانية، وإلا، فإن هذه القوانين التي صاغتها بعد الحرب العالمية الثانية القوى المنتصرة فيها، لم تعد قوانين نافعة، ولا محيّنة، وكان لزاما على القوة الوحيدة المهيمنة المتبقية بعد 1945، في نظرها، أن تخضع هذه القوانين إلى تعديل، وإن لم تنجح، فستعمل على العمل على “القواعد” التي تسنّها هي بنفسها لتكون موازية ولاغية أحيانا للقوانين الدولية. رأينا هذا في الحرب على العراق، إذ شرعنت الحرب ضمن “تحالف” غربي، خارج قوانين مجلس الأمن. من هنا كان المبتدأ والخبر، لكن بعد نحو 30 سنة، العالم لم يعد كما كان: صار الروس أقوى اقتصاديا وعسكريا وصارت الصين قوة منافسة اقتصاديا وتعمل على أن تكون منافسا عسكريا للغرب والولايات المتحدة مستقبلا، بما في ذلك التسلّح والاتصالات الفضائية والنووي.

ضمن هذا التشكّل الجديد للعالم ما بعد نهاية الحرب الباردة، يتجّه العالم من جديد إلى حرب باردة مستعرة، كما لو أن حربا عالمية ثالثة تتحضّر وتستدرج، بنفس الأساليب والمبررات التي فجّرت الحرب الكونية الأولى والثانية، إنما هذه المرة، المسألة أخطر لأنها ستكون حربا شاملة بين القوى العظمى النووية، إذ لا أحد رابح فيها، والكل سيخسر والكل سيدمر نفسه بنفسه. لهذا، تبدو لنا التطورات مع نهاية هذه العشرية، في غاية الدقة والخطورة إن لم يكن هناك حل تفاوضي، كما كان يحصل حتى في سنوات الحرب الباردة ضمن ما كان يسمى التعايش بين الكتلتين: الشرقية والغربية: حل للقضية الفلسطينية أولا، ثم قضايا أخرى عالمية وعلى رأسها الصراع في أوكرانيا والمسألة التايوانية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!