الجزائر
تراجع كبير للحجوزات رغم تخفيض الأسعار بـ50 بالمائة

ركود قاعات الأفراح..عزوف عن الزواج أم اقتصاد في التكاليف؟

نادية سليماني
  • 1894
  • 0
أرشيف

قلّت مواكب الأعراس، التي كنا نصادفها في الطرقات صيفا، ومثلها حجوزات قاعات الأفراح، عكس سنوات سابقة. فهل للأمر علاقة بعزوف الشباب عن الزواج؟ أم إن أعراسنا باتت بسيطة وغير مكلفة، بحيث تخلت العائلات عن كثير من مظاهر التبذير والبهرجة التي عرفها مجتمعنا، وكانت تلاقي استهجانا كبيرا.
بمجرد دخول فصل الصيف، تنطلق مواكب الأعراس، التي كنا نصادفها يوميا عبر الطرقات والشوارع، وأحيانا نلتقي أكثر من موكب في طريق واحد، يتوقفون في الطريق مطلقين الألعاب النارية، مقتطعين لحظات للرقص والمرح، تحت أصوات الموسيقى العالية. والمشاهد نفسها، كنا نرصدها أمام قاعات الحفلات، بحضور فرق “الزرنة” و”الطبابلة” و”العيساوة”.. فأين اختفت مثل هذه المشاهد مؤخرا؟ وإن كانت موجودة، فقد باتت قليلة جدا مقارنة بسنوات ماضية.
يفسر مواطنون سألناهم في الموضوع، بأن الأمر متعلق بالغلاء الذي تعرفه مختلف لوازم الأفراح، ناهيك عن ارتفاع المهور، وهو ما جعل العائلات تستغني عن كثير من مظاهر الأفراح.

أزواج جُدد يتخلّون عن الأعراس..
“نوال” موظفة متزوجة حديثا، أكدت لنا أنه رغم راتبها الجيد وعمل زوجها، ولكنهما فضلا عدم إقامة عرس، بل اكتفت بمأدبة عشاء بمنزلها رفقة والديها وشقيقاتها فقط، والشيء نفسه بمنزل زوجها، الذي أخذها في موكب مكون من سيارتين فقط.
وأرجعت محدّثتنا أسباب ذلك، إلى توجيههم مصاريف العرس لكراء شقة وتوفير المال لاقتناء سيارة مستقبلا. وقالت: “أقاربي لا يزالون غاضبين، لعدم دعوتهم لعرسي رغم تبريري أسباب ذلك.. ومع ذلك، فأنا قمت بما يناسبني وزوجي “.

شباب متخوفون من الزواج
ويفسر آخرون أسباب قلة الأعراس، بعزوف الشباب عن الزواج. فغالبية النساء الموظفات بتن يفضلن الوظيفة على الارتباط، ومنهن من تجد حريتها في البقاء عزباء. أما الرجال، فكثير منهم جاوزوا الـ 50 بلا زواج، وأغلب تبريراتهم: “لا وجود لزوجة صالحة، لا يمكنني تحمل مسؤولية زوجة وأطفال، لا أملك سكنا، الزواج مُكلف..”.
ويعترف أصحاب قاعات حفلات تحدّثنا معهم، بقلة الحجوزات السنوات الأخيرة، إلى درجة أن نشاط الكثير انخفض حتى 50 بالمائة منذ قرابة الـ 4 سنوات، وتحديدا بعد جائحة كورونا، مؤكدين أنهم كانوا يتلقون حجوزات حتى السنة المقبلة، أما حاليا “فبالكاد نُغلق قائمة شهر الصيف “.

خفّضنا الأسعار حتى 50 بالمائة
وفي هذا السياق، كشف رئيس اللجنة الوطنية لقاعات الحفلات، المنضوية تحت لواء الجمعية الوطنية للتجار والحرفيين، بريكسي رقيق، في اتصال مع “الشروق”، أن نشاط قاعات الحفلات ورغم تخفيض الأسعار بين 30 إلى 50 بالمائة “انخفضت الحجوزات كثيرا منذ جائحة كورونا، بسبب انخفاض القدرة الشرائية، وتحول اهتمام العائلات نحو تأجير الفيلات والمسابح والمطاعم لإقامة حفلاتهم، أو يقيمون حفلاتهم بمنازلهم مستعينين بمنظمي الحفلات المتخصصين في التزيين والديكور “.
وظاهرة قلة الأعراس، أثرت سلبا على مداخيل 700 قاعة حفلات تنشط بطريقة شرعية عبر الوطن، وبحسب محدثنا، أرباحهم الأصلية تأتي من أعراس الشتاء والربيع، “فبمدخول هذين الفصلين نتمكن من إعادة تهيئة قاعة الحفلات وإصلاح ما تم إتلافه صيفا وشراء ما نحتاجه، استعدادا لموسم الصيف المقبل. بينما مداخيل الصيف، تذهب لنفقات المعيشة والعائلة “.

قاعات غير مرخصة ومشاكل مع الزبائن
ومن أسباب قلة مظاهر الأعراس، بحسب تفسير بريكسي، أن كثيرا من العائلات تفضل كراء قاعة حفلات تنشط بطريقة غير شرعية، بسبب انخفاض أسعارها، يفرض عليهم صاحبها عدم إقامة أي مظهر فرح خارج القاعة، لتفادي لفت الأنظار أو شكوى الجيران من الإزعاج “لأن هذه القاعات لا تملك ترخيصا قانونيا، ولا تأمينا على أصحاب العرس في حال وقع أي حادث لهم”، على حد قوله.
ومن مخاطر كراء قاعات الحفلات غير الشّرعية، حدوث مشاكل بين الطرفين، وأغلبها متعلق بزيادة الأسعار في آخر لحظة، أو غياب خدمات تمّ الاتفاق عليها مسبقا.
وبحسب شكاوي مواطنين، منهم من خسر عربونه بعدما رفض صاحب القاعة إعادته إليه عند إلغاء الحجز، وآخرون يرفعون الأسعار في آخر لحظة على المبلغ المتفق عليه، وتضيع حقوق الزبائن حتى لو قصدوا المحاكم، ومنهم مواطن ضاع عليه مبلغ العربون المقدر بـ 10 ملايين سنتيم، بعدما رفع صاحب قاعة الحفلات سعر الكراء بـ 12 مليون سنتيم إضافية على مبلغ 23 مليون سنتيم المتفق عليه.
ويشير بريكسي، إلى أن القاعات غير المرخصة لا تقدم لزبائنها عقودا مكتوبة، شروط إقامة العرس، من سعر وكيفية التنظيم، ومدة استغلال القاعة، ومدة سريان العربون.. إلخ، وهو ما يجعل الطرفين يضيعان حقوقهما في حال الإخلال بأحد الشروط، سواء كان زبونا أم صاحب قاعة.

بن روان: اندثار الأسرة التقليدية ساهم في العزوف عن الزواج
اعتبر المُختص النفساني، كمال بن روان، أن مجتمعنا يشهد عزوفا ملحوظا عن الزواج من الجنسين، بسبب تغير التركيبة الأسرية. فقديما كانت الأسرة التقليدية، المكونة من الجدّين والأعمام القاطنين في مسكن واحد، هم من يتولون نفقات زواج الأبناء، أما بظهور الأسرة المعاصرة المكونة من زوجين فقط، بات الشاب يعتمد كليا على نفسه في مصاريف زواجه، وهذا ما يتسبب في تعطيل زواج الشباب إلى حين “تكوين أنفسهم”، على حدّ قولهم.
وقال المختص، من الناحية النفسية، يبدأ الشاب بالتفكير في الزواج انطلاقا من سن الـ 20 إلى 33، وبسبب غلاء التكاليف، يؤجل الشاب زواجه، وهذا التأخير يفتح له باب العلاقات غير الشرعية، فيصل إلى سن الـ 40 حين تبدأ الرغبة النفسية للزواج تتلاشى، ليصل إلى مرحلة البرود. وأضاف: “يقصدني في عيادتي كثير من الشباب بعضهم يقارب الـ 50 سنة ولم يرتبط رغم حالته المادية المقبولة، وآخرون لولا ضغط محيطهم المقرب لبقوا عزابا للأبد “.
أما بالنسبة للنساء، فمع زيادة فرص التوظيف وبحث المرأة عن “تكوين نفسها مثلها مثل الرجل، بشراء سيارة والحصول على مسكن للحصول على استقلال مادي”، بتن يتأخرن مُتعمدات عن الزواج. وعند تجاوزهن الثلاثينات، وظهور الخوف من شبح “العنوسة” يرتبطن بأول رجل، حتى ولو لم تتوفر فيه الشروط المطلوبة من طرفهن.
وفي الشق الموازي، باتت غالبية أعراس الجزائريين أكثر بساطة مؤخرا، أيضا بسبب اندثار الأسرة التقليدية، التي كانت تحافظ على تقاليد الأفراح من خلال ذبح الكباش وإقامة ليال للأفراح، لأن النفقات كانت مشتركة والأسعار في المتناول. أما مع الغلاء الحاصل حاليا، يقرر الشباب توفير المصاريف لأمور أكثر أهمية. ويرى محدثنا أنها “ظاهرة صحية جدا، ونتمنى تعميمها”.
وحذر بن روان من انتشار ظاهرة الطلاق، التي باتت “مخيفة ولأتفه الأسباب غالبا”، داعيا كل السلطات التي لها صلة بالأسرة إلى تنظيم لقاءات وندوات تحسيسية حول الموضوع.

مقالات ذات صلة